محمد عادل زكى
(Muhammad Adel Zaky)
الحوار المتمدن-العدد: 8369 - 2025 / 6 / 10 - 07:47
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
في سجلات التاريخ، صفحاتٌ داميةٌ، يخطها مدادُ الجشع والطمع، وتُروى فيها فصولٌ من الألم والمعاناة، فصولٌ بطلتها قارةٌ عريقة، قارةٌ تحمل في جوفها كنوزًا لا تُحصى، وعلى أرضها حضاراتٌ ضربت بجذورها في أعماق الزمن. إنها أفريقيا، القارة التي كانت ولا تزال مسرحًا لواحدٍ من أبشع عمليات النهب في تاريخ البشرية، نهبٌ لم يتوقف عند حقبةٍ زمنيةٍ معينة، بل استمر وتطور، ليُصبح جرحًا نازفًا في جسد التاريخ والإنسانية. فمنذ قرونٍ خلت، بدأت أولى فصول هذه المأساة، حينما أبحرت سفنُ الظلام من شواطئ بعيدة، لا تحمل إلا روحًا استعماريةً متعطشةً للمال والسلطة والدم. لم يكتفِ هؤلاء المستعمرون بنهب ثروات القارة من ذهبٍ وألماس ومعادن ثمينة، بل امتدت أياديهم الملطخة بالدماء لتُخطف البشر أنفسهم. ملايين الأفارقة، رجالًا ونساءً وأطفالًا، سُيقوا إلى المجهول، في رحلةٍ مأساويةٍ عبر المحيط، ليكونوا وقودًا لثورةٍ صناعيةٍ في عوالم أخرى، ولتبنى على أكتافهم حضاراتٌ، بينما تئن أوطانهم تحت وطأة الجوع والتخلف. صليلُ القيود كان هو النشيد الوطني لتلك الحقبة، وأنينُ العبيد كان هو اللحن الجنائزي الحزين الذي رافقها. إنها جريمةٌ لا تُغتفر، وصمةُ عارٍ على جبين الإنسانية، حفرت أخاديد عميقة في ذاكرة الشعوب الأفريقية. ولكن، هل توقف هذا النهب مع نهاية حقبة الاستعمار المباشر؟ كلا، بل تطورت أساليبه، وارتدت ثوبًا جديدًا أكثر دهاءً ومكرًا. لقد استُبدل المدفع بـ"الاستثمار"، والقوة العسكرية بـ"الدبلوماسية الاقتصادية". اليوم، يُنهب خيرُ أفريقيا من خلال عقودٍ مجحفة، واتفاقياتٍ لا تراعي إلا مصلحة الطرف الأقوى. شركاتٌ عابرةٌ للقارات تستغل ضعف التشريعات، بل تصنعها صنعًا، وتُهدر الموارد الطبيعية، تاركةً وراءها دمارًا بيئيًا وفسادًا مستشريًا. ثرواتٌ هائلة من النفط والغاز والمعادن تُستخرج بأثمانٍ بخسة، وتُباع في الأسواق العالمية بأسعارٍ باهظة، بينما تظل شعوب القارة حبيسة الفقر والمرض. إنها معادلةٌ ظالمة، تضع أفريقيا في خانة المُصدر للمواد الخام، والمُستورد للسلع المصنعة، لتظل أسيرة التبعية الاقتصادية. أضف إلى ذلك: لقروض المشروطة، والتدخلات السياسية، والضغط على الأنظمة لتبني سياسات تخدم مصالح القوى الكبرى، هي جميعها أشكال حديثة لنهب مستمر، إنها قفاز حريري يُخفي مخالب من حديد. لقد آن الأوان لصحوةٍ حقيقية، صحوةٍ لا تنحصر في الأنظمة والحكومات، بل تمتد لتشمل الوعي الشعبي في أفريقيا. يجب أن يُكشف النقاب عن هذه الممارسات المشينة، وأن تُفضح الأيدي التي لا تزال تنهب خيرات القارة. إنها دعوةٌ للعدالة، لاستعادة ما سُلب، وتعويض ما أُهدر، ولإعادة الاعتبار لقارةٍ عانت طويلاً، لكنها لم تفقد أبدًا قدرتها على النهوض والازدهار. فأفريقيا ليست مجرد قارةٍ غنيةٍ بالموارد، بل هي مهدُ الإنسانية، ومنبعُ الحضارات. وحين تنهض أفريقيا، فإنها لن تنهض لوحدها، بل ستُشعل شعلةَ الأمل في قلوب الملايين حول العالم، لتُعيد التوازن إلى عالمٍ اختل فيه ميزان العدالة. فهل تستجيب الإنسانية لنداء أفريقيا؟ وهل تُكتب صفحاتٌ جديدةٌ من تاريخها، صفحاتٌ تروي قصةَ التحرر والعدل، لا قصةَ النهب والجشع؟
#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)
Muhammad_Adel_Zaky#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟