للاإيمان الشباني
الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 00:09
المحور:
الادب والفن
شاعرة مغربية تنسج قصيدتها بخيوط الروح، وتترك على الورق أثرًا دافئًا من حضورها الإنساني والأنثوي. تنتمي إلى الجنوب الشرقي من المغرب، حيث تمتزج القساوة بالجمال، وتنعكس تلك الثنائية بوضوح في نصوصها التي توازن بين الحنين والانتماء، بين العاطفة والتأمل، وبين الذاتي والكوني. اشتغلت في حقل التربية، وهو ما جعل لغتها محملة بالقيم، شديدة الحساسية تجاه الإنسان، خصوصًا المرأة والطفل والطبيعة.
لا تسعى أمينة حسيم إلى التجريب اللغوي لأجل التجريب، بل تنحت نصوصها برفق، كمن يقطف زهرة من قلب الصخر. شعرها يتخذ طابعًا وجدانيًا خالصًا، لا يخضع لإكراهات الإيقاع التقليدي، بل يتنفس بحرية، ويراهن على الصورة الشعرية كوسيلة للتعبير لا للزينة. قصائدها تشبه مرايا صغيرة نرى فيها تفاصيل الذات وهمومها اليومية، وامتداداتها العاطفية والوجودية. تحضر الأمومة في بعض نصوصها كرمز للحياة والعطاء، وتحضر الأرض كأفق للهوية، ويحضر الحنين كظل لا يفارق اللغة.
في حضورها الثقافي، تلمع أمينة حسيم في أمسيات الشعر، تحاور الجمهور من موقع الشاعرة التي تؤمن بأن الشعر رسالة قبل أن يكون جمالًا، وبأن الكلمة يمكن أن تكون دواء، واحتضانًا، وصلاة. حين تلقي قصائدها، تبدو كأنها تهمس في أذن العالم، لا تصرخ، بل تبوح، وهذا هو سر تأثيرها.
أمينة حسيم لا تكتب من أجل البطولة اللغوية، بل من أجل الصدق. تجربتها تؤسس لكتابة أنثوية ناضجة، ترفض أن تُختزل في الجسد أو الشكوى، وتختار بدلًا من ذلك أن تُحاور الحياة بلغة ناعمة، شفافة، وعميقة. هي شاعرة تؤمن بأن القصيدة لا تُولد من الذهن فقط، بل من الوجدان، من رائحة الخبز، من دمعة أم، من خفقة قلب، من رعشة حب صادق تؤكد أمينة حسيم هذا المسار الهادئ والمضيء، كأنها تمشي على حافة الضوء، وتدعونا أن نرافقها، لا لنصفق، بل لنصغي.
المجال الصحفي والإعلامي
كان لها شرف تقديم حفل عقيقة سمو الأميرة للاخديجة كريمة الملك محمد السادس بولاية مراكش عام 2007.
قامت بتنشيط مراسيم حفل تكريم أمير الصحافة المصرية، الصحافي محمد التابعي بمدينة آيت أورير، بحضور كريمته وزوجها سفير مصر في كولومبيا عام 2010.
ساهمت في تقديم نشرة الأخبار للتلفزيون المغربي بالبث المباشر للقناة التلفزيونية المغربية الأولى.
قامت بتنشيط برنامج إذاعي تربوي من أربع حلقات بعنوان: بين المدارس. توجت من طرف الرصد العربية سلطانة القصيدة العربية، كما أنها كانت مراسلة صحفية لجريدة صدى الجهة بمراكش.
استضافتها العديد من المنابر الإعلامية الإذاعية والالكترونية بمراكش وغيرها.
قامت بتغطية سهرات فنية وملتقيات أدبية مغربية وعربية في العديد من المدن المغربية.
قادت أول مؤتمر وطني لجمعية آباء وأولياء التلاميذ بقصر المؤتمرات بمراكش.
كانت بمتقطعة أربع سنوات لإدارة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة مراكش آسفي، بحضور وزير التربية الوطنية والتعليم آنذاك.
بكل من مدن مراكش، الحاجب، وليلي، وإفران لمدة أربع سنوات.
قامت بتغطية أشغال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني الثالث عشر لمنظمة التضامن الجامعي بمدينة بوزنيقة 2022.
شاركت سبع مرات في ملتقى الثقافة العربية بمدينة خريبكة، بمداخلات أدبية مع أدباء ومفكرين من مصر، ليبيا، الجزائر، العراق، لبنان وفلسطين، وتقديم أمسيات شعرية في كل الملتقيات السبع، من 2012 إلى نونبر 2024.
المجال الجمعوي
رئيسة الرابطة المراكشية للثقافة وإحياء الموروث الشعبي من 2018 إلى الآن.
الكاتبة العامة لاتحاد الفنانين المغاربة.
عضو شرفي في الرابطة الوطنية للشعر والموسيقى بعد مهنتي نائبة الرئيس والكاتبة العامة للرابطة سنوات عديدة.
الكاتبة العامة لجمعية أسهام مراكش للتراث الوطني.
مؤسسة لجمعية اليقظة لحماية المستهلك.
كانت عضوة في العديد من الجمعيات المغربية سابقًا.
ولنتعرف عليها أكثر نعرض عليكم من أعمالها
1_ بين شفق وشفق...أرى وجه الله.
بين النور والنور
تسلل بين خيوط الشمس
قبل أن يستدير قرصها الأحمر
ويضيء السفور المقدس
وجه الكون
في الشرق البعيد...
...
2_العابرون ...العابرون.
العابرون...العابرون
يعبرون
كنسمة ريح
تمتص بياض الغيم
كظل يعانق موج البحر
ويختفي في الأفق
بعيدا عن الامتداد.
هذان مقطعان من قصيدتين مختلفتين، تنسج الشاعرة أمينة حسيم عالَمًا شعريًا يمتد من تخوم الروح إلى حدود الكون، مستعينة بانزياحات لغوية ودلالية مكثفة تخرج بالكلمات من حقلها المألوف إلى أفق الرؤيا والتأمل. نصّان قصيران في الظاهر، لكنهما عميقان، مشحونان بإيحاءات روحية ووجودية، يعبّران عن رؤية الشاعرة للإنسان والكون في لحظات انكشاف أو عبور.
أولًا: "بين شفق وشفق... أرى وجه الله"
يفتتح المقطع بجملة تتسم بكثافة رمزية عالية: "بين شفق وشفق... أرى وجه الله". هذا التركيب الزمني والضوئي يضعنا منذ البدء في منطقة الانفلات من الزمن الخطي، حيث يتكرر "الشفق" لا بوصفه لحظة ثابتة، بل بوصفه تموجًا متواترًا من الضوء والظلال. إن تكرار "شفق" يعمّق الإحساس بالدورة الكونية، وبالمفصل الذي يتذبذب بين الزوال والانبثاق، بين الليل والنهار، وهو مفصل قابل لأن يتجلى فيه حضور إلهي.
الرؤية هنا ليست بصرية بقدر ما هي روحية: "أرى وجه الله". إنها رؤية عرفانية، تتجاوز الإدراك الحسي إلى التجلي، إلى الكشف، وهو ما يُعبّر عنه في التراث الصوفي بـ"المشاهدة". الانزياح هنا انزياح دلالي عميق، إذ تُنسب الرؤية إلى الله بطريقة رمزية، تعني معانقة الجمال الكوني، لا تجسيد الخالق.
تتابع الصور الشعرية باشتغال مكثف على الضوء:
"تسلل بين خيوط الشمس / قبل أن يستدير قرصها الأحمر"
في هذا المشهد، تتحول الشمس من جرم سماوي إلى كائن ذي إرادة، ينسلّ نوره ككائن حي، قبل أن "يستدير قرصها"، وهو تعبير مشحون بالحركة والانسياب، ويخترق أفق الزمان عند لحظة الشروق أو الغروب، حيث تتداخل النهايات والبدايات. اللون الأحمر هنا ليس فقط لونًا بصريًا، بل علامة على التحوّل، على اشتعال الرؤية.
ثم تقول: "ويضيء السفور المقدس / وجه الكون / في الشرق البعيد"
الانزياح في "السفور المقدس" بالغ الدقة، إذ يُنزع اللفظ من سياقه المعتاد (السفور بمعنى الكشف أو نقيض الحجاب)، ليُعاد توجيهه نحو لحظة كونية تتصف بالقداسة. السفور هنا ليس فعلًا بشريًا بل كوني، حيث يكشف الكون عن "وجهه"، تمامًا كما رأت الشاعرة "وجه الله" في مطلع المقطع.
"وجه الكون" إذن مرآة للوجه الإلهي، و"الشرق البعيد" ليس مجرد اتجاه جغرافي، بل رمز للانبثاق، للمهد، للضياء الأول. هو الشرق الذي تشتهي الروح الوصول إليه كلما استيقظ فيها الحنين إلى الأصل
ثانيًا: "العابرون... العابرون"
ينفتح المقطع الثاني على تكرار صوتي: "العابرون... العابرون"، وهو تكرار يخلق صدى زمنيًا ووجوديًا. هؤلاء العابرون لا يُحدّدون، لا جنسًا ولا هوية، لأنهم لا ينتمون إلا للحظة العبور نفسها. تكرار اللفظة يوحي بالحركة المستمرة، بالمرور العابر الذي لا يترك أثرًا، ما يمنح النص مسحة وجودية قائمة على الفناء والتلاشي.
"يعبرون كنسمة ريح"
هنا تنزاح الريح من معناها القوي إلى المعنى الرقيق، فـ"نسمة" تُضفي على العبور خفة وسرعة وهشاشة. إنهم لا يعبرون بوصفهم حاضرين، بل ككائنات لا تُمسك، لا تُحاط، مثل الروح أو الذكرى.
"تمتص بياض الغيم"
صورة شعرية قائمة على انزياح عميق، إذ يُنتزع "بياض الغيم" من كونه دالًا على الصفاء والنقاء، ليُقدّم كمادة قابلة للامتصاص، وكأن العابرين يسلبون من الطبيعة طهرها أو يختزنونه معهم أثناء الرحيل. كما يُلاحظ أن الفعل "يمتص" يُستخدم غالبًا مع السوائل، مما يعمّق الغرابة ويزيد من كسر التوقع.
"كظل يعانق موج البحر"
هنا تلتقي صورتان من عالم اللاجسد: الظل والموج. كلاهما هش، متغيّر، لا يُمسك، يذوب في الآخر دون استقرار. صورة "العناق" توحي بحميمية مفرطة، لكنها حميمية وهمية، لأن لا الظل يُمسك، ولا الموج يُحتضن. كأن الشاعرة ترسم لقاء المستحيلين، أو العلاقة العابرة بين ما لا يمكن أن يتثبت.
"ويختفي في الأفق / بعيدًا عن الامتداد"
الختام يقودنا إلى التلاشي التام. فالعابر لا يذوب فقط في الأفق، بل يختفي خارج الامتداد، أي خارج نطاق الزمان والمكان، خارج التجربة المعاشة. وهذا انزياح مكاني/فلسفي: فالأفق عادة حدّ للرؤية، لكن هنا يصبح أفقًا للعدم، للمحو، للانفصال النهائي عن الوجود المتعيّن.
مقطعان، رغم اختلاف موضوعهما الظاهري، يتقاطعان في فلسفة جوهرية واحدة: الإنسان ككائن عابر في كون سرمدي، والكون كفضاء قابل للكشف والتأمل الوجودي. الانزياح عند أمينة حسيم ليس مجرد تقنية أسلوبية، بل هو ضرورة فنية، تمنح اللغة طاقتها التأويلية، وتُحرّر الدلالة من أسر المألوف.
ففي المقطع الأول، تسافر بنا الشاعرة في إشراقة نورية صوفية، حيث الضوء يُكشف بوصفه مجلى إلهيًّا. أما في الثاني، فتُعرّي حقيقة الكائن في هشاشته، في مروره الصامت الذي لا يترك سوى أثر رمزي يشبه الظل، يشبه النسمة، يشبه العناق الذي لا يُمسك.
إنها كتابة تتنفس الشعر بوصفه رؤية، وتحيا اللغة بوصفها تجربة وجود.
#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟