أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - جعفر الكوّاز حاملُ الهوى ومفهرسُ الذاكرة














المزيد.....

جعفر الكوّاز حاملُ الهوى ومفهرسُ الذاكرة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8365 - 2025 / 6 / 6 - 18:11
المحور: سيرة ذاتية
    


في أزقة الحلة القديمة، وتحديدًا في محلة جبران، ولِدَ جعفر جواد الكواز سنة 1937م، وقد ارتبط اسمه بلقبٍ شعبيٍ صميم، جاء من مهنة جده الذي كان يبيع المواد الفخارية، فغدا يُعرف بـ"جعفر الكوّاز". وكأن هذا اللقب الشعبي الذي التصق به منذ النشأة، قد حمل في طياته رمزًا للمثابرة والارتباط بالتراث، إذ تحوّل لاحقًا إلى فخّارٍ من نوع آخر، يصوغ الذاكرة العراقية لا من طين، بل من حبرٍ وفهرسةٍ وأرشفة.
نشأ جعفر في الحلة، المدينة التي تفتح أبوابها مبكرًا على الثقافة والفكر، وتلقّى فيها مبادئ القراءة والكتابة على يد الشيخ هادي عطيوي، ثم أكمل تعليمه في المدرسة الشرقية، فمتوسطة الحلة، ومنها إلى دار المعلمين الابتدائية في بعقوبة حيث تخرّج سنة 1956م، ليبدأ مسيرته في التعليم من مدرسة "البصيرة" في جنوب الحلة، معلّمًا للغة الإنجليزية والتربية الفنية. لكنه لم يكن مجرد موظفٍ في سلك التعليم، بل مربٍ رسالي، يحمل في قلبه حبًّا للعلم، وفي عقله شغفًا بالفهرسة والمعرفة.
لقد جمَع جعفر الكوّاز في مكتبته الخاصة كنوزًا معرفية، ما بين أمهات كتب التراث، وأعداد نادرة من المجلات العراقية والعربية، جُلِّدت بعناية، واحتُفظ بها وكأنها مخطوطات نفيسة. وقد أنشأ مكتبة صوتية نادرة أيضًا، مازجًا بين الكلمة المكتوبة والمسموعة، كما لو أنه كان يحاول أن يحفظ لذاكرة العراق أصواتها وصورها وحروفها، خشيةَ أن تبتلعها العتمة.
لقد تأثّر الكوّاز بأساتذة كبار في علم الفهرسة والأرشفة، أمثال عبد الحميد العلوجي وكوركيس عوّاد، وسار على خطاهما، فأنجز أعمالاً خالدة في هذا المضمار، من أبرزها:
فهارس مجلة الأقلام العراقية – الجزء الأول.
فهارس مجلة المورد (1977-1982).
فهارس مجلة التراث الشعبي.
حامل الهوى تعب – ذكريات.
أما مقاله الدوري "من أساتذتي"، الذي نشره في جريدة الجنائن الحلية، فكان أشبه بسيرة ذاتية متقطّعة، تُروى من زوايا المدارس التي درس فيها، وأروقة الطفولة والصبا، لتقدم مشهدًا وجدانيًا مفعمًا بالوفاء لمن علّموه.
النقّاد الذين وقفوا عند أثره لم ينظروا إليه بوصفه مجرد مفهرس، بل رأوا فيه حاملًا لهمّ ثقافيّ كبير. فقد وصفه أحدهم بأنه "ذاكرة حيّة للأرشيف الثقافي العراقي"، فيما شبّهه آخر بـ "بوّاب المعارف" الذي جعل الفهرسة جسرًا بين الباحثين والمعرفة، في زمن كانت فيه الفهارس تُنجز يدويًا، وتحتاج إلى صبرٍ ودقة أشبه ما تكون بعمل النسّاخين القدماء.
ومما يزيد من رمزية شخصيته، أنّه أوصى بأن تُودَع مكتبته في مؤسسةٍ ثقافية، ولم يشأ أن تؤول إلى الورثة كما يفعل كثيرون. وهكذا أودعها صديقه المخلص السيد حسام الشلاه، الذي قام بإهدائها إلى متحف الحلة المعاصر عند تأسيسه، لتُفرد لها إدارة المتحف ركنًا خاصًا، جعل من هذا الكنز المعرفي متاحًا لكل من أراد التماس الحكمة من زمن الورق.
توفي جعفر الكوّاز في الحلة يوم 22 آب 2006، ودُفن في النجف الأشرف، تاركًا وراءه إرثًا صامتًا لكنه ناطق في وجدان كل باحثٍ أو قارئٍ أو دارسٍ مرّ ذات يوم بين رفوف مكتبته.
في زمنٍ تفرّقت فيه الذاكرة، كان جعفر الكوّاز يجمعها، يجلّدها، ويصونها. وفي زمنٍ ضاع فيه الأرشيف بين الإهمال والنسيان، بقي هو شاهدًا على جدوى الصبر، وعلى عبقرية التنظيم، وعلى قدسية الحبر إذا اقترن بالنية الطيبة والعمل المتقن.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور عدنان الظاهر سيرة حياة عالم كيميائي مميز
- عبد الإله كمال الدين... العابر بين الخشبة والمكتبة
- أديب كمال الدين شاعر الحرف ومتصوف المعنى
- الدكتور وليد جاسم الزبيدي شاعر الذاكرة والمناسبات
- قاسم عبد الأمير عجام الناقد الذي قتلته الكلمات الحية
- الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي
- حسين السلطاني.. الشاعر الذي ظلمه المجتمع
- عادل الياسري.. وردة عراقية نزفت شعراً
- علي الحمداني... شاعر تفتّحت في قلبه حدائق الشعر والوفاء
- حمزة فيصل المردان شاعر يتقاطع فيه النبض العمودي والهمّ الحدا ...
- حامد الشمري: شاعر العمود ومترجم القصيدة العالمية
- الدكتور جليل كمال الدين المُترجِم الذي أهدى القارئ العربي دف ...
- جبار الكواز.. صائغ الطين وحارس الذاكرة البابلية
- الدكتور علي إبراهيم قارئ السرد العراقي وناقد الغربة الحيّة
- أحمد زكي كاظم الأنباري بين ضوء الكلمة ونبض التاريخ
- الشاعر عبد الهادي عباس طاقة شعرية متجددة
- ذات زمن في بغداد – قراءة في مذكرات مارغو كرتيكار
- قراءة في قصيدة - لون لا تعرفه الشمس-
- قراءة في رواية المتألم المتأمل
- الشاعر مالك مسلماوي.. أصالة الحرف وتجريب القصيدة


المزيد.....




- -أنفًا لأنف مع رجل-.. دب جائع يقتحم دار رعاية مسنين ويدخل غر ...
- نائب ترامب: لا أعتقد أن إسرائيل ترتكب -إبادة جماعية- في غزة ...
- واشنطن أم طهران.. من سيقدم تنازلات؟
- رجل يقود سيارة وسط مجموعة من الناس في مدينة باساو الألمانية ...
- حركة المجاهدين الفلسطينية تنعى قياديين اثنين في غزة
- مدفيديف يكشف أسباب عدم استلام كييف لجثث جنودها
- شاهد.. زلزال يهز استوديو برنامج تلفزيوني في بث مباشر
- بوتين يوقع على قانون لتشديد الرقابة على نقل البضائع
- حديث الأمير محمد بن سلمان عن -العدوان الإسرائيلي- على فلسطين ...
- صحيفة: المفوضية الأوروبية كانت تمول منظمات بيئية لتفعيل أجند ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - جعفر الكوّاز حاملُ الهوى ومفهرسُ الذاكرة