أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - الاغتراب النفسي في أغنية (مرينة بيكم حمد) للكبير ياس خضر














المزيد.....

الاغتراب النفسي في أغنية (مرينة بيكم حمد) للكبير ياس خضر


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 19:00
المحور: الادب والفن
    


واحدة من أجمل واعرق الأغاني العراقية التي غناها المطرب الكبير ياس خضر (صوت الأرض) واجادها، أيُّ اجادة، بصوته الشجي، وحنجرته الذهبية الصادحة؛ هي أغنية "مرينة بيكم وحمد"؛ وبالرغم من مرور ما يربو على خمسة عقود من الزمن على تاريخ أدائها، لكن، كأنها تُذاع لأول مرة، كلما نسمعها، وذلك لمصداقة كلامها، وفلسفة طرحها، على اعتبارها تشرح حالة وجدانية معينة من حالات المجتمع العراقي الكثيرة والمتعددة، حالة ربما لا تشابه في مظلوميتها وألمها الّا القليل من الحالات المؤلمة، ألّا وهي واقعة جفاء وغياب حيث لا عودة، كونه غياب أبدي، لا يقلّ عن الموت، أو هو الموت بعينه – الغياب لمن نُحب هو بمثابة الصاعقة التي تنزل علينا من السماء لتهشم رؤوسنا – وفيه (الغياب) إحساس عالٍ بالضياع، والشعور الوجودي، واللاوعي بالإدراك الحضوري، لأنّه في هذا يفقد المعني السيطرة على التحليل واستيعاب الصدمة، فالصدمة ستكون له كعاصفة هوجاء اغرقت سفينة أمله على حين فجأة، فظلَّ يتشبث بخيوط النجاة من دون جدوى.
(جيزي المحطة بحزن وونين يَفراكين// ما ونسونه، ابعشكهم عيب تتونسين// يا ريل جيّم حزن اهل الهوى، امجيمين)
الشعور هذا أيضًا يعطينا بُعد ماورائي – ميتافيزيقي، حيث يحوّل منظومة الوعي لدينا إلى المكوث في دهاليز ذلك الماورائي، لنستنطق تلك الأبعاد، ونتمعن في صيغتها المعرفية، لعلنا ندرك مفاهيمها، بعد الوغول في تصوراتها، كما أرتأى الفلاسفة الميتافيزيقيون فعل لك، فخرجوا بمبنىً رفضه كثير من الفلاسفة، لاسيما نيتشة، بل حتى ايمانويل كانت الذي آمن بجزء من الماورائيات وانتقد قضايا أخرى، وبرر ذلك لكون العقل لا يدرك كنهها.
الأغنية كنص، يرمي ذلك بسلة القدر (القدر المحتوم) كون الكثير، وعلى وجه الخصوص: الدينيون، يؤمنون بأن القدر هو من يرسم أهدافنا ومستقبلنا، ونحن، كبشر، نسير وفق أرادة القدر، والبعض يقول أن القدر هو الله، أي ارادته التي ارتآها وجعلها ضمن السير الموجه للإنسان، والانسان بدوره لا يستطيع أن يخالف أرادة الله، هذا قولهم. والحقيقة، أن هذا نوع من الجبر، وهو ما قالت به "المجبرة"، وحتى "المفوضية" الذين سلموا أمره وفوضوه للقدر. والاغنية تعالج الموضوع هذا، مع عتب على الغائب، كإن تطلب منه أن يخالف ما كُتب، فيعدل عن غيابه.
(يا ريل،/ طلعوا دَغَش والعشق جذابي// دِك بيّه كل العمر ما يطفه عطابي// تتوالف ويه الدرب،/ وترابك ترابي// وهودر هواهم،/ ولك/ حدر السنابل كطه)
ما يبرر ذلك، حالة من الغبن أو الاستهانة التي ارادها المعني بالأمر، لأدراكه أن تلك الايام أو السنوات كانت عبارة عن حُلم، أو سراج وقد أنطفى، بلحظة من اللحظات، فترتب الأمر على حين ما حصل، وهو أمر قد يكون إثر نكسة نفسية. لكن السؤال: مَن يتحمل مغبة ذلك الأمر؟، وقد وصلت الأمور إلى مفترق طرق، لم تكن بالحسبان، وهو ما يحزُّ بالنفس، وهو نفسه الشعور بالتغريب النفسي؛ ولعل هذا النوع من التغريب هو أشدُّ ما يقع على الإنسان حيث يصبح ارتداد عاطفي، يؤدي بدوره إلى حالة مرض نفسية يصعب علاجها، فيقاسيها الإنسان (المتضرر جرّاء هذه الحالة) أشدُّ مما يقاسي المريض من حالات مستعصية، علاجها غير موجود، إلّا بعودة الغائب نفسه ورجوع الحالة إلى طبيعتها، مثلما كانت عليه.
وبطبيعة الحال، الصدمة ربما هي علاج لمرض آخر، مرض نفسي أو عصابي، فبعض علماء النفسي ومنهم أريك فروم، يعتبرون أن الحب - العشق مرض نفسي – عصابي، وآخرون أعدوه وهمٌ ديني أو شعور بالنقص لدى الناس (الرجل يبحث عنه لسد شعوره بالنقص، والمرأة كذلك) ومنهم فويرباخ، وقريب منه كافكا الروائي المشهور، بل وحتى شوبنهور، والسبب ذاته الذي جعل منه أن يحتقر المرأة، فلم يتزوج طيلة حياته، ولم يقترن بامرأة.
(آنه ارد الوك الحمد.. ما لوكن لغيره/ يجفّلني برد الصبح وتلجلج الليره/ يا ريل بأول زغرنه العبنه طفيره/ وهودر هواهم، ولك.. حدر السنابل كطه)
ما يؤلم هي الذكريات، وخصاصة أيام الطفولة التي نعتبر تتصف بالبراءة والنقاء، حيث لا يوجد في قاموسها: الخداع، الغش، المراوغة ..إلخ. الحب فيها لا تشوبه شائبة، وهو بالتالي لا ينسَ لأنه اصبحت جزء هام من تاريخنا، من ماضينا الجميل، من سنواتنا التي مرّت وكأنها حُلم مر مرور الكرام، وظلت فقط الذكريات لا تريد أن تبرح ذاكرتنا، رغم مرورنا بمحطات عدة، ولم يبق من عمرنا إلّا كما تبقى الشوائب في قعر الأناء.
الشاعر النواب في هذا النص، يستعرض مراحل الحياة، وهو يعبّر عن الم مكنون في قعر النفس، ويروم البوح به، فهو، كأي طفل عاش في المجتمع العراقي، وقد مرت به مراحل الطفولة. وما نشعر به من نوع من الاستغراب أن الشاعر مظفر النواب، هو لم يعش في الريف، بل أن معظم حياته قضاها في المدينة، لكن ما ذكره في هذا النص – الاغنية، وغيرها من نصوص أخرى كثيرة، يظهر مدى حبه للريف، وكونه يحمل شغف معرفي عن الريف، ومفردات أهل الجنوب التي تمتاز بالبساطة والصدق، والروح الوثابة ازاء الناس، وازاء بعضهم لبعض.
(جنْ حمد فضة عرس جن حمد نركيله/ مدكك بي الشذر،/ ومشلّه اشليله// يا ريل ثكل يبويه وخلِ أناغيله،/ يمكن أناغي بحزن منغه ويحن الكطه/ كضبة دفو، يا نهد/ لملمك.. برد الصبح/ ويرجفنَك، فراكين الهوه ... يا سرح)
صوت الأرض، ياس خضر في هذه الاغنية، كأنّه صعد إلى السماء، وجاءنا بصوت سماوي، حيث الأداء، والتناغم مع اللحن الطالبي (نسبة إلى طالب القره قولي) كأنه سمفونية موزارتية (نسبة إلى موزارت) لكنها عراقية.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية العمى: فلسفة انهيار المبادئ والقيّم
- الترابط والموضوعية في مجموعة (تاتو) للقاصة تماضر كريم
- النسق وبناء النص عند الشاعرة فراقد السعد
- عشرة كتب غيّرت قناعاتي الفكرية والمعرفية1/ 10
- الجزالة والبُعد الوجودي في (مرايا البحر) للشاعرة السورية هوي ...
- مفهوم الدين عند فويرباخ 1/ 2
- هل الكتابة ابتكار؟
- شعاع ابيضّ - نافذة سوداء تأسيس لسمو الإنسان للقاص حميد محمد ...
- الدهشة والمفارقة في (وجه أزرق) للقاص عبد الحسين العبيدي
- خالد القطان-إلى المنفى أو تقويم الأحزان
- النزعة الوجودية عند دوستويفسكي
- البناء النصي في مجموعة (تحت صواري ديسمبر) لزينب التميمي
- ماركس.. مؤسس المدينة الاقتصادية
- تولستوي.. اعترافات أم تخبط فكري؟
- ما هي الشيوعية؟
- سلطان العارفين.. الرومي جلال الدين
- بيكون.. الفيلسوف الذي حقق حلم أفلاطون
- الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية 3/ 3
- الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية2/ 3
- الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية1/ 3


المزيد.....




- استقبال تردد قناة روتانا سينما على النايل سات وعرب سات وتابع ...
- “الخيال بقى حقيقة”.. Honor 400 Pro بيصور كأنك في فيلم وسعره ...
- هل يعيد الذكاء الاصطناعي صياغة قواعد صناعة الموسيقى؟
- نغوجي واثيونغو حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردست ...
- مصر.. منشور منسوب للفنان المصري أحمد آدم يثير ضجة بالبلاد
- سلوتسكي: السلطات في لاتفيا مستعدة لحظر حتى التفكير باللغة ال ...
- نجوم فيلم -Back to the Future- يجتمعون لاستعادة قطعة أثرية م ...
- لمحة عن فيلم -Wicked: For Good-.. هذا ما كشفه الإعلان التروي ...
- بوتين يدعو للاحتفال بيوم لغات شعوب روسيا في ذكرى ميلاد رسول ...
- مصر.. تصاعد الخلاف بين محمد الباز وابنة الشاعر الراحل أحمد ف ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - الاغتراب النفسي في أغنية (مرينة بيكم حمد) للكبير ياس خضر