|
الفلسفة المحمولة وتحديات علم الأجتماع السياسي المعاصر/ شعوب الجبوري - ت: من الألمانية أكد الجبوري
أكد الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 8357 - 2025 / 5 / 29 - 00:03
المحور:
قضايا ثقافية
سؤال المقال العلمي والتعليمي: هل الفلسفة المحمولة لعلم الأجتماع السياسي. هو إلغاء الواقع الأجتماعي التقليدي؟ وكيف سيكون شكل نظم تشكيلات مهارات وعيه المحمول - المتغير؟ وما هي أوجه التحديات لو اختفى الواقع ووعيه الاجتماعي السياسي. حقًا؟
نعيش في حالة يقظة دائمة، لكن دون هدى. وعندما يسود الضجيج، تفكك الروح. فقد بوصلتها. هكذا عبرت عنه آلية التقنية المتقدمة. وتطورها السريع. الآن. عن ذلك بصراحة.
نعيش محاطين بالشاشات، لكننا منفصلون بشكل متزايد عن الملموس. نلمس الأسطح الملساء، ونمرر أصابعنا على الزجاج، دون أن ندرك خشونة العالم الحقيقي. لقد استُبدلت التجربة المباشرة، بما تحمله من غموض ومفاجأة، بتمثيلات مصقولة، مُحسّنة للمتعة. ليس الأمر أن العالم قد اختفى، بل أنه استُبدل بصورته، صورة لا تتطلب التفكير، بل مجرد النظر. لقد استعمر المرئي. الواقع المعرفي الاجتماعي. وقد حذّرت الابحاث العلمية. من سرعة الواقع الاجتماعي. والانتقالات السريعة لوعيه، بدِقَّته الحزينة المعهودة، من هذا.
نحن نتجه نحو مجتمع سياسي شفاف، حيث ينبغي أن يكون كل شيء مرئيًا، لكن لا شيء يمكن فهمه حقًا. ما لا يُعرض، لا وجود له. ما لا يُعرض، لا قيمة له.
إذن، لا يختفي الواقع الاجتماعي السياسي فجأةً، بل يتلاشى ببطء، مختنقًا بتراكم البيانات والصور الشخصية والمقاييس والتوقعات. لا نعيش لنكون، بل لنُرى. هذا النظام الفلسفي البصري الجديد لا يُنتج معرفة، بل ضجيجًا، تشبعًا لا معنى له من المعلومات يُخدر الفكر ويُشتت الانتباه.
فائض المُحفزات لا يُثري، بل يُنهك. فلسفة المفارقة المحمولة هي أننا لم نكن يومًا بهذا القدر من الوصول إلى الواقع، ومع ذلك لم نكن يومًا بهذا البعد عنه. لأن الرؤية ليست كالفهم، والتواصل ليس كالحضور.
وراء أزمة الواقع الاجتماعي السياسي هذه، يُثير قلقًا عميقًا، خوفًا من الفراغ. في هذا العالم، الذي لم يعد يُقدم سرديات عظيمة أو يقينيات مشتركة، يعمل تكاثر الصور والتصورات الفلسفية المحمولة كمُهدئ. نلجأ إلى العالم الرقمي، كمن يتمسك بلوح خشبي وسط حطام سفينة.
ولكن ماذا يحدث عندما لا يعود ذلك اللوح الخشبي يطفو؟ عندما لا نرى سوى انعكاس لرغباتنا ومخاوفنا وخوارزمياتنا، فماذا يبقى من الحقيقة؟ في هذه المرحلة من الرحلة، أيها المستمع العزيز، أود أن أوجه دعوة صادقة. إذا كان هذا الفيديو يدفعك للتفكير والشعور، أو على الأقل لطرح المزيد من التساؤلات حول العالم من حولك، فنرجو منك دعم هذا المشروع. أبدي إعجابك، واشترك، وشارك.
ليس لإشباع الغرور الرقمي، بل ليظل هذا النوع من التأمل، الذي لا يسعى للتسلية، بل للإيقاظ، قائمًا. اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يُعد التفكير فعل مقاومة. أشارت آن إلى أننا نعيش في عصر التشابه الجهنمي، حيث تُمحى الاختلافات باسم الشمول الزائف، ويصبح كل شيء قابلًا للتبادل.
هذا لا يُسطح التجربة فحسب، بل يُمحي أيضًا إمكانية الأصالة. عندما يكون كل شيء صورة ومحاكاة، تتلاشى التفردية، تلك الشرارة التي لا تتكرر والتي تجعل كل لحظة وكل شخص فريدًا. لم يعد الأمر يتعلق بالحياة، بل بتحديث ملفك الشخصي.
الواقع، كما يُفهم على أنه لقاء مع الآخر، مع ما لا نتحكم به، يُصبح لا يُطاق بالنسبة لثقافة مهووسة بالفورية والتحكم. نُفضل التنبؤ على الغموض، والحساب على التأمل. في هذا التحول، يُصبح الواقع، الذي ينطوي على المخاطرة والغموض والعمق، رواسب مزعجة.
نُزيله، نُشوّهه، نُعدّله. وهكذا، دون أن نُدرك، نُصبح سكان وهمٍ توافقي. عرف القدماء أن الحقيقة ليست مرآةً صافية، بل طريقٌ شاق. لم يُعلّم سقراط (470 – 399 ق.م) الأفكار، بل أزال اليقينيات الزائفة. لم يُقدّم يسوع إجاباتٍ سهلة، بل أمثالًا مُخلخلة. أدرك فرويد أن الوعي ليس شفافًا، بل صراعٌ بين دوافع مُتعارضة.
أما اليوم، فيجب أن يكون كل شيء سهلًا، آنيًا، وسهل الاستخدام. ولكن بأي ثمن؟ تتميز سيكولوجية الإنسان المعاصر بالانكشاف المُفرط. نرى أنفسنا باستمرار من خلال عيون الآخرين. لم نعد نتحكم في وجوهنا، بل في نسخة مُعدّة بعناية منها. هذه المراقبة الذاتية المستمرة تُجزّئ الذات، وتُجزّئها إلى أجزاء يجب أن تُرضي، وتجذب، وتُقنع. لم يعد الشخص يتساءل عن هويته، بل كيف يرى نفسه، وما إذا كانت حقيقة ذاته قد زالت.
ننظر إلى الماضي بحنينٍ مُعيّن، ليس لتمجيده، بل لأنه كان لا يزال هناك صمت، مساحات فارغة حيث يمكن للفكر أن ينبت. أما اليوم، فكل شيء مليء بالمحفزات والرسائل والإشعارات. لا مجال للتأمل، ولا للتأمل الذاتي. نعيش في حالة يقظة دائمة، ولكن بلا اتجاه. وعندما يسود الضجيج، تفقد الروح بوصلتها. هكذا قالت آن بصراحة. الإيجابية المفرطة تُمرضنا، لأن كل ما فيها يجب تحسينه وتصحيحه وإتقانه. لا مجال للضعف أو الشك أو الألم. لكن الواقع يشمل كل ذلك.
إنه في جوهره ناقص، غامض، حي. إنكاره هو إنكار لإنسانيتنا. لهذا السبب، فإن اختفاء الواقع ليس ظاهرة تكنولوجية فحسب، بل ظاهرة روحية أيضًا. إذ يمتلئ التاريخ بلحظات كان فيها الواقع محل نزاع. من بدع العصور الوسطى إلى الثورات العلمية، لطالما وُجدت قوى حاولت فرض سردية واحدة. ولكن على الأقل آنذاك كان هناك معارضة، وصراع، وصراع.
أما اليوم، فما يختفي هو المعارضة نفسها، وقد حل محلها وهم الإجماع الخوارزمي. الجميع يفكر بنفس الطريقة، لأن لا أحد يفكر كثيرًا. هذا التجانس في الفكر ليس وليد الشمولية، بل وليد الترفيه. إن التشتيت أكثر فعالية من الرقابة. وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى مختبرات للرغبة، تُشكل مشاعرنا بدقة متناهية. ما نعتقد أننا نختاره قد حُسم لنا.
وهكذا، تُصبح الحرية مجرد صورة زائفة، جزءًا آخر من الواقع يتلاشى. ومع ذلك، لم يضيع كل شيء. هناك إيماءات تبقى، كتاب يُقرأ في صمت، محادثة بلا شاشات، نزهة بلا خرائط أو ساعات، أفعال صغيرة تُعيدنا إلى التجربة المباشرة. هناك، في البساطة، يختبئ شيء حقيقي. ليس مُبْهِرًا أو مُبهرًا، بل حقيقي. ولعله هناك يجب أن نلجأ، كمن وجد نبعًا في قلب الصحراء.
قالت مرة المفكرة والأكاديمية حنه أرندت (1906 – 1975): "التفكير حوار مع الذات. ولكن كيف نفعل ذلك وكل حوار داخلي مُنقطع بمحفزات خارجية؟ لقد قطع فرط الاتصال علاقتنا بالباطن.”() لقد طُردت الذات من ذاتها. وبدون تلك الحميمية، وبدون تلك المساحة الداخلية، يُصبح العالم غامضًا. لأن من يعرف نفسه حقًا وحده هو من يستطيع الرؤية.
الخلاصة: في نهاية المطاف. يخلص بنا القول؛ لقد قلبت ثقافة الصورة المفاهيم. لم نعد نستخدم التكنولوجيا لرؤية العالم، بل نستخدم العالم لتغذيته. ينبغي توثيق كل تجربة، وتحويلها إلى محتوى. لكن في هذه الحالة، تتلاشى التجربة نفسها. كالسياح في حياتنا، نسافر عبرها دون أن نسكنها، نسجلها دون أن نعيشها. إنه لا يوجد حنين في هذا التحليل، بل تحذير. المشكلة ليست في التكنولوجيا، بل في إضفاء طابع مطلق عليها. الخطأ ليس في استخدام الشاشات، بل في العيش فيها.
أخيرا. لم يختف الواقع، لكنه أصبح أكثر هشاشة، وأصعب منالاً. علينا أن نبذل جهداً للوصول إليه، كمن يعبر غابة كثيفة بحثاً عن الوضوح. ربما لا يكمن السؤال في وجود الواقع، بل في رغبتنا في إيجاده. لأن البحث عنه ينطوي على ألم، ينطوي على شك. ليس الجميع راغباً، لكن هناك من هم، من يتوقف، يتساءل، ويشعر بعدم الارتياح. وفي هذه البادرة شجاعة عميقة.
توصياتنا وعناية تطلعاتنا. هو أن ننظر إلى الأمام مباشرة، حتى عندما لا توجد مرشحات. تلك الشجاعة للنظر دون تجميل، والتفكير دون عكازات، هي ما نحتاجه لاستعادته. لا للعودة إلى الماضي، بل لخلق حاضر أكثر كثافةً وإنسانية. كما أن حاضرٌنا لا تكون فيه الحقيقة مُسلّمًا بها، بل عملية. حيث لا يكون الواقع مشهدًا، بل لقاءً. حاضرٌنا يُمكننا فيه ربما التعرّف على أنفسنا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ Copyright © akka2025 المكان والتاريخ: برلين ـ 05/28/25 ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).
#أكد_الجبوري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تَرْويقَة: -الخوف-* لفيتوريا أغانور بومبيلي - ت: من الإيطالي
...
-
معضلة اليسار نسيانه ماركس واليمين تفهم غرامشي/ الغزالي الجبو
...
-
تشايكوفسكي - السيمفونية رقم (1):-أحلام اليقظة الشتوية-/إشبيل
...
-
رفض الخلاص لألبير كامو - ت: من الفرنسية أكد الجبوري
-
موسيقى: تشايكوفسكي - السيمفونية (1):-أحلام اليقظة الشتوية
-
تَرْويقَة: -الآن تشرق الشمس-* لبار لاغركفيست - ت: من الألمان
...
-
أوبرا -المشاء- لويلهلم فورتفانغلر(3-3) والاخيرة/ إشبيليا الج
...
-
تَرْويقَة: -الآن تشرق الشمس- * لبار لاغركفيست - ت: من الإسبا
...
-
تَرْويقَة: -المزيد من الحب-* لأمادو نيرفو
-
أوبرا -المشاء- لويلهلم فورتفانغلر(2-3)/ إشبيليا الجبوري - ت:
...
-
أوبرا -المشاء- لويلهلم فورتفانغلر(1-3)/ إشبيليا الجبوري - ت:
...
-
أوبرا -فالكيوري- لويلهلم فورتفانغلر(1-3)/ إشبيليا الجبوري -
...
-
بإيجاز: دانتي أليغييري وسيرة إرث مؤلفه العظيم الكوميديا الإل
...
-
تَرْويقَة: -أغنية مريرة-* لجوليا دي بورغوس/- ت: من الإسبانية
...
-
بإيجاز: أوبرا -فتاة بورتيشي الصامتة- لدانيال أوبر/إشبيليا ال
...
-
بإيجاز: عذوبة العصر الرومانسي الإبداعي للموسيقى/ إشبيليا الج
...
-
أُكلّمك بصمت. زهر الأفونيا/ شعوب الجبوري - ت: من الألمانية أ
...
-
تَرْويقَة: -وحيدًا-* لأتيليو بيرتولوتشي/- ت: من الإيطالية أك
...
-
بإيجاز: الإنسان محكوم عليه بالحرية/إشبيليا الجبوري - ت: من ا
...
-
تَرْويقَة: -أمس-* لماريو بينيديتي/- ت: من الإيطالية أكد الجب
...
المزيد.....
-
في أقل من 24 ساعة.. كيف عادت رسوم ترامب إلى حيز التنفيذ بعدم
...
-
مصادر تكشف لـCNN عن-مفاجأة- بشأن مهاجر غير شرعي اتهمته وزيرة
...
-
قتيلان في جنوب لبنان جراء غارات وقصف إسرائيلي رغم اتفاق وقف
...
-
العراق يواجه أزمة مياه -حادة-.. ومسؤولون يوضحون لـCNN الأسبا
...
-
قيادي في -حماس- يكشف لـCNN عن مقترح قدمته الحركة لمبعوث ترام
...
-
علماء: طفرة واحدة ونظام غذائي محدد غيّرا مسار تطور البشر
-
علماء: التصور الذهني للشيخوخة يحدد القدرة على التعافي جسديا
...
-
العثور على نوع جديد من -الأحفوريات الحية- في جنوب إفريقيا
-
كيف يؤثر الكافيين على الدماغ أثناء النوم؟
-
-روس كوسموس- تتعاون مع جامعة روسية لتطوير 100 قمر صناعي نانو
...
المزيد.....
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول
...
/ منذر خدام
-
ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة
/ مضر خليل عمر
-
العرب والعولمة( الفصل الرابع)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الثالث)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الأول)
/ منذر خدام
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|