أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكد الجبوري - إضاءة: رواية -النفق- لإرنستو ساباتو /إشبيليا الجبوري -- ت: من الإسبانية أكد الجبوري














المزيد.....

إضاءة: رواية -النفق- لإرنستو ساباتو /إشبيليا الجبوري -- ت: من الإسبانية أكد الجبوري


أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 09:36
المحور: الادب والفن
    


في اتساع الأدب الوجودي في القرن العشرين، تسجل رواية "النفق"()، وهي الرواية التمهيدية لإرنستو ساباتو (1911-2011)() والتي نشرت عام 1948()، نفسها كعمل كثيف، خانق، وواضح بشكل رائع حول انهيار التواصل البشري والهاوية الداخلية التي لا مثيل لها. إن الرواية أكثر من مجرد سرد نفسي لجريمة قتل امرأة، بل هي تشريح شامل للروح المعاصرة، التي تتسم بالعقلانية المبالغ فيها، واليأس الصامت، والألم الوجودي الذي يشوه ويكشف عن حالة الإنسان الحديث في جوهره الأكثر مأساوية، مثل المرآة القذرة. إذ "النفق"، تُعد تشريح الوعي وحطام سفينة الشيخوخة. إن شئتم.

1. الداخل كسجن؛
خوان بابلو كاستيل، بطل الرواية والراوي، ليس مجرد فنان مهووس، بل هو رمز لموضوع يعاني من فشل العقل التواصلي. دراماك ليست دراما عاطفية بالمعنى الرومانسي، بل هي دراما استحالة بناء جسر بين الذات والآخر. كاستل لا يحب ماريا إيريبارني، بل إنه يزرع فيها الأمل في أن يكون شخص ما قد فهم أخيرًا الرسالة الخفية وراء فنه، وبالتالي، وجوده نفسه. عندما تدرك أن هذا الفهم ربما كان وهميًا أو غير كافٍ، فإنك تشعر بالخيانة ليس بسببه، بل بسبب فكرة أن الروح البشرية يمكن فك شفرتها. إن بادرة قتل ماريا ليست، إذن، اندفاعًا أعمى من الغيرة، بل هي تطرف في اليأس المعرفي، حيث يظل الآخر، في نهاية المطاف، غير قابل للتعرف عليه.

بهذا المعنى، كاستل هو ضمير مريض، مريض ليس بسبب خيبة الأمل، ولكن بسبب الوضوح الزائد. إن تفكيره دقيق، وتحليلي، ويكاد يكون ديكارتيا، ولكنه يخدم في بناء متاهة خاصة به تسجنه. فهو يمثل الإنسان الذي يبحث عن الحقيقة في الآخر من خلال العقل، فيدمر الآخر وبالتالي يدمر نفسه. في بحثه عن الشفافية المطلقة، يكشف كاستل عن المفارقة الحديثة، فكلما أردنا أن نعرف أكثر، كلما قل ما نستطيع أن نتفق عليه.

2. استعارة النفق، والوحدة، وعدم القدرة على التواصل، والعدمية؛
يمثل الرمز المركزي للسرد، النفق، أكثر من العزلة النفسية التي يعيشها بطل الرواية. إنه صورة وعي منغلق على ذاته، ذات فقدت أفق الآخر، عالم لم تعد اللغة تتواصل فيه، بل القناع فقط. ويؤكد كاستل أننا نعيش جميعاً في أنفاق منفصلة، وأن فكرة التواصل الكامل ما هي إلا وهم مريح. هناك تأثير حاد هنا من مؤلفين مثل كافكا، وسارتر (1905-1980)()، وكامو (1913-1960)()، الذين رأوا الوجود الإنساني باعتباره صراعا بين الرغبة في المعنى ورفض العالم تقديمه.

لا يريد كاسل أن يتم فهمه فقط، بل يريد أن يتم فهمه بشكل مطلق، بدون مناطق مظلمة، وبدون تناقض. ماريا، بصمتها، بغموضها الجوهري، بمظهرها الذي لا يكشف كل شيء، تجسد التغيير الجذري، والحدود التي لا يستطيع كاستل تحملها. أما الآخر، باعتباره لغزًا، فيصبح غير محتمل بالنسبة للضمير الذي يرغب في المطلق. إن القتل ليس مجرد فعل عاطفي، بل هو محاولة مأساوية لإزالة لغز الآخر. يريد كاسل أن يكون الآخر امتدادًا لنفسه، وعندما يدرك أن هذا مستحيل، يدمره.

3. الفن وفشل الحس؛
ساباتو، وهو فيزيائي وفيلسوف، يبني رواية تعد في الوقت نفسه تأملاً حول دور الفن في الحداثة. إن لوحة القلعة، حيث تظهر امرأة معزولة في نافذة، بعيدة عن المشهد المركزي للوحة، هي استعارة للروح المنفصلة، للتفاصيل التي لا يلاحظها أحد، للصراخ الصامت للفردية المسحوقة. ماريا هي الوحيدة التي لاحظت هذه التفاصيل، ولذلك انتخبها كاستل كمخلصة. لكن هذا التصور لا يضمن التواصل، فالفن كمحاولة للتغلب على الوحدة يفشل. إن لغة الرسم، مثل اللغة اللفظية، غير كافية لإقامة جسر حقيقي بين الوعيين.

النتيجة مدمرة، لا يوجد فداء من خلال الفن، ولا خلاص من خلال الحب، ولا تحرير من خلال العقل. لم يتبق سوى النفق الضيق المظلم الذي لا نهاية له من الذاتية، حيث يردد الأنا باستمرار سوء فهمه الخاص.

4. الوضوح كمأساة؛
في رواية النفق، يندد ساباتو بفشل العقل كأداة للارتقاء الإنساني. كاستل هو رجل يرى كثيرًا، ويفكر كثيرًا، ويشعر كثيرًا، وبالتالي يستسلم. مثل راسكولينكوف()، مثل مورسو()، مثل جوزيف ك()، فهو شخصية من الحداثة الجريحة، شخص لم يعد يجد أرضية مشتركة حيث يمكن للأنا والآخر أن يتعرفا على بعضهما البعض. إن صفاء ذهنه، بدلاً من أن يحرره، يدفعه إلى اليأس بشكل أعمق. إن العالم، في لامبالاته، لم يعد من الممكن الترحيب به بالعقل، والآخر، في غموضه، لم يعد من الممكن حبه، بل الخوف منه فقط، ومراقبته أو إبادته.

الخلاصة؛
الاعتبارات النهائية لـ"النفق" ليس مجرد تحفة أدبية أرجنتينية، بل هو معاهدة وجودية، وإدانة للوهم القائل بأننا نستطيع أن نترك أنفسنا ونسكن، ولو للحظة، في داخل الآخر. القلعة هي رمز لزمن تحول فيه كل شيء إلى موضوع للتحليل، ولغز منسي، وصمت وعمر. إن قراءة الرواية، إذن، ليست تمرينًا جماليًا بقدر ما هي مرآة غير مريحة، والتي يمكننا أن ندرك أمامها، ببعض الدهشة، أننا نسير أيضًا في أنفاقنا الخاصة، باحثين عن شخص يفهم التفاصيل الخفية في لوحتنا الداخلية. إذ "النفق"، تُعد تشريح الوعي وحطام سفينة الشيخوخة. إن شئتم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 05/03/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).



#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بإيجاز: الإشراق الوجودي/إشبيليا الجبوري -- ت: من اليابانية أ ...
- تَرْويقَة: -الحزن-* لألفريد دي موسيه- ت: من الفرنسية أكد الج ...
- أوبرا -مأساة شتراوس- (4-4) والاخيرة/ إشبيليا الجبوري - ت: من ...
- تَرْويقَة: -الأكورديون الأحمر-* لفرانكو ماتاكوتا- ت: من الإي ...
- بإيجاز: لغة شايكسبير ألغامًا لغوية /إشبيليا الجبوري - ت: من ...
- أوبرا -مأساة شتراوس- (3-4)/ إشبيليا الجبوري - ت: من الألماني ...
- مختارات نيكولاس غيلين الشعرية -- ت: من الإسبانية أكد الجبوري
- أوبرا -مأساة شتراوس- (2-4)/ إشبيليا الجبوري - ت: من الألماني ...
- تَرْويقَة: -مطر-* لخورخي لويس بورخيس - ت: من الإسبانية أكد ا ...
- أوبرا -مأساة شتراوس- (1-4)/ إشبيليا الجبوري - ت: من الألماني ...
- في مقهى Café im Literaturhaus/ إشبيليا الجبوري - ت: من الألم ...
- نهاية الكلمة/ شعوب الجبوري - ت: من الألمانية أكد الجبوري
- مراجعة كتاب: نهاية الكتابة لفرناندو بيروني/ شعوب الجبوري - ت ...
- إضاءة: -المحكوم عليهم بالكتابة- لداريا جالاتيريا/إشبيليا الج ...
- الصين ومرمى الأهداف الولايات المتحدة/الغزالي الجبوري - ت: من ...
- إضاءة: كلاريس ليسبكتور والمنظور الفلسفي المقارن/إشبيليا الجب ...
- حرب دونالد ترامب التجارية بمواجهة الصين/ الغزالي الجبوري
- الخاتمة؛ القبول الحميم/ بقلم كلاريس ليسبكتور - ت: من الإسبان ...
- الخاتمة؛ القبول الحميم/ بقلم كلاريس ليسبكتور
- بإيجاز: تمجيد إنانا: قصة أقدم قصيدة في العالم/ إشبيليا الجبو ...


المزيد.....




- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...
- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكد الجبوري - إضاءة: رواية -النفق- لإرنستو ساباتو /إشبيليا الجبوري -- ت: من الإسبانية أكد الجبوري