أكد الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 10:19
المحور:
الادب والفن
لو لم تكن عيون البشر مفتونة ببشرة العالم، لو مُنحت موهبة اختراق حجاب الجسد المعتم والتأمل المباشر في صنع الأرواح الدقيق، لشهد مفهومنا عن الجمال تحولاً جذرياً، وربما نوعاً من التجلي الوجودي. إذن فما الجمال، في النهاية، إلا انبثاقٌ حساسٌ لجوهرٍ مُنير، بل وهجٌ صامتٌ من الداخل يدعو إلى إدراكه وراء الأقنعة. إن شئتم.
عندما ننحرف عن هيمنة الأشكال الزائلة، عندما نرفع إدراكنا إلى مجال اللامرئي، سيأسرنا نورٌ صافٍ، قادمٌ من جوهر كل كائن. هذا النور، المختلف عن أي نور خارجي، لا يُعمي، بل يكشف، لا يُغوي، بل يُغير. حينها سنرى لا أجساداً تُشكلها المعايير، بل أرواحاً نحتتها التجارب والإخفاقات والفضائل والآمال. ستسقط الأقنعة كأوراق الشجر اليابسة بضربة الملك.
الجمال، الذي يجر نفسه اليوم عبر واجهات العرض والشاشات، مُروّضًا بمتطلبات التسويق، سيعود كحضور حيّ ومقدّس. لن يُقاس بتناسق الوجه أو أبعاد الجسد، بل بالانسجام الداخلي بين ما أنت عليه وما تُقدّمه للآخر. حينها، سيكتسب الخير ملامح متوهجة، وللحكمة لونها وشكلها، وستبدو لنا الرحمة أجمل من أي سمة نحتية.
في عُري الروح، ستكفّ علامات الزمن عن كونها وصمات، لتتحول إلى آثار. لن تُقرأ التجاعيد كإخفاقات، بل كمخطوطات للوجود. لن تُخفى الندوب، بل تُحتفى بها كعلامات للحياة. سيُقرأ الجسد، في النهاية، كقصيدة لا يُمكن فكّ رموز معناها العميق إلا في ضوء الروح التي تسكنه.
في هذا الأفق الجديد، لن ينافس الجمال، ولن يتكرر، ولن يُصبح طبيعيًا. ستتنوع بلا حدود كأشكال الريح، كانعكاسات الضوء نفسه في آلاف المرايا المختلفة. سيكفّ العمر عن كونه تهديدًا ليصبح معجزة، وسيكشف التعدد البشري عن بُعده الكوني، وانتماءه الحميم لتعددية الكائن نفسه.
ستكون رؤية الأرواح بدلًا من الأجساد ثورةً في القلب. سيتحول كل لقاء إلى إجلال، وكل نظرة إلى صلاة صامتة. سيمتلئ العالم، الذي يبدو اليوم مشبعًا بالصور، بالحضور. وفي هذه الحساسية الجديدة، التعاطف كفضيلة أولى، والأصالة كشكل من أشكال الجمال المطلق.
فلنُعِدْنا إذًا إلى تنمية عيون ترى ما لا يُرى، وتدريب النظرة حتى لا تتوقف عند السطح، بل تجرؤ على المرور من خلاله. فكلما تعلمنا إدراك روعة الأرواح الصامتة، اقتربنا من فكّ لغز الجمال، ليس كزينة، حين يُعد كتعبير عن الوجود في أعمق حقيقته وأكثرها إشراقًا. إذن فما الجمال، في النهاية، إلا انبثاقٌ حساسٌ لجوهرٍ مُنير، بل وهجٌ صامتٌ من الداخل يدعو إلى إدراكه وراء الأقنعة. إن شئتم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 05/01/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).
#أكد_الجبوري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟