أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر سليم - فريدا















المزيد.....

فريدا


عامر سليم

الحوار المتمدن-العدد: 7983 - 2024 / 5 / 20 - 08:50
المحور: الادب والفن
    


“Nothing is absolute. Everything changes, everything moves, everything revolves, everything flies and goes away.”
“Pain, pleasure, and death are no more than a process for existence. The revolutionary struggle in this process is a doorway open to intelligence.”

Frida Kahlo
{ استيقظت فريدا كاهلو صباح يومٍ ما بعد حادثة الباص لتجد نفسها في سريرها متحولة الى غزال مثخن بجراح النبال, لا تستطيع أن تحرك سوى حدقتا عينيها ولا ترى سوى وجهها في المرآة المثبتة على السقف,فبدأت ترسم لوحات لهذا الوجه الغارق بالدهشة والتساؤل والحزن والألم }
......……
حين ينهك المرض الفنان والشاعر تتدفق مشاعره الى وطنه , ارض ميلاده , ملاعب صباه وكتاب ذكرياته , فكما كتب الشاعر العراقي ( الشمس أجمل في بلادي من سواها) تكتب الفنانة المكسيكية فريدا ( المكسيك هو كل الكون) . لقد تركت هذه الفنانة المبدعة إرثاً غنياً مكتوباً عن حياتها وفنها وأفكارها عبر كتاباتها ورسائلها ومخطوطاتها المصورة … وهذا بعض من ما تركته ….
في طفولتي ركضت في كل ركن من أركان منزلنا صرخت وضحكت تحت كل شجرة , كانت والدتي مهوسة بالدين والإيمان وحين كانت تعقد الحفلات الدينية في منزلنا وتدعوا الأساقفة والمعارف والأصدقاء كنت أحاول أن اكتم ضحكاتي,أتذكر إنني سألت عن سر الإنجيل قالوا لي: السر هو أن تهب نفسك إلى الله! وكنت استمر بإزعاجهم بأسئلتي …. كيف ولد المسيح؟ …. هل صحيح ماريا عذراء؟ حتى يضيقون بي ذرعاً ويطردوني من الحفل كي لا أفسد أفكار بقية الأطفال! بالمقابل كان أبي مصوراً فوتوغرافياً غير مؤمن والقارئ الوحيد للكتب في منزلنا, يقرأ في العلوم والتصوير والتاريخ, كنت أتمتع بصحبته أينما يذهب وخصوصاً في جولاته في تصوير ورسم الطبيعة,كان يحتفظ بعلبة كبيرة مليئة بالألوان والفرش وعدة الرسم,حينها كانت أُمنية حياتي أن امتلك تلك العلبة بالرغم من رغبتي آنذاك أن اكون طبيبة, فانتهيت بقضاء فترة طويلة بين الأطباء والمستشفيات ليس كطبية بل كمريضة حين صدم ألترام الباص الذي استقله,تهشم عمودي الفقري ونفذت قطعة من حديد مقبض الركاب في جسدي كما ينفذ السيف في جسد الثور الجريح أصلاً, كانت الإصابة بليغة وشك الأطباء بإمكانية إنقاذي,تم تغليفي بالجبس الطبي من رأسي حتى أخمص قدمي لشهور طويلة وحينها بدأت رحلة الرسم والألم لمى تبقى من حياتي.
شهدتُ الثورة المكسيكية وأنا طفلة في الرابعة من عمري , لم أدرك ماذا يحدث حينها ولكنني عرفت الثائر ضد سلطة الأغنياء" زاباتا "و شعاره الخالد نريد الأرض والعدالة, روح الثورة كان سبب انتمائي للحزب الشيوعي وأنا في بداية ألعشرينيات من عمري .
أردت أن اعرف مقدار موهبتي في الرسم , لذا فكرت أن اعرض بعض رسوماتي على رسّام محترف لتقييمها , سمعت عن دييغو وأعماله , في احد الأيام ذهبت الى مكان عمله وكان منهمكاً في رسم جدارية كبيره وهو معلقاً على سقالة ,تطلعت إليه وقلت بجرأةً مقصودةً : هيه دييغو انزل الى هنا! ….. يقول دييغو :انتبهت من الأعلى إلى صوت فتاة في الثامنة عشر من عمرها , جسد جميل و وجه ناعم الملامح , وهي تتحدث إليّ بثقة : لم آتي إليك لمغازلتك وأنا اعلم انك زير نساء! جئت لأريك بعض لوحاتي , إذا كنت مهتماً اعلمني وإذا لم تكن فلا بأس!.
كانت لوحاتها تحمل طاقة غير عادية و وعداً ملحوظاً فقلت لها : استمري.
قال لي ( عندك موهبة) وهكذا بدأت علاقتي مع ريفيرا.
دييغو طفل كبير بابتسامة مرسومة بصورة دائمة على شفتيه , كنت معتادة على لبس ملابس الرجال , ولكن بعد علاقتي معه بدأت ألبس ملابس النساء المكسيكيات التقليدية , حتى تزوجت دييغو وتهامس الجميع : لقد تزوج الفيل من اليمامة!.
…………….
دُعيّ ريفيرا لزيارة نيويورك لإقامة معرض شخصي في متحفها الفني الشهير وكتبت الصحف لقد وصل ريفيرا إلى نيويورك تصحبه زوجته العصفورة الباسمة ,كانت نيويورك مدينة كبيرة مجاميع بشرية من كل أنحاء العالم ومفعمة بالحياة حتى بدأت أشك إنها بُنيت من قبل البشر. لقد غرقنا بحسن الضيافة دعوات عشاء حفلات استقبالات , نعم كان رفييرا عبارة عن CaCa* كبيرة هنا! لقد كان المحيطين به تافهين يفخرون بثرواتهم حريصون على لبس الملابس الفاخرة بتصاميمها الحديثة ولكنني كنت حريصة على لبس الملابس المكسيكية التقليدية والتي انبهر بها الجميع ففي النهاية هم ثلة من التافهين الأغنياء التي تبهرهم أسخف الأشياء. المؤسف إن دييغو الشيوعي كان مرغماً للعمل مع هؤلاء الأغنياء المتبجحين بحثاً عن الشهرة, كان مهووساً برسم جداريات للمصانع الكبيرة غارقاً في تفاصيل تناغم عمل المكائن وسواعد العمال المفتولة , حتى انتهى الأمر به الى رسم لينين و ماركس بين جوقة من العمال المحتفين!فغلبته شيوعيته لتنتصر على طموحه في الشهرة والمال , فصدر حينها أمر من الشرطة الخاصة بإيقاف العمل و إلغاء كافة تعاقداته في أمريكا.
بدأت اكره هذا المكان عكس دييغو فقد احب المكان وأمريكا, إعجابي بنيويورك خفتْ فخلف كل مظاهر الجمال والبذخ في هذه المدينة هناك أكوام من المأساة والمرارة , شاهدت البؤساء و أوضاعهم المزرية الذين يعيشون على الهامش بلا أكل أو مأوى , وأكتمل كرهي لهذا المكان بفقداني لجنيني بعد أن لفظه جسدي العليل الذي لم يقوى على حمله بمشهد درامي مليء بالدم والدموع , كنت أتمنى أن ارزق بولد يشبه ريفيرا أو بفتاة أجمل مني , ماتت تمنياتي فزاد شوقي وحنيني الى الديار إلى وطني ومكاني ….إلى المكسيك.
بعد عودتنا إلى الوطن بفترة وجيزة , وصل تروتسكي إلى المكسيك كلاجئ سياسي بفضل جهود ريفيرا بعد رفض اغلب دول العالم استقباله .
كان دييغو مريضاً حين وصوله , فذهبت فريدا لإستقباله ومنذ اللحظات الأولى أثارت اهتمام هذا الثوري العجوز! وأثناء فترة ألضيافه بدأ بكتابة رسائل الإعجاب والغرام لها وأخفائها في الكتب الذي يوصيها بقراءتها! ولم يكن دييغو يعلم ما يدور حوله! , بعد شهور شعرت فريدا بالملل والضجر من صحبة وملحة هذا الثوري العجوز…. تكتب : أنا متعبة من هذا العجوز!, فبدأ تروتسكي يكتب الرسائل يتوسلها كالمراهق أن تعيد الوصال معه مؤكداً انه بدونها يشعر بالحزن والفراغ.
………..……...
كان دييغو زير نساء , وكانت له الكثير من العلاقات الجنسية العابرة بما فيها علاقته مع أخت فريدا كريستين مما زاد غضب فريدا وسرّع بطلاقهما.
فريدا هي الاخرى كانت مفعمة بالحياة وملذاتها فقد كانت متعددة العلاقات مع الرجال والنساء على حد سواء , كتبت فريدا " لقد ضيعت سنوات طويلة من عمري بالوقوف في ظل رجل والاعتماد عليه ".
……………..
حين وصل اندريه بريتون الى المكسيك , أدهشته طيبة الناس وفقرهم بالوقت ذاته , يقول بريتون : ولكن الذي أدهشني كثيراً اكتشافي إن أعمال فريدا هي السريالية النقية أو الفطرية لأنها لم تبنى على معرفة نظرية ! فن فريدا أشبه بالشريط الذي يغلف قنبلة!….. تقول فريدا: لم أكن اعلم إن رسوماتي تنتمي الى السريالية , بل لم اكن اعرف من قبل إن هناك مدرسة بهذا الأسم في الأدب والفن قبل وصول بريتون وحديثه عنها!؟, قال لي بريتون إن السريالية تتعلق برسم الأحلام وانطباعاتها ولكن رسوماتي لا تتعلق بالأحلام بل تعبر عن واقعي الشخصي لا غير؟.
إعجاب بريتون بأعمال فريدا تحول إلى فعل حقيقي ملموس بتشجيعها و دعمها على إقامة معارض شخصية في نيويورك وباريس.
في العام 1938 أقامت فريدا معرضها الشخصي الأول في نيويورك , كل شيء بدا على نحو رائع فقد عرضت 25 عملاً بيعت منها 12 , وكان هذا حافزاً قويا للسفر الى باريس وإقامة معرض هناك برعاية بريتون نفسه, ولكن الأمور لم تجري كما جرت في نيويورك فالمعرض تأخر ولم يفتتح بالوقت المحدد له … تكتب فريدا جزعة : أعمالي لا زالت في الشحن وهذا الــ بريتون ابن العاهرة لم يكلف نفسه بتحريرها للمعرض وكذلك أراد إشراك بعض الأشغال المكسيكية من نوع الهراء الذي يباع في باريس مع معرضي . وأخيراً أُقيم المعرض وكان مزدحماً بالزوار وأشاد به كبار النقاد والفنانين وعلى رأسهم بيكاسو , ولكن هؤلاء السفلة الأغنياء لم يهتموا بشراء أي شيء من لوحاتي , بل شعرت إنني بلا حضور بين هؤلاء الرجال , الرجال هم الملوك , الرجال هم من يحتلون هذا العالم , انهم مقرفون حتى القيء يجلسون في الحانات ساعات يتجادلون بلا كلل أو ملل عن الثقافة والفن والثورات حتى يلوثون الهواء النقي بنظرياتهم وثرثراتهم والتي لا يمكن أن تتحقق , لقد كرهتهم وكرهت السريالية , السريالية هي إعلان عن الفن البرجوازي المنحط والمتفسخ , لقد قرفت فنهم ومجتمعهم , اللعنة على بريتون وعلى هذا المكان القذر فليذهب الجميع الى الجحيم , سأعود الى الديار وابتعد عن كل هذا الهراء.
تركت هذه الجولة بين نيويورك وباريس أثراً نفسيا وجسديا على فريدا وعادت إليها آلام الظهر بقوة " لقد إستنفذني الألم ولم يعد هناك أملاً ".
في هذه الأثناء كتب لها ريفيرا رسالة مؤثرة يعبر فيها عن حبه لها والذي لا يمكن أن ينساه , وإنها المرأة الوحيدة التي احبها ويريد أن يتزوجها مرة أُخرى!.
قبلت فريدا على الزواج بشرطين , الأول هو أن تعتمد على نفسها كلياً في الأمور المالية ( تتحرر اقتصاديا) على أن يتقاسموا دفع إجور منزلهما , والشرط الآخر أن لا تكون هناك علاقة جنسية تجمعهما مرة أُخرى!, وحين استفسر ريفيرا عن الشرط الأخير قالت : لا استطيع ان أتقبل الجنس مع رجل سبق وخانني مع العديد من النساء على كل حال أنا سعيد بعودتها رغم كل شروطها كما صرح ريفيرا!.
عاد ريفيرا كالطفل في أحضان فريدا , وبدأت فريدا عملها أستاذة لدرس الفن في مدرسة الفنون.
عاشت فريدا بقية حياتها متعبة وحبيسة المستشفى مغلفة بالجبس الطبي دوماً كالمومياء ترسم على الجبس المنجل والمطرقة تضحك وتشتم الحياة, حتى قرر الأطباء بتر ساقها اليمنى لإنقاذ حياتها, ولكنها فقدت الرغبة في الحياة وحضرت معرضها الأخير على نقالة فالتفت الجميع حولها بعيون مودعة.
آن للغزال الجريح أن ينفض عنه الألم ويتحرر وحيداً بلا خوف .
I believe that after my death I am going to be the biggest piece of CaCa in this world .
Frida khalo
أنا مؤمنة بعد موتي سأكون أكبر قطعة هراء في هذا العالم.






* CaCa بالأسبانية تعني هراء
- كل ما ورد في هذا المقال استند على كتابات وأقوال فريدا و ريفيرا وأصدقائهم المقربين وكما ورد في الفلم الوثائقي الجديد فريدا (إنتاج 2024) الفلم باللغة الأسبانية ومترجم الى ألإنكليزية:
https://www.imdb.com/title/tt30319555/?ref_=nv_sr_srsg_0_tt_8_nm_0_q_frida%25202024
- https://tmc.io/frida-movie-review/



#عامر_سليم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرويد والسريالية
- فرويد والسريالية
- أصل التوحش
- الشرطي
- كيسنجر العرّاب الأمريكي
- موسى مجرم التاريخ الأكبر والمعلم الأول
- المنارة
- شذرات تشكيلة
- التحرر من الذكورية السلطوية
- كمال غمبار
- جل وعلا والأطفال
- مقامات عراقيه
- أبو يوسف ... وداعاً
- غابـو
- في شجون وشؤون القطيع
- الديكتاتور الأرعن
- المرأة الباكية
- الروّاف
- لماذا خلق الله العالم؟
- الحوار المتمدن يرتكب جينوسايد


المزيد.....




- “ابنك هيدمنها” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 لمشاهدة ج ...
- مايكل دوغلاس يزور مستوطنة إسرائيلية ويصف المتضامنين الأمريكي ...
- بتهمة -الفعل الفاضح-.. إحالة سائق -أوبر- بواقعة التحرش بفنان ...
- عز وفهمي وإمام نجوم الشباك في موسم أفلام عيد الأضحى 2024
- فرويد ولندن.. أتاها نجماً هارباً فجعلته أسطورة خالدة
- الروسي بيفول يهزم الليبي مالك الزناد بالضربة الفنية القاضية ...
- وزير الثقافة اللبناني يزور منزل الشهيد عبد اللهيان
- إدارة أعمال الفنان جورج وسوف تكشف عن حالته الصحيه بعد أنباء ...
- كيم كي دوك... المخرج السينمائي الكوري الذي رحل مبكراً
- موت يعقوب ح 163… مسلسل قيامة عثمان الحلقة 163 مترجمة على قنا ...


المزيد.....

- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر سليم - فريدا