ابراهيم زهوري
الحوار المتمدن-العدد: 7880 - 2024 / 2 / 7 - 18:15
المحور:
الادب والفن
" مارو "Maro
أظن أنني الوحيد من بين معارفه الذي كان يخاطبه باسمه الحقيقي , فلا أحد يعرف بالضبط من أين أتاه هذا اللقب الذي أشتهر به " مارو " والذي لا زمه طوال حياته وكان بمثابة بطاقة الهوية الشخصية بالنسبة له حيث شاع هكذا بين الناس تاركا أحرف أسمه البسيطة " أحمد فاعور " تنساه ألسنة البشر ليركن مرتاحا في زاوية معتمة , قبل زواجه فتاة من أهل القرية المجاورة حيث أنجب منها الذرية الصالحة وقرر السكن هناك عند منطقة الخط الفاصل بين مخيم اللاجئين وسكان البلاد الأصليين , كان أحمد يعيش معظم حياته متوحدا في علية كناسك يرمم حيرته ..غرفته الصغيرة ذات السقف الواطئ , أقفاص العصافير الملونة والدرج الحديدي الجانبي ممر الصعود الوحيد إليها .. لا تهمه التفاصيل المعقدة ولم يزعج في عزلته أحد, لم يعرف مخياله متعة القراءة ولم تغب عن جموح بشاشته رغم شعاع حزنه أزهار بوح اﻹلفة ولا عرف في السراء أو الضراء دهاليز الضغينة , تشده متعة الأغاني القديمة كما يشد الحبل عنق المهرة , كدس الكثير من الأشرطة وخاصة للأصوات الغنائية التراثية التي لم تصب بداء الشهرة بعد, بدماثة خلقه يستقبل زائريه ويربي من فحم تواضع خجله كل أنواع الحمام , مسالما امتطى سرج الوقت كفارس الأحلام , صنع من صورة فوتوغرافية له في أيام مجد صباه ميدالية من زجاج شفاف يحملها أينما حل كتعويذة التوفيق وفأل الفعل الحسن وكأنه بها يريد لعجلة الزمن أن تتوقف عند حواف تلك اللحظة لكن هيهات , يهجس بأحوال مهنته كقدرعالم خبير لا يجاريه أحد فهو من القلائل الذين تأخذهم غياهب المهنة وظروفها اﻹستثنائية في أدق تفاصيلها إلى حتمية حدود النهايات , كان روح المركز الصحي التابع لوكالة الغوث الذي عمل فيه مستخدما وشريان حياته , كان عن حق بؤرة حيوية وكتلة نشاط .. معه جميع مفاتيح الغرف والأقسام وساعد بأمانته الجميع بما يستطيع وحفظ كبئر ماء مختلف القصص والأسرار.. دار الزمان دورته ومات محترقا مع زميله " سليمان الجدع " بحادث انفجار خزانات الوقود التابعة للمركز , زرع بذرته حرا مطمئنا في رحم هذه الدنيا وذهب وحيدا كما عاش , سوف تفتقدك يا أحمد إطلالة أول الفجر وسوف يتذكرك حتما أطفال الميزان وأطفال أول لقاحات العمر عندما يلتقط المصور لهم أول صورة بين شجيرات الورد التي زرعتها وحدك أنت في الحديقة .
#ابراهيم_زهوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟