من غيرنيكا الى غزة

سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 7842 - 2023 / 12 / 31 - 13:25
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

ترجمة سعيد مضيه
رؤوف حلبي قرن غزة بغيرنيكا ، التي خلد بيكاسو كارثتها في رائعته الفنية- غيرنيكا. كلتاهما تعرضتا للدمار الشامل والإبادة الهمجية ، وذلك في مقالة نشرها على الموقع الإليكتروني ، كاونتر بانش. مزج في مقالته الدمار والإبادة في غزة بسابقتها في قرية غيرنيكا، التي ارتكبها الفاشيون الألمان والإيطاليون؛ تساءل:
أليس من المفارقة أنه في الوقت الذي يحتفل فيه العالم المسيحي بميلاد مخلصه، أمير السلام، الفادي، يمطر الإسرائيليون قنابل تزن 2000 رطل، بعضها من النوع الفوسفوري الفظيع الذي يبخر ضحاياه ؟ وحتى الآن، تم إلقاء ما يعادل ثلاث قنابل هيروشيما/ ناغازاكي على 2.3 مليون مواطن نازح جائع وعطش ومشوه. ويجيب: "نعم، في السنوات القليلة الماضية، تسللت الفاشية ببطء إلى قاعات العدالة والأماكن العامة ، وموجات الأثير، والأشكال الرقمية في دنيانا. جو.. ’أنا صهيوني حتى النخاع‘، دمية نتنياهو والمدافع عنه،...".
رؤوف حلبي أستاذ فخري للغة الإنجليزية والفن، كاتب وفنان وناشط من أجل السلام . نُشِرله مترجما على الحوار المتمدن مقال حول طفولته في ضاحية البقعة الفوقا بمدينة القدس؛ ومقال آخر تضمن ذكرياته حول تقليد يهودي للبصق على المسيحيين. https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=807671
جاء في مقالته:

الوقوف أمام لوحة بيكاسو الشهيرة، لوحة الغيرنيكا، بارتفاع 11.5 وبطول 25.5 قدمًا ، وهي واحدة من أكثر الأعمال الفنية شهرةً، يعتبر واحدة من أكثر التجارب في حياتي أوحت بالاستياء . ذلك ان موضوع التكوين بهيكله الهائل بشع بشكل منفر . ومنذ تلك الحروب الغادرة الأولى من نوعها، لم تتعلم الأمم الالتزام وممارسة الوجود السلمي والمتناغم.
أعقبت الحرب العالمية الثانية حروب في هيروشيما/ناجازاكي، وكوريا، وفيتنام، وكمبوديا، ولاوس، والشرق الأدنى/فلسطين (ثماني حروب)، والعراق، وإيران، وأفغانستان، وليبيا، وأوكرانيا، واليمن، وغزة، على سبيل المثال لا الحصر. وفي كل واحدة من هذه الحروب، كان القصف الجوي والقصف الهائل هو السلاح المفضل، مما أدى إلى مقتل الملايين من البشر.
القصف الجوي وحشي وبشع وشرير. إن القصف الجوي هو سلاح الجبان، يستخدمه المتغطرسون والفاشيون والمتسلطون والأنانيون. القصف الجوي هو الستار الذي يختبئ خلفه البلطجية الأقوياء لتبرئة أنفسهم من الجرائم ضد الإنسانية. إن الإبادة العشوائية التي تمارسها الحروب الجوية ضد المدنيين الأبرياء في أغلبهم، وتحويلهم إلى فقراء ومتسولين، تتعارض مع كل الأعراف المحترمة.

لأكثر من 35 عامًا وأنا أعرض لوحة غيرنيكا على طلابي، وأشرح لهم إقحام غول بشع موضوعا باللوحة وتشكيله بأسلوب تكعيبي واسع النطاق لم يسبق له مثيل. أحد أبرز المتاحف في العالم، متحف رينا صوفيا في مدريد، أصبح أخيراً موطناً لهذا التعبير الفني الفريد من نوعه ، شهادة على الفساد البشري المروع.

في زيارتي الأخيرة لإسبانيا، قبل منذ حوالي 12 عامًا، قضيت أكثر من ساعة اتأمل أسلوب بيكاسو العبقري في دمج الشكل والمضمون بالألوان احادية الظلال. وقفت أمام مقطع اللوحة، شاهدتها من كل زاوية، واسترجعت سنوات من مصطلحات المحاضرات، والعبارات، والأوصاف، والأسئلة، والأجوبة، واستجابات/آراء الطلاب، وغير ذلك الكثير.
في 27 أبريل 1937، قامت طائرات حربية معظمها ألمانية وإيطالية بأول قصف جوي واسع النطاق على بلدة غيرنيكا. عبر الألمان، المتمركزون في شمال أسبانيا، عن رغبة في اختبار آلحربية حديثة الصنع ً ـ طائرات Luftwaffe النازية وقنابلها حديثة التصميم ً ـ والتي تم إنتاجها بغرض أوحد، التدمير واسع النطاق. نظرا لعزلة قرية غيرنيكا في مكان ناء ، تم اختيارها هدفا مثاليا بعيدًا عن الأنظار وبعيدًا عن الاهتمام . استجاب لهم ديكتاتور اسبانيا آنذاك فرانشيسكو فرانكو متواطئا.
مثل غزة اليوم، تحولت غرنيكا إلى أنقاض هائلة تكتنف المدنيين الأبرياء الذين غطى لحمهم ودمهم وعظامهم وأعصابهم المشهد الكئيب من الركام وحديد التسليح وحجم الحفرة التي احتلت حيز المباني الشاهقة والشوارع والأزقة المدمرة؛ استهدفت المستشفيات وسيارات الإسعاف والمساجد والكنائس والمدارس ــ عمدا وبلا رحمة.
رداً على هذا القصف الكابوسي، عزل بيكاسو نفسه لفترة طويلة في الاستوديو ، مرسمه الخاص، راح في عزلته ساعات طويلة ينفث غضبه في إبداع ما قد يعتبر أهم بيان سياسي فني في العالم.

فيما يلي رؤيتي في تكوين جدارية بيكاسو: في أقصى اليمين امرأة من غزة تحمل ذراعيها إلى السماء العالية؛ تصرخ وتتوسل إلى الإله من أجل الخلاص. يوجد في الأعلى ضوء، مصحوبًا بيد تحمل مصباحًا وكأنها تسلط الضوء على المذبحة التي تتكشف. أطلق على هؤلاء الصحفيين الذين يزيد عددهم عن 100صحفي على أيدي القناصة والمسيرات الإسرائيلية، وذلك من أجل إسدال الستار على ما يفعله، اليوم ، شعب الله المختار في غزة، "مقبرة الأطفال" . وبالإضافة إلى قوتها العسكرية، فإن إسرائيل ماهرة في تنفيذ مذبحتها تحت جنح الظلام. كما أن خنقها القوي لوسائل الإعلام الأميركية ماهر في تصويرها على أنها الضحية. إلى الأعلى، يقف نتنياهو وشركاه، إلى جانب بايدن وشركاه، بشكل متهور فوق الدمار وهم يسحقون الأم الهزيلة التي تتمسك برضيعها الميت. كم عدد الأكفان البيضاء التي يجب دفنها لإرضاء إله الانتقام العبري؟ وكم جثة يجب انتشالها بالأيدي العارية من تحت الأنقاض؟ وكم عدد البقايا الممزقة التي يجب وضعها في أكياس مؤقتة.
التمعن الدقيق في مقدمة اللوحة يلحظ ورق الصحف، أسلوب بيكاسو في إنباء العالم "أنا غرنيكا: تذكروني، تذكروا الجرائم البشعة التي ارتكبتم." والشخصية المسحوقة المستلقية والممسكة بسلاح مكسور مثال للعدالة المداسة والمسحوقة تحت وطأة القوة الغاشمة.
من الجدير بالذكر أن بيتر باول روبنز، وبييتر بروغل الأكبر، وعشرات من الفنانين الأوروبيين في الغالب ، إذ قدموا كما هائلاً من اللوحات تحت عنوان "مذبحة الأبرياءا"، موضوعا يتعلق بهيرودس (ليس عظيمًا)، ملك يهودا ، في زمن قريب من ميلاد المسيح؛ فإن لوحة غرنيكا لبيكاسو تنتصب بلا منازع في فراد تها الفنية .

أليس من المفارقة أنه في الوقت الذي يحتفل فيه العالم المسيحي بميلاد مخلصه، أمير السلام، الفادي، يمطر الإسرائيليون قنابل تزن 2000 رطل، بعضها من النوع الفوسفوري الفظيع الذي يبخر ضحاياه ؟ وحتى الآن، تم إلقاء ما يعادل ثلاث قنابل هيروشيما/ناغازاكي على 2.3 مليون مواطن نازح جائع وعطش ومشوه. نعم، في السنوات القليلة الماضية، تسللت الفاشية ببطء إلى قاعات العدالة والأماكن العامة ، وموجات الأثير، والأشكال الرقمية في دنيانا. جو.. "أنا صهيوني حتى النخاع"، دمية نتنياهو والمدافع عنه، غطى نفسه بالعلم الإسرائيلي وصمم وزين ربطة عنقه وقميصه وبدلته وخطابه بنفس أسلوب وخطاب نتنياهو. تغيير الأنا والسيد.

في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2023، بادرت إسبانيا، الدولة الغربية الوحيدة التي تتمتع بالتماسك الأخلاقي للتعبير عن غضبها من مذبحة غزة، بإقامة حدث تضامني في ساحة سوق مدينة غرنيكا الباسكية، وهي نفس الساحة التي قصفتها القوات النازية والفاشية. يعود تاريخها إلى عام 1937. منظر جوي يُظهر علمًا فلسطينيًا ضخمًا (بحجم الساحة بأكملها) على شكل فسيفساء حمل أجزاءه مواطنون ونقابيون وفنانون وجماعات مناهضة للحرب ومناهضة للفاشية، إلى جانب لوحة كبيرة لصورة بيكاسو ترسم الأم وطفلها بين ذراعيها وهي تبكي إلى السماء العالية.
ولمدة دقيقة كاملة انطلقت صفارات الإنذار تضامنا مع أمهات وأطفال غزة.
تحيا اسبانيا. تحيا فلسطين.

#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات