أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكرياء مزواري - التعليم النافع والتعليم غير النافع














المزيد.....

التعليم النافع والتعليم غير النافع


زكرياء مزواري

الحوار المتمدن-العدد: 7796 - 2023 / 11 / 15 - 01:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كثيرة هي المفاهيم التي ورثناها عن الحقبة الكولونيالية الفرنسية بالمغرب، والتي ظلّ مفعولها سارياً في برامج ومخططات حكومات ما بعد الاستقلال. كانت هذه المفاهيم بمثابة مرآة فوقية عاكسة لحجم الاستغلال المادي البشع على أرض الواقع، وأداة كاشفة وفاضحة لذهنية الرجل الأبيض الغازي وأساطيره المتدثرة بالتحضر والتقدم.
يُعدّ مفهوم "المغرب النافع والمغرب غير النافع" من جملة المفاهيم التي نحتتها العقلية الاستعمارية الفرنسية إبّان مرحلة "ليوطي"، والتي تعكس نظرتها البراغماتية في تمثل المغرب وكيفية التعامل مع خيراته المادية؛ إذ بناء على خصوبة الأراضي وجودتها، وأماكن وجود المعادن ومشتقاتها من المواد الخام، تم ربط المغرب بشبكة سكك حديدية متينة، وإنشاء موانئ ضخمة، تسهيلاً لعملية نقل البضائع داخل البلد، وتيسيراً لتصديرها خارجه. أمّا المناطق القاحلة والنائية، فتمّ إدراجها في خانة المجالات غير النافعة.
هذا التقسيم المجالي الاستعماري ورثه المغرب بعد فترة الحماية، فالكثير من السياسات التنموية (اقتصادية-اجتماعية-ثقافية-...إلخ) التي شرعت فيها "الحكومات" المتعاقبة من الاستقلال إلى الآن، لا زالت تكرس المنطق المركزي في التنمية غير المتكافئة على المستوى المجالي، بل أكثر من ذلك زادت من حدة تعميق التفاوتات الجهوية.
إن إعادة إنتاج السياسة الكولونيالية في مغرب ما بعد الاستقلال، وتقسيمه إلى فسطاطين غير متوازنين، فسطاط المغرب النافع وفسطاط المغرب غير النافع، هي قسمة ضيزى بين سكان البلد. ويمكن رصد ذلك في كثير من المجالات التي تمسّ الشأن العام، والتعليم واحد منها، لذا نرى من الغُبن أن نضيّق "ما صدق" المفهوم السابق، ونختزله في الجانب المادي المحض فقط، فهو يمتلك من مركبات الفضح والكشف عن المستور الشيء الكثير.
من أجل فهم معضلة التعليم في المغرب عموماً، وأزمة المدرسة العمومية خصوصاً، ينبغي الرجوع إلى فترة ما قبل الحماية، والنظر إلى الظاهرة في أمدها الطويل، حتّى تتسنّى عملية الفهم والإمساك بخيوط التأويل. فمغرب القرن التاسع عشر، هو مغرب فتح أوراش الإصلاح الحديثة، إذ بعد هزيمته في معركة إسلي من طرف فرنسا سنة 1844، وبعدها بسنوات في تطوان على يد الإسبان سنة 1860، وبينهما ضغوطات بريطانية الاقتصادية وتوقيع الاتفاقات معها سنة 1856، أطلق المخزن المغربي جملة من الإصلاحات نتيجة وعيه بالتأخر التاريخي، ومن ضمن ما فعل إرسال بعثات تعليمية إلى الدول المتقدمة قصد تكوين نخبة مؤهلة تساهم بعد رجوعها في عملية بناء مغرب حديث، لكن المحاولات باءت بالفشل لأسباب داخلية وخارجية.
على هذا النحو من الوهن، احتل المغرب من طرف فرنسا –وكذلك إسبانيا- كقوة إمبريالية عظمى آنذاك، وحافظ الغازي الفرنسي على البنيات التقليدية للبلد خدمة لمصالحه الاقتصادية والسياسية، وأنشأ في المقابل مرافق عصرية تشجيعاً للمعمرين على الاستقرار. ومن ضمن هذه المؤسسات العصرية مؤسسة المدرسة بمعناها الحديث، وهكذا تمّ تأسيس المدارس الأوروبية، والتي ظلت حكراً لفترة زمنية على الجالية المعمرة، ثمّ فتحت أبوابها للأعيان من المغاربة فيما بعد، حتّى يوفّر المستعمر مستقبلاً بعد خروجه من المغرب نخبة تابعة له، وخادمة لأجنداته، وضامنة للتعاون وتبادل المصالح بينهما. وفي الجهة المقابلة حافظت إدارة الحماية على النمط التعليمي التقليدي الإسلامي بمؤسساته العتيقة للساكنة المحلية، أو ما كانت تسميهم بالأهالي (les indigènes).
ورث المغرب بعد الاستقلال تعليماً مزدوجاً، تعليم عصري أوروبي من نصيب القلّة من أبناء الوجهاء والأغنياء من جهة، وتعليم تقليدي من نصيب البقية من أبناء المجتمع المغربي من جهة أخرى؛ بل وتكمن المفارقة أن النخبة التي قادت أو انتسبت للحركة الوطنية، والتي كانت تحتجّ على سياسة التعليم الفرنسية إبّان مرحلة الحماية كانت في نفس الوقت ترسل أبناءها إلى المدارس الأوروبية، وصارت فيما بعد تعيد إنتاج سياسة المستعمر الطبقية في التعليم، وذلك بأن تضمن لأبنائها تعليما عصريا يؤهلها لتولي المسؤوليات الكبرى داخل البلد.
هكذا، يمكن النظر إلى التعليم باعتباره امتداداً للوضع الطبقي داخل المجتمع المغربي، ومنه يمكن فهم الكثير من المشاكل التي تتخبط فيها المدرسة العمومية؛ فهناك من جهة ورثة الاستعمار من أبناء الوجهاء والأغنياء الذين يتحكمون في دواليب السلطة، ويسهرون على إرسال خلفائهم/ ورثتهم إلى مدارس البعثات الأجنبية، حيث يتلقون "تعليماً نافعاً" يؤهلهم للإمساك بزمام السلطة والتدبير، ومن جهة أخرى تبقى أغلبية أبناء المجتمع مُكدّسة في مدارس هي أشبه بالسجون، حيث يتلقون في أقسامها/زنزاناتها "تعليماً غير نافع"، غالباً ما يخرج وعيهم عن دائرة التاريخ، ولا يسمح لهم بالحراك الاجتماعي (Social mobility). وبذلك يكون هذا التعليم الطبقي أداة ناعمة لإخفاء الصراعات الاجتماعية، ووسيلة لإعادة إنتاج نفس النمط القائم من العلاقات.



#زكرياء_مزواري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهاية الواعظ الديني وبداية المؤثر الاجتماعي
- في نقد مفهوم -المجتمع التراحمي-: المسيري نموذجاً
- مجتمع الكر... نحو نموذج تفسيري جديد
- البحث العلمي تحت مجهر الأنثروبولوجيا
- زمن المؤخرات السائلة
- الإسلام في تركيا: انطباعات أنثروبولوجية
- رحلة زاكي باشا أفندي البطولية إلى الديار الاسطنبولية
- المُثَقّفُ المنشود في رواية -عبد الرحمن والبحر- لخالد حاجي
- في ضيافة بيت العنكبوت: من بيت من وهن إلى بيت من زجاج
- الكَهْفُ الافتراضي: هل فكرنا يوماً في السوشيال ميديا أَمْ عَ ...
- الجنس البارد
- نوستالجيا -سيد لميلود-
- في الحاجة إلى تعليم ذكوري
- المدرسة والمتعلم وتزييف الوعي
- المدرسة سجن كبير
- مجتمع الهمزة... نحو نموذج تفسيري جديد
- الدين والطقسنة القاتلة
- مجتمع الحزقة.. نحو نموذج تفسيري جديد
- مفهوم القودة...نحو نموذج تفسيري جديد
- عيد المولد النبوي الشريف في حينا


المزيد.....




- -نفتقدك-.. كيتي بيري تغيب عن زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز
- في كوريا الشمالية.. من يُسمح له بالدخول إلى المنتجع الضخم ال ...
- ليلة تحييها ليدي غاغا وإلتون جون.. وتوقعات اليوم الأخير لحفل ...
- هل توجد مؤشرات حقيقية تدفع نتانياهو للتوجه نحو إقرار هدنة في ...
- -عراك بين إسرائيلي وإيراني- في أستراليا.. ما هي حقيقة الفيدي ...
- -شهيدات لقمة العيش-.. مصر تودع 18 فتاة قضين في حادث مأساوي
- خلفيات التوجه الأمريكي نحو إقرار وقف لإطلاق النار بغزة
- رواندا والكونغو الديموقراطية توقعان اتفاق سلام في واشنطن
- التداعيات المحتملة لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورو ...
- تحذيرات من موجة حر قياسية تضرب جزء من أوروبا ومخاوف من حرائق ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكرياء مزواري - التعليم النافع والتعليم غير النافع