أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكرياء مزواري - مفهوم القودة...نحو نموذج تفسيري جديد














المزيد.....

مفهوم القودة...نحو نموذج تفسيري جديد


زكرياء مزواري

الحوار المتمدن-العدد: 7209 - 2022 / 4 / 2 - 10:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قد تطول لائحة الفروقات بين الإنسان والحيوان إن نحن عددناها، وقد يطول بنا الكلام عن الأسباب المساهمة في انتقال الإنسان من حال الطبيعة إلى حال الثقافة؛ لكن، قد لا نجانب الصواب إن قلنا بأن اللغة هي الآية الفارقة بامتياز.
اللغة، هذا النّسق من الإشارات والرموز شديد التعقيد، اضطلع منذ غابر الأزمان بوظائف عدة؛ أولهما التواصل، فطبيعة الإنسان الميّالة إلى الاجتماع فرضت عليه الحوار مع بني جنسه في مختلف الأغراض التي تشغل وجودهم المشترك. ثانياً، أمام هذا التنوع الهائل في الموجودات لم يجد الكائن العاقل بُدّاً من تسمية الأشياء، وإعطاء كل دال مدلولا؛ فاللغة في هذا المستوى تنزع منزعاً معرفياً، وتصير أداة من أدوات الإدراك، أي وجها آخر لنشاط الفكر وهو يسعى إلى تعقل الذات والعالم، فاللغة هي القالب الذي يصوغ به الإنسان أفكاره من جهة، كما أن حقيقة الفكر تنكشف عبر اللغة من جهة أخرى، فهما بهذا المعنى وجهان لعملة واحدة. ثالثاً، اللغة كظاهرة ثقافية، تعد وسيلة متميزة يتمثل بها الشخص ثقافة الجماعة التي ينتمي إليها.
إن هذا التعدد الاستعمالي للغة، يوضح أن الإنسان لا يدرك الواقع بشكل تلقائي عفوي، بل تحايث هذه العملية الإدراكية اللغة كنظام من الرموز والاشارات. هذه الوساطة التي تضطلع بها اللغة، تساعد الفكر في مهمة تجريد العناصر المشتركة للظواهر، وصوغها في مصطلحات ومفاهيم تيسّر عليه استيعاب الواقع المتعدد.
يشبه المفهوم طائر النّسر المحلّق في علياء السماء، فنظره الحاد وعلوه الشّاهق، يساعدانه على رسم صورة بانورامية لأماكن اصطياد طرائده، وكذا المفهوم له قدرة هائلة على تكثيف اللغة، وتدقيق النظر في الظواهر، بل والضرب عليها حتى تُسمع خادمها تقاسيم ورنّات ما يعتمل في جوفها. وتزداد قوة المفهوم أكثر كلما اختبرنا قدراته التفسيرية، ونقلناه من مجاله الضيق الذي نشأ فيه إلى مجال أوسع؛ وهذا التوسيع في مجال اشتغاله أو ماصدقه بلغة المناطقة فيه النفع الكبير لأفهامنا.
على ضوء هذه الأرضية النظرية، أقترح عليكم مفردة أخذتها من قاموسنا الشعبي جرياً وراء موضة "التمغربيت" التي صارت بين عشية وضحاها دَيْدَنَ المخصيين من أهل الشأن الثقافي عندنا، هذه المفردة هي "القوادة"، وسأعمل على مفهمتها.
بدءاً، قد أعتذر للقارئ وهو يسمع هذا اللفظ السّمج التي تمجّه الأسماع، لكن لا بأس من ذلك، ما دامت القاعدة تقول: لا حياء في الفضح وكشف الأقنعة. هذه المفردة "النتنة" يقتصر استعمالها في دارجتنا على الفعل الحقير الذي يقوم به الوسيط (ذكراً كان أم أنثى) بين من تبيع (وحتى يبيع !) جسدها بالتقسيط وحيوان مسعور يشتري الجنس كما يشتري الخضر. وهو المعنى نفسه للكلمة في اللغة العربية الفصحى ("قِوادة: وساطة الفحشاء؛ قوّدت، أُقوّد، قوّد، مصدرها تقويد"). هذا الفعل الذميم نجد القانون -والدين قبله- يعاقب عليه، نظراً لشناعته، ومآلاته على المجتمع وقيمه.
في هذا المستوى، تكون "القوادة" مفردة تطلق على "سمسار" الفاحشة لتسهيل عملية الدعارة، مقابل أن يأخذ مبلغاً مادياً على خدمته التي يقدمها، وقد لا يأخذ ذلك إن هي ارتبطت عنده بقضاء مصالح دنيوية معينة. لكن، هذا النمط من القوادة المختزل في العملية الجنسية بالدرجة الأولى، قد يكون من أبسط أنماط الوساطة الوضيعة، ومن الغبن أن يبقى اللفظ حكراً على هذا المجال تحديداً.
في سياقنا العالم الثالثي الموبوء، حيث بات فيه الفساد بنية مُبنينة متكاملة الأركان، ذات هندسة دقيقة لا تترك مجالاً إلاّ وأفسدته؛ نستطيع أن نرصد تقاسيم ضياع شديدة البؤس لحالنا السياسي والاقتصادي والثقافي... فالمسؤول مثلاً، العميل للقوى الإمبريالية الكبرى، لا يتوانى عن تقديم/تقويد الخدمات، مقابل أن يضمن البقاء على سدة الحكم ولو على سبيل الاجهاز على أحلام شعب بكامله. والسياسي الوضيع في الحزب القواد المعلوم من ضيعة مولاه، ما يلبث أيام "الانتخابات" بتذكير "الرعية" بالخيار الديمقراطي والنموذج التنموي الذي تسير فيه البلاد، مع الدعوة إلى الالتحام بالقائد درءاً لكل فتنة نائمة. وهذا "المناضل" النقابي البئيس، الذي يتاجر في عرق العمال والمقهورين، بغية الظفر بشيء من مال الريع، ويقطع الطريق عن المناضلين الحقيقيين. وهناك من بعيد، المثقف القواد، المسموح له بالضوء والكلام، لا يتردد في مباركة الوضع القائم، سواء بالتطبيل أو التزييف أو التمويه أو التبرير. ومثله في الصناعة والصُنعة، طالب "العلم" المتملق الذي يلعب دور الوسيط بين شيخه ولي نعمته والعالم الخارجي، إلى آخرين من صغار القوادين ومتوسطيهم. وهكذا، إذن، نكون أمام نظام/ منظومة متكاملة من القوادة.



#زكرياء_مزواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيد المولد النبوي الشريف في حينا
- مجتمع -العطية-... نحو نموذج تفسيري جديد
- فصل المقال في تقرير ما بين العلم والعوام من انفصال
- مجتمع الحشية.. نحو نموذج تفسيري جديد
- في رحاب الزاوية
- رمضانُ في الذّاكرة (ج2)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج3)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج4)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج1)
- حُبٌّ فِي زَمَنِ التُّيُوسِ
- Jean-François Dortier, «Dieu et les sciences humaines»: بين ...
- مَقَاهِي المِلْحِ
- فيروس كورونا في مواجهة الإنسان السائل
- سِيرةُ دُكتورٍ خَدِيجٍ
- حُبٌ فِي زَمنِ التّفاهَةِ


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكرياء مزواري - مفهوم القودة...نحو نموذج تفسيري جديد