أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكرياء مزواري - عيد المولد النبوي الشريف في حينا














المزيد.....

عيد المولد النبوي الشريف في حينا


زكرياء مزواري

الحوار المتمدن-العدد: 7052 - 2021 / 10 / 19 - 22:01
المحور: الادب والفن
    


كانت لحارتنا الشعبية طقوسٌ خاصةٌ تميّزها إبّان كلّ عيدٍ، حيث يُجند الصغير قبل الكبير للاحتفاء بالحدث، حدث إعادة ي بناء الذاكرة التاريخية، وتقوية عُرى الروابط الاجتماعية. كان عيد المولد النبوي الشريف في زُقاقنا حدثاً فريداً ومتفرداً عن باقي الأعياد الدينية الأخرى؛ إذ كنا نحن الصغار نستعد لاستقبال أيّام العيد بطقوسنا الخاصة. من منا لم يدخر بعض الدريهمات المعدودات، ومن منا لم يقصد الأسواق السوداء للمفرقعات. نعم، كانت أسواقاً سوداء في مخيلتنا، حيث كنّا ننسج قصصاً خيالية عن هذه الأسلحة الثقيلة التي تُحدث صوتاً مدوياً في الحي، وأساطير تراجيدية عن المهربين الذين كانوا يهربون مثل هذه السلع من الحدود الجزائرية. كنّا نظنّ أن الجهاز القمعي للدولة يهاب انتشار هذا النوع من المفرقعات، لأنه ببساطة ينافس مسدساتها وبنادقها الرشاشة التي تبث الهلع في البلاد والعباد.
كان صوت أسلحتنا النارية البدائية آية في الآفاق على دنو عيد المولد النبوي الشريف، عتادنا الحربي كان مكونا من "لمحارقْ" و"لقنابلْ" و"لكاربينْ" و"سوارخْ" و"فلونبو" و"نجومْ" و"لميشْ" و"سلكْ"... وما عداها من الألعاب النارية التي كانت توفرها لنا السلع الجزائرية المهربة. جميع أنشطتنا نحن الصغار تتعطل، ننسى الدراسة أولا، إذ كنا نسلم أنفسنا طواعية للمعلمين ولا نبدل أي جهد في إنجاز تماريننا الصفية، كما ننسى لعبتنا المفضلة كرة القدم، إذ لا شيء يعلو حينها عن بهجة العيد.
كانت المدرسة عندنا نحن أبناء الأحياء الشعبية فرصة لرد الاعتبار، ونزع الاعتراف من أبناء "الفشوش"، كنا نقذف في قلوبهم الرعب حين نهتبل فرصة الانفراد بهم، ونرميهم ببعض أنواع المفرقعات. كما نقتنص الفرصة ليلاً حين نجوب فيلاتهم وأحيائهم الأنيقة، ونرمي منازلهم بأسلحتنا الثقيلة!!، هذا فضلاً عن سخريتنا من ألعابهم الفاقدة لحس المغامرة والشجاعة.
أما عن حيّنا، فلا يلبث أن يتحول اللّعب المسالم في البداية إلى حالة حرب مزرية، حيث يأكل القوي الضعيف؛ ذلك أن المالك لوسائل إنتاج الرعب الثقيلة من "قنابل" و"كاربين" هو وشلته من يضمن سحق الخصم وإعلان الظفر بالمعركة. بجانب هذا العنفوان، كان زقاقنا الشعبي، يزدان بالمساء بعبق رائحة "تَقْنَتَ" و "بَرْكُوكَشْ"، وهي أكلات وجدية خالصة لا ترى النور إلا أيّام عيد المولد النبوي الشريف. هذه الوجبات الدسمة كانت نسوة الحي تبرعن فيها، وتتبادل فيها الأطباق عملاً بحق الجار والجوار.
زيادة على هذا الجو المفعم بالتّراحم، كان مسجدنا العتيق، مسجد "عكاشة" ليلة عيد المولد يتزين بمُسحٍ جمالية لطيفةٍ، تُضفي على جنباته سكينةً وروحانيةً غير مألوفتين؛ إذ يبادر المأموم الفقيه "عمي الصحراوي" رحمه الله بفتح أبواب المسجد مبكراً، وحرق بعض "أعواد القماري" و"حبات الجاوي" حتّى تفعل فعلها في اللّيلة المباركة، ليلة ولادة خير الخلق. عريس من عرسان السماء هو مسجد "عكاشة" تلك الليلة، ريح ٌ طيب، حضور وقور، نشوة بادية تكسو وجوه الجميع، جو تراحمي بديع، تؤدة تؤثث المشهد، وطعام في الأخير يجمع أواصر أبناء الحي. مسجد تلك الليلة خزّان حقيقي من خزانات الأرض للقداسة السماوية، كل أيقوناته وعلاماته ورموزه تعرج بك إلى ملكوت الرب، فيقتات قلبك من معين الحضرة الإلهية، وتعبر روحك في مدارج السالكين، ثم تظفر بأعزّ ما يطلب في باب مشاهدة منازل الجمال. هكذا، كان مسجدنا العظيم في الليلة المباركة، مسجد كله دفءٌ ورحمةٌ ومودةّ، والكل منشد خلف الإمام:
ولد الهدى فالكائنات ضياء* وفم الزمان تبسم وثناء.



#زكرياء_مزواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجتمع -العطية-... نحو نموذج تفسيري جديد
- فصل المقال في تقرير ما بين العلم والعوام من انفصال
- مجتمع الحشية.. نحو نموذج تفسيري جديد
- في رحاب الزاوية
- رمضانُ في الذّاكرة (ج2)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج3)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج4)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج1)
- حُبٌّ فِي زَمَنِ التُّيُوسِ
- Jean-François Dortier, «Dieu et les sciences humaines»: بين ...
- مَقَاهِي المِلْحِ
- فيروس كورونا في مواجهة الإنسان السائل
- سِيرةُ دُكتورٍ خَدِيجٍ
- حُبٌ فِي زَمنِ التّفاهَةِ


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكرياء مزواري - عيد المولد النبوي الشريف في حينا