أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكرياء مزواري - نهاية الواعظ الديني وبداية المؤثر الاجتماعي















المزيد.....

نهاية الواعظ الديني وبداية المؤثر الاجتماعي


زكرياء مزواري

الحوار المتمدن-العدد: 7741 - 2023 / 9 / 21 - 18:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إذا كان هناك توصيف يليق بطبيعة المرحلة الرّاهنة التي تحياها المجتمعات البشرية، وتتقلّب فيها أطوار الجماعات الإنسانية، وتتغير فيها أحوال الكائنات الآدمية، فإننا لن نجد أدق من اسم المرحلة الرقمية؛ ذلك أن التكنولوجيا الحديثة اليوم، اخترقت كافة مناحي الأنشطة الإنسانية، وأعادت تشكيل الكثير منها.
أمام هذا المنعطف التاريخي الذي رسمته التّقانة، والتّحدي الذي باتت تمارسه على الشّرط الإنساني، دفعت العلماء في مختلف المجالات المعرفية إلى إرخاء السّمع لصوت الرقمنة والانتباه إلى زحفها الممتدّ على كلّ أشكال النشاط الإنساني من اقتصاد وسياسة واجتماع وثقافة.. إلخ. أمام هذا الاكتساح الشامل للشبكة العنكبوتية، طفت على السّطح مجموعة من الموضوعات التي تفرض تقليب النّظر في الجهاز المفاهيمي والمنهجي الكلاسيكي، حتّى تتسنى له القدرة على مواكبة ما استجدّ من الظواهر من جهة، والنّفاذ إلى أعماقها قصد تجلية المعاني والدلالات الكامنة من جهة أخرى.
من هذه الموضوعات التي نطرحها للتّدارس في هذه المقالة، موضوع أثر الرقمنة على الظاهرة الدينية في المغرب؛ إذ كما هو معلوم ومشاهد في الوقت الحاضر أن التكنولوجيا الرقمية أعادت للفضاء العمومي تجديد النقاش في المسألة الدينية سواء على المستوى المحلي أو الكوني، كما أفرزت أشكالاً جديدة من التّدين شاهدة على حجم التحولات سواء في بُعدها القيمي أو العقدي. فكشف الحجاب عن الحياة الدينية الرقمية في المغرب، ورصد ما طرأ عليها من تغيرات كثيفة، بات فرض عين على العلوم الاجتماعية أن تنخرط فيه بعدتها المنهجية والنظرية، وبحسها النقدي الرفيع.
لا يكتمل الحديث عن موضوع الإسلام في المغرب اليوم، دون ربطه بالوافد الجديد في الساحة وهو الأنترنت؛ هذا الأخير ساهم في كسر احتكار الخطاب الديني من طرف المؤسسات الرسمية، وأفسح المجال لظهور خطابات دينية أخرى عابرة للحدود الجغرافية، وأنتج فاعلين دينيين جُدداً لهم مشاركاتهم في قضايا الشأن العام وتوجيهها، بل وصار لهم تأثير واضح في تمثل الإسلام لدى المغاربة.
تزامنت موجة ظهور "الدعاة الجدد" مع تطور الإعلام عموماً، والديني على وجه الخصوص، وكانت بمثابة إيذان على نهاية مرحلة قديمة من الدعوة الدينية، وبداية أشكال جديدة منها؛ فالظاهرة عدت في الكثير من الأدبيات السوسيولوجية عنواناً لتفجّر المشهد الديني في المجتمعات العربية-الإسلامية، من تدين جماعي مؤطر بالمؤسسات والتنظيمات، إلى تدين فردي منفلت من كل التقييدات. صحيح، أن هذا التحوّل كمي ولا ليس نوعيا، وأنه لم يحدث قطيعة تامة مع الأنماط السابقة التي لا زالت فاعلة، لكن تجلياته باتت مرئية مرأى العين.
لقد تطوّرت ظاهرة "الدعاة الجدد" مع الثورة الرقمية المعاصرة، هذه الأخيرة أفرزت بدورها تطوراً كبيراً في وسائل الإعلام والاتصال؛ فهذا الإعلام التقليدي الذي كان يتحكم في مدخلات رسائله ومخرجاته، ويخاطب جمهوراً عريضاً في وضعية سلبية من حيث التلقي، تراجع اليوم بشكل كبير في تزويد الناس بالمعلومة وضبط نظامها الخطابي، وظهرت بدائل أخرى لها جماهيرها الكبيرة، تحت ما بات يعرف بالإعلام الجديد (New Media).
من خصائص هذا الإعلام الجديد "سيولة" المعلومة وتدفقها، بسبب تغير الوسائط المستخدمة؛ فيكفي اليوم مثلاً أن يحمل أي فرد هاتفه الذكي، ويغطي حدثاً أو واقعة معينة، سواء باستخدامه لتقنية الصوت أو الصورة أو الجمع بينهما، حتى يصير فاعلاً في بناء المعلومة، والتأثير في المرسل إليه. هذه الفاعلية غير متوفرة في الإعلام السابق، فهذا الضرب الجديد من الإعلام والاتصال، زعزع ثنائية المرسل والمرسل إليه الكلاسيكية في ميدان نقل الخبر، فالمتلقي صار فاعلاً بدوره، بعد أن كان مفعولاً به.
إن تثوير هذه الوسائط الجديدة للمعلومة، عزز من قيمة الفرد وفاعليته، وجعل بإمكان أي شخص أن يكون مرسلاً، كما فتّت الهوية الجماعية للجمهور السابق التي كان يراهن على بنائها الإعلام التقليدي، وبات يخاطب كل فرد حسب مزاجه وذوقه ومعرفته، وأتاح له فرصة الولوج للمضامين في أي وقت وتحت أي ظرف.
إن شخصنة الإعلام ما هو إلاّ عَرَضٌ لجوهر النظام الرأسمالي وقيمه الليبرالية؛ فأمام تسارع وتيرة الفردانية، وهشاشة الروابط الاجتماعية التقليدية، والاتجاه نحو تنظيم اجتماعي ذري، صار الفرد غاية في ذاته، لا همّ له إلاّ حياته الخاصة المتمركزة حول عمله، ومظهره، وصحته، ومستقبله...إلخ، أما الأهداف الجماعية المشتركة كمحاربة الظلم، وتجسير الهوة بين الطبقات، ونشدان العدالة وتغيير الأوضاع القائمة، "أمسى خبراً " بلغة المطربة أم كلثوم في أغنية "الأطلال".
هذا المناخ الفكري المؤلف من الاقتصاد الرأسمالي، وقيم الليبرالية المعلية من شأن الفرد، والإعلام الجديد، هو شبيه بالبوتقة التي تصهر المكوّنات المختلفة، وتشكّلها بالطريقة المتلائمة وغاية الصانع، وهذا الأمر لم تسلم منه مؤسسات التنشئة الاجتماعية الحاضنة للقيم، والدين على رأسها. فالإسلام اليوم، لم يعد بمنأى عن قيم العصر المحرضة على الاستهلاك، كما أنه ليس كياناً أفلاطونياً يسبح في عالم المثل، بقدر ما هو متفاعل مع البنية الاجتماعية، مؤثر فيها تارة، ومتأثر بها تارة أخرى.
إن الدعاة الرقميين الجدد هم عنوان لهذا التحول في المجتمعات العربية الإسلامية، والمجتمع المغربي واحد منها؛ إذ أتاح لهم الإعلام الجديد فرصة الوصول إلى شرائح واسعة من المجتمع، ووفر لهم شرط الفاعلية في بث المعلومة بيسر كبير، مع الاستقلالية عن المؤسسات الدينية بإعلامها التقليدي الرسمي، أو عن القنوات الفضائية التابعة للخواص. ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي (Social Media)، كإحدى أشكال هذا الإعلام الجديد، دوراً بارزاً في ظهور مجموعة من نجوم الدعوة الدينية، لهم حساباتهم الرقمية الخاصة بهم، ومئات إن لم يكن آلاف المتتبعين الافتراضيين.
هناك عوامل كثيرة ساهمت في شعبية الدعاة الرقميين، فمنها ما يرتد إلى ما هو خارج عن إرادتهم، ومنها ما يعود إلى ذواتهم؛ فأما الأول يمكن تحديده –على سبيل الذكر لا الحصر- في ضعف ثقة أفراد المجتمع في خطاب المؤسسات الدينية الرسمية، باعتباره خطاباً مسكوناً بالهواجس السياسية والأمنية أكثر من أي شيء آخر من جهة، وابتعاده عن نبض المجتمع وقضاياه الحارقة من جهة ثانية. كما يمكن الإتيان بذكر فشل حركات الإسلام السياسي التي استغلت العاطفة الدينية لهذه المجتمعات، ووصلت لسدة الحكم، وفشلت في بلورة المشاريع النظرية الإصلاحية على أرض الواقع، هذا فضلاً عن تناقض خطابها بين ما قبل الإمساك بزمام السلطة، وما بعدها. زيادة على المناخ المعرفي لعصر ما بعد الحداثة، كمناخ أعلن نهاية عصر السرديات الكبرى، وافتتح مرحلة الاختلاف والنسبية واللايقين. أما ما يعود إلى الدعاة الرقميين، فالأسباب عديدة، يمكن التركيز على واحدة منها، والمتعلقة بطبيعة خطابهم وطريقة تواصلهم؛ فالداعية الرقمي، يختلف عن الداعية التقليدي، فإذا كان المتدين سابقاً يقصد المسجد أو الزاوية أو أي مكان له حمولة مقدسة، ويجلس مقرفصاً أمام الواعظ، في وضعية متلق سلبية، فالأمر بخلاف ذلك مع الحامل الرقمي، إذ الداعية هو من يأتي إلى المستمع إذا كان لهذا الأخير حاسوب أو هاتف ذكي، كما يمكنه المشاركة في بناء المعلومة الدينية، عبر طرح الأسئلة أو إبداء الرأي، إذا كان الداعية في بث مباشر مع متتبعيه الافتراضيين. هذا التغير في وضعية المتلقي من السلبية نحو الإيجابية، فرض على الواعظ الرقمي تطوير أسلوبه في التواصل؛ فصارت لغته قريبة من المعيش اليومي، وتنحو نحو البساطة، وتبتعد عن الجدالات الفقهية، وتضارب الآراء في النوازل والقضايا الدينية.
إن الخطاب الديني لدى الدعاة الرقميين، يتماشى مع ظاهرة الفردانية، وتنامي نمط التدين الفردي؛ فالفرد اليوم في شبكات التواصل الاجتماعي التي ساعدته على الاقتراب من ذاته، ومن عوالمه الحميمية الجوانية، صار يبحث في عالم الأنترنت عما يعزز قناعاته الذاتية، وبات يبني تصوره الخاص للمسألة الدينية بناء على ما تعرضه السوق الدينية الرقمية المفتوحة، وبعيداً عن ملازمة الشيوخ أو العودة للمنظومات الفقهية التراثية، وذلك عبر تركيب أو ترميق (بيركولاج) مخيال ديني يخدم رؤيته لذاته وللعالم. وبناء على ذلك، خفّف هذا الخطاب الوعظي الرقمي من نزعة الدين النضالية التغييرية، ومن الأهداف الجماعية المشتركة، وصارت موضوعاته تركز على الفرد، وإصلاح الذات، والانشغال بتطويرها.
وهكذا، جعلت استجابة الداعية الرقمي للتحولات الكثيفة التي يمر منها المجتمع، خطابه أقرب إلى لغة "المؤثر الاجتماعي" منه إلى الواعظ الديني، وذلك من خلال تكييفه عرضه الديني مع متطلبات الجمهور التي تحبذ الآني والجاهز. وصار بذلك، نجماً من نجوم منصات التواصل الاجتماعي، ينخرط في الأحداث التي تشغل الرأي العام الواقعي أو الافتراضي، ويسعى من خلال تقديم رؤيته إلى توجيه الرأي عموماً، ولدى جماعته الرقمية خصوصاً. وبذلك، ينضاف إلى سلسلة "المؤثرين الاجتماعيين" الذين أفرزهم المجتمع الشبكي، ومنافساً لهم في المشاهدة والاستقطاب والتأثير، وذلك من حيث امتلاكه لحساب أو قناة في شبكات التواصل الاجتماعي، وله جمهور من المتابعين (Followers)، بالإضافة إلى كونه صانع محتوى رقمي.



#زكرياء_مزواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد مفهوم -المجتمع التراحمي-: المسيري نموذجاً
- مجتمع الكر... نحو نموذج تفسيري جديد
- البحث العلمي تحت مجهر الأنثروبولوجيا
- زمن المؤخرات السائلة
- الإسلام في تركيا: انطباعات أنثروبولوجية
- رحلة زاكي باشا أفندي البطولية إلى الديار الاسطنبولية
- المُثَقّفُ المنشود في رواية -عبد الرحمن والبحر- لخالد حاجي
- في ضيافة بيت العنكبوت: من بيت من وهن إلى بيت من زجاج
- الكَهْفُ الافتراضي: هل فكرنا يوماً في السوشيال ميديا أَمْ عَ ...
- الجنس البارد
- نوستالجيا -سيد لميلود-
- في الحاجة إلى تعليم ذكوري
- المدرسة والمتعلم وتزييف الوعي
- المدرسة سجن كبير
- مجتمع الهمزة... نحو نموذج تفسيري جديد
- الدين والطقسنة القاتلة
- مجتمع الحزقة.. نحو نموذج تفسيري جديد
- مفهوم القودة...نحو نموذج تفسيري جديد
- عيد المولد النبوي الشريف في حينا
- مجتمع -العطية-... نحو نموذج تفسيري جديد


المزيد.....




- الحوثي: ديون إسرائيل بلغت مستوى غير مسبوق بفعل صمود غزة وجبه ...
- اليابان: التحقيقات تكشف مصير المروحيتين العسكريتين المفقودتي ...
- هل يمكن أن يجعلنا العيش مع الغرباء أكثر سعادة؟
- تحقيق لبي بي سي يُظهر ارتكاب إسرائيل لجريمة حرب محتملة بقتل ...
- قدّاس الخميس العظيم ومراسم -غسل الأرجل- في كنيسة القيامة بال ...
- ماكرون: لا استبعد إرسال قوات إلى كييف إذا تجاوزت روسيا الحدو ...
- ماليزيا تطالب -أسترازينيكا- بتوضيح الآثار الجانبية للقاح كور ...
- لم دمّر الروس والسوريون والليبيون والعراقيون وغيرهم بلدانهم؟ ...
- قلق في تل أبيب من توقف مصر عن تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أور ...
- هنية عقب مكالمة مع رئيس وزراء قطر: اتفقنا على استكمال المباح ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكرياء مزواري - نهاية الواعظ الديني وبداية المؤثر الاجتماعي