زكرياء مزواري
الحوار المتمدن-العدد: 7631 - 2023 / 6 / 3 - 08:14
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في المجتمعات التي لم تنجز بعد ثورتها الكوبرنيكية، كثورة علمية جذرية، أعادت تشكيل نظرة الإنسان للذات وللطبيعة، ولم تطأ بعد روحها الحداثة، ولا زالت تعيش حالة الماقبل في كل المجالات، تكون الحاجة الماسة فيها إلى علم الأنثروبولوجيا كعلم يعنى بدراسة الثقافة بمؤسساتها ونظمها، وطبيعة تمثلات أفرادها للذات وللعالم، أكثر من غيرها من العلوم؛ بل ويمكن وضع هذا العلم لتشخيص أدواء المجتمع، ونوعية عوائقه الثقافية، على رأس خانة العلوم الإنسانية، ويمكن إدراجه في باب (Science Pilot).
إن المؤسسات الأكاديمية التي تُعنى بالشأن العلمي، وتسعى إلى ضبطه وتقنينه، ووضع معايير وقواعد له، هي بنت التربة الحديثة؛ هذه التربة خلقت فصلاً صارماً بين الذاتي والموضوعي في إنتاج المعرفة، وعملت على فكّ شخصنة المؤسسة، وخلقت جماعات علمية صراعها حول الأنساق النظرية، وليس حول الحسابات الذاتية/النفسانية الضيقة. لكن، حين انتقلت هذه المؤسسات إلى المجتمعات الثالثية عبر بوابة الاستعمار، حضرت من ناحية الشكل، لتعبر عن درجة تحديث الدولة، وغابت عنها الوظيفة والفعالية؛ لذلك، لا غرابة إن رأينا امتدادت لذهنيات تقليدية في هذه المؤسسات العصرية، فطالب العلم مثلاً، إن هو أراد استكمال دراساته العليا، ينبغي عليه أن يمر بمجموعة من طقوس المرور، فشعائر سلك الإجازة تختلف عن سلك الماستر، وطقوس سلك الدكتوراه تختلف عنهما معاً، والطالب "المتفوق"، هو الذي يعرف كيف يسلك هذه المسالك، حتّى يظفر بأعزّ ما يطلب. أما إن أراد الظفر بمناصب في السّدة العالية، فلتلك طقوس وشعائر أخرى ينبغي له أن يؤديها باحترافية عالية. وقد تطول الأمثلة كثيراً في رصد هذه السلوكات التقليدية داخل هذه المؤسسات "العلمية الحديثة" ك: إحياء علاقات الدم والقرابة والعصبية، أو استغلال تنظيم حزبي أو نقابي أو جمعوي معين، أو اتخاذ التملّق والمداهنة كوسيلة، أو تلبية الخدمات وقضاء الأغراض لأصحاب الحل والعقد...إلخ.
هكذا، تدفع هذه السلوكات التقليدية التي تنتمي للسجل الثقافي الماقبل حداثي، والتي انتقلت إلى المؤسسات العصرية، وأعادت بنينة نفسها، بل وإنتاج ذاتها بشكل جديد، الواحد إلى القول بالمفارقة الآتية: "إن جميع مؤسساتنا العصرية –بما فيها العلمية- حديثة على مستوى الشكل، لكن تقليدية على مستوى الوظيفة".
#زكرياء_مزواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟