أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - عالم الرياضة - علي فضيل العربي - أقدام على منصّات التتويج















المزيد.....

أقدام على منصّات التتويج


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7688 - 2023 / 7 / 30 - 17:29
المحور: عالم الرياضة
    


جاء في الحديث الشريف : " علّموا أبناءكم السباحة و الرماية و ركوب الخيل " . و قيل : " العقل السليم في الجسم السليم " . أجل ، الرياضة البدنيّة تحافظ على سلامة الجسد ، و تنشّطه و تقوّيه و تمرّنه على مجابهة الصعاب و ما تعترضه من طواريء ثقال . و لها أيضا أثرها الإيجابي على الخلايا الدماغيّة و الكريّات الدمويّة و الإدراك و الذكاء و السلامة العقليّة . أمّا و قد تحوّلت الرياضة إلى حرفة تجاريّة ( الاحتراف ) ، و بيع و شراء بملايير الدولارات و الأوروات و الجنيهات ، فالأمر يدعو إلى الوقوف وقفة تأمّل و تعجّب و تساؤل . و من بين هذه الرياضات ، رياضة كرة القدم ( الفوت بول ) . لقد استولت هذه الرياضة الشعبيّة على عقول قطاع واسع من الجماهير ، فصار لها أنصارها بالملايين ، و أضحت تُشيّد لها الملاعب الفخمة ، و تُرصد لها ميزانيّات ضخمة من لدن الدول الغنيّة و الفقيرة و الناميّة و المتخلّفة حسب احتياجاتها ، كما باتت تقام لها بطولات و كؤوس و دورات عالميّة و إقليمية و وطنيّة و محليّة ، و تسخّر لها و سائل الاتّصال المختلفة ؛ من قنوات و جرائد و مجلات ، و غيرها .
لكنّ ، العجب العجاب ، ما يحدث في سوق انتقالات اللاعبين في لعبة كرة القدم ( الفوت بول ) بلغة الانجليز ، مخترعي لعبة ( الجلد المنفوخ ). دول في حاجة إلى التنميّة الاقتصادية و الاجتماعيّة و التربويّة و الأخلاقيّة ، و إلى نهضة فكريّة و علميّة تبعا لسيرة الأسلاف الذين شيّدوا أعظم حضارة إنسانيّة ، بينما نواديها الرياضيّة تنفق ملايير الدولارات على شراء لاعبين و جلبهم إلى الدوريات المحليّة في سباق محموم لم يشهده التاريخ المعاصر .
من أجل ماذا كل هذه النفقات الباذخة و العروض السخيّة ؟ ألا يدعو ذلك إلى الدهشة و التساؤل حول ماهيّة الفوائد التي ستجنى من جرّاء ذلك ؟ لاعبون ، انتهت صلاحيتهم في أنديتهم الأوروبيّة ، يجنون ، بين عشيّة و ضحاها ، في أنديّة عربيّة خليجيّة ، أضعاف ما جنوه طوال مسيرتهم الرياضيّة في أوروبا .
لو كان الأمر متعلّقا بإبرام عقود و شراء براءات اخترع لعلماء في الغرب و الشرق ، في مجلات العلوم و التكنولوجيا ، لكان الأمر محمودا و مرغوبا فيه . لكنّ أن تُهدر تلك الأموال الطائلة من أجل عيون جلد منفوخ ، فإنّ ذلك السلوك ينمّ عن انحراف أخلاقي ، و عن غياب الحكمة في وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة و المفيدة .
كان الأولى ، و نحن كخير أمّة أُخرجت للناس ، أن نوجّه تلك الأموال الطائلة ، التي سلبها منّا جنون الجلد المنفوخ ، إلى التنميّة البشريّة ، و إعادة بريق حضارتنا الإسلاميّة الآفلة منذ القرن السابع الهجري ، الثالث عشر الميلادي .
قد يقول قائل ، لقد أصبحت كرة القدم هوسا كونيّا ، و أكثر الرياضات شعبيّة بين الجماهير تشدّ لها ملايين البشر في العالم ، كبارا و صغارا ، ذكورا و إناثا ، تقيم لها الأفراح و ترتحل من أجلها مدينة إلى أخرى ، و من من بلد إلى آخر . و أكثر من ذلك ، لقد صارت أفيون الشعوب في الجنوب خاصة . فلو أخذنا مثلا الظاهرة " الأفيونيّة " لدى مجتمعات في القارة الإفريقيّة أو أمريكا اللاتينيّة أو بعض دول في آسيا ، لصدمتنا الحقيقة المرّة ؛ شعوب تتنفّس كرة القدم ( الجلد المنفوخ ) ، بينما مستوياتها المعيشيّة و أوضاعها السياسية و منظومتها الصحيّة و التعليميّة و الثقافيّة غارقة في وحل التخلّف . ممّا أوعز إلى الأنظمة الاستبدادية و الديكتاتوريّة استغلال العشق و الهوس الجماهيري للكرة ، و تحقيق الانتصارات المحليّة و الإقليميّة و الدوليّة ، لمخادعة تلك الجماهير ، و التغطيّة على مشاكلها اليوميّة الحادة ، و استغلال مشاعرها الكرويّة .
و أصبحت ضمن مخططات التنميّة الشاملة ، و جزءا من سياسات الدول في الغرب . لكنّ هذا في الغرب ، الذي يشهد تطورا و ازدهارا و اكتفاء و فائضا و رخاء في جميع المجالات الاقتصادية و الاجتماعيّة و التعليميّة ، لا يشكو فيه المواطن من نقص أو انعدام ضرورات الحياة المعيشيّة اليوميّة ، و لا يعاني من شحّ في المياه و الغذاء و ضعف في الكهرباء و الاتّصالات و المواصلات ، و بالمجمل في ضعف البنية التحية ، كالموصلات بمختلف أشكالها ، و ضعف المنظومة الصحيّة و التعليميّة و هجرة الأدمغة و هوان المعلّم و تهميش العلماء ....
قد يقول قائل أيضا ، إنّ الاموال التي تدفعها تلك الأنديّة الثريّة ، هي ملك خاص لها ، و لم تُؤخذ أو تُمنح من الخزينة العموميّة . و هي أموال رجال أعمال مساهمين في النوادي . و هي أموال مجنيّة و مردودة من أثمان الإشهارات و تسويق أقمصة تلك النوادي للجماهير و المحبين و تذاكر الملعب و جوائز البطولات و الكؤوس المحليّة و الإقليمية و الدوليّة ، و غيرها من المصادر . لكنّ هناك ، في بعض الدول النفطيّة خاصة ، قد أبرمت بعض نواديها عقودا تمويليّة مع شركات وطنيّة كبرى ، مقابل كتابة ( لوغواتها ) على أقمصة اللاعبين و على لوحات الملعب المملوك للنادي أو البلديّة . أمّا النوادي غير المرتبطة بشركات كبرى ، فإنّها تغرف المليارات من خزائن الشعب ، و كلّها أموال تصبّ في حسابات اللاعبين المحليين و الأجانب ( المحترفين ) و الطواقم الفنيّة الوطنيّة أو الأجنبيّة ، و تُنفق في المنح و الأكل و الشرب و النقل و المبيت في أرقى الفنادق ، و ربّما في شراء المقابلات الحاسمة ، أو دفع رشاوي للحكام أو اللاعبين أو رؤساء النوادي .
كان من الأجدر و الأفيد ، و نحن أمّة تعاني أزمات فكريّة و اقتصاديّة و سياسيّة و حضاريّة ، أن نعتني بالرؤوس العارفة لا الأقدام اللاعبة ، و تُخصّص تلك الأموال التي ملأت جيوب اللاعبين الأجانب – دون فائدة – لحلّ أزماتنا ، و تمويل مراكز الترجمة و البحث العلمي و الفلسفي ، و شراء عقود و براءات اختراعات العلماء العرب و المسلمين و الغربيين من أجل إنجاز وثبة حضاريّة على منوال أسلافنا في العصر عبد الله المأمون ( 170 هـ -218 هـ ) ، حين كانت الترجمة رائدة ، و كان الخليفة المأمون يعطي المترجم وزن الكتاب ذهبا . بينا اليوم ، أمست لعبة ( الجلد المنفوخ ) غاية كل شاب يرجو الغنى و الشهرة . و أمسى اللاعب ( من اللعب ) المحترف ( من الحرفة ) علما و سيّدا و شخصيّة وطنيّة مُكرّمة لا يضاهيها معلّم أو عالم أو مفكّر أو سياسيّ محنّك في المال و الشهرة . أليس ذلك من عجائب هذا العصر البراغماتي المتوحش ؟
و قد يقول قائل ، إنّ الأوربيين هم السبّاقون في هذا مضمار الاحتراف الكروي ، و هم الذين أوجدوا هذه السوق المجنونة . فما العيب أن نسايرهم أو نسير على سنّتهم . و هذه حقيقة يراد بها باطل . إنّ الأولويات عندهم منجزة و مكتملة ، أمّا نحن فما زلنا في طور معالجة مظاهرالتخلّف و آثاره على الفرد و الجماعة ، و على البنيّة الماديّة و النفسيّة ، التي خلّفها الاستعمار الصليبي غداة دحره و جلائه عن بلداننا . ثم ، نحن لسنا مجبرين على دخول جحر دخلوه ، و اتّباع سننهم شبرا شبرا. فأوضاعنا الاقتصاديّة و الاجتماعيّة و الثقافيّة و الحضاريّة لا تسرّ الناظرين . إنّ معلّمنا و أستاذنا الجامعي و باحثنا و طبيبنا و مهندسنا و فلاّحنا و موظّفنا الإداري و شرطينا و دركينا و جنديّنا و أدمغتنا المهاجرة إلى بلاد الغرب ، كلّ هؤلاء في حاجة إلى رعاية و عناية لتوفير عيش كريم ، لا تشوبه خصاصة و لا حاجة ماديّة .
تُهدر أموال طائلة ، أو بلهجة الجزائريين ( شكاير ) من الأموال ( بمعنى كيس طحين وزنه قنطار ) ، و نحن في حاجة إلى مستشفيات و مصحّات عصريّة ، و مواطنينا يعالجون في مستشفيات أجنبيّة خارج الحدود . فلاحونا يعانون من نقض فادح في المعدّات و الآلات الفلاحيّة الإنتاجيّة ( معدّات الحرث و البذر و الجني و الحصاد ) . تُهدر الأموال الطائلة في شراء اللاعبين ( المشهورين ) بعد نفاد صلاحيتهم في أوروبا ، و المواطن العربي المقهور ، النازح و اللاجيء ، في اليمن و سوريا و السودان و فلسطين المحتلة يتضوّر جوعا و عطشا و يواجه ظروف الطبيعة ، من حرّ في الصيف ، و قرّ في الشتاء بوسائل عصر ما قبل التاريخ . فإذا كان الغرب الصليبي قد هبّ لنجدة ساكنة أوكرانيا بمئات الملايير من الدولارات ، و وفّر لها الغذاء و الدواء و السكن و الخيّم ، و غيرها من الضروريات و الكماليات ، فإنّ المواطن العربي في بعض الأقطار العربيّة ، قد وقع ضحيّة الحروب و الكوارث الطبيعيّة ، لم يجد ما يسدّ به رمقه ، بل فنيّ و هر حيّ ، و قد افترش التراب و التحف السماء ، ينتظر خروج النفس من الجسد و رجوعها إلى ربّها ...
و خلاصة القول ، ألا تبّا للعابثين بأموال الشعوب ، من أجل جلد منفوخ تتقاذفه الأقدام و الرؤوس ، و تُدفع من أجله ملايير الدولارات .



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنظور الصوفي في رواية بياض اليقين . قراءة نقديّة في رواية ...
- جناية الصوفيّة على الحضارة الإسلاميّة
- يُخرّبون بيوتهم بأيديهم
- سيميائية العلاقة بين الرجل و المرأة في رواية غابات الإسمنت * ...
- قراءة سيميائية و تفكيكيّة لرواية غابات الإسمنت . لذكرى لعيبي ...
- صورة المرأة المنتميّة في المجموعة القصصية ( إيلا ) * للقاصة ...
- تحرير الحريّة
- تأمّلات في التقشف و الزهد
- وجهة الفلسفة الغربيّة . إلى أين ؟
- الظاهرة الحزبيّة في البلاد العربيّة ما لها و ما عليها .
- امرأة من زمن العمالقة
- لماذا نكتب ؟ و ماذا نكتب ؟
- أم الخير
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 8 )
- ربيع إيكوزيوميّ *
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 7 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 6 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 5 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 4 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 3 )


المزيد.....




- الهلال السعودي يعلن نهاية حقبة جيسوس وتكليف مدرب جديد
- برشلونة ضيفا ثقيلا على بلد الوليد في الدوري الإسباني.. الموع ...
- الهلال السعودي يقيل مدربه جيسوس.. ويكشف عن بديله المؤقت
- ليونيل ميسي ولامين يامال.. من الأفضل بعد 100 مباراة؟
- تابع مبارياتك بجودة عالية “تردد قناة أون تايم سبورت الرياضية ...
- الهلال السعودي ينهي عقد جيسوس.. ويكشف عن المدرب البديل
- تحت ملكية عائلة ملياردير شهير.. باريس جديد يصعد رسميا للدوري ...
- مانشستر سيتي يعبر ولفرهامبتون ويصعد للمركز الثالث بالدوري ال ...
- مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا
- قبل النهائي الآسيوي.. محرز يكشف عن حلمه الكبير مع الأهلي الس ...


المزيد.....

- مقدمة كتاب تاريخ شعبي لكرة القدم / ميكايل كوريا
- العربي بن مبارك أول من حمل لقب الجوهرة السوداء / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - عالم الرياضة - علي فضيل العربي - أقدام على منصّات التتويج