أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 4 )














المزيد.....

يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 4 )


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7480 - 2023 / 1 / 2 - 20:53
المحور: الادب والفن
    


قال صديقي المعلّم ( ج ) : ما أجمل الريف لولا الأميّة . الريف مدرسة بلا أقسام و لا أسوار و لا معلّمين و لا كتب . في أحضانه يتلقّى المرء ، منذ نعومة أظافره ، دروس الشجاعة و الحزم و القوّة و الاندفاع .. فيه يخشوشن جلد المرء و ظفره . يتعلم ركوب الحمير و البغال و الأحصنة و الأشجار و قمم الجبال ، كما يعوّدون أنفسهم على الترجّل بين الفجاج و الجبال و الحقول ، فتنمو عضلاتهم و تشتدّ أزنادهم ، و تسلم عقولهم و قلوبهم من أدواء المدينة ، الشائعة في عصرنا التكنولوجي ، كالجنون و القلق و الاكتئاب والعقوق والطلاق و الانتحار و هلّم جرا .. لهذا يخشى المحتل الأجنبي من أهل الريف ، لأنّهم لا يهابون الموت ، و لا يعبأون به ، و لا يقبلون الضيم ، و لا يتحّملون العبوديّة ، فهم أناس ولدوا في فضاء رحب ، و ترعرعوا و شبّوا و عاشوا في بيئة لا تقيّدها قيود المكان .. كما هو شأن أهل الحضر .. يأكلون ممّا تزرع أيديهم ، و تحرث حيواناتهم . حليبهم و أجبانهم من ضروع أبقارهم و ماعزهم و غنمهم ، و فراشهم و غطاؤه و ( كشاشيبهم ) و ( حنابلهم ) و ( زرابهم ) ممّا يستخلصونه من صوف حيواناتهم ، و ممّا تنسجه و تحيكه أنامل نسائهم ، و بيوتهم من طين أرضهم و خشبها و قصبها و ( ديسها ) .. لا كما هو حال أهل المدينة ، فأغلب ما يأكلونه و يلبسونه و يستهلكونه ، اصطناعيّ ، و أكثره قادم من وراء البحر ...
و أردف صديقي المعلّم ( ج ) ، يروي لي أحداث يومه الأول عند بلوغه المدرسة في الدوار ، قائلا :
ركنت دراجتي الهوائيّة عند الحارس .. شعرت براحة نفسيّة ، و أنا ادلف إلى المدرسة .. زال عنّي تعب الطريق ، و انقشعت عن ذهني هواجس التفكير ممّا كنت أخشاه من القادم المجهول .. كان ذلك الحارس رجلا لطيفا ، بشوشا . استقبلني برحابة صدر . أحسست أنّه ابتهج لقدومي أيّما ابتهاج ، بل شعرت أنّه يستكثر عليّ السير ، و كان يودّ حملي بين ذراعيه ، كما يفعل أهل العريس في الريف ، فهم يكلّفون رجلا من المحارم ( و غالبا ما يكون خالها أو عمّها ) لحمل العروس - و هي حافيّة القدمين المخضبتين بالحنّاء - من بيت أبيها إلى ظهر البغلة أو الفرس ، ثم يحملونها ، عند بلوغها بيت زوجها و شيخها ( والد زوجها ) و عجوزتها ( والدة زوجها ) ، من على ظهر البغلة أو الفرس إلى كوخ الزوجيّة ، و لا يدعونها تترجّل حافيّة القدمين ، تكريما لها و إعزازا لمقامها ..
كان ذلك أول يوم شعرت فيه أنّني أصبحت أنتمي إلى ذاك الدوار ( ضيعة ريفيّة ) ، بغير إرادتي . فلو المدرسة ما كنت أكتشف وجوده - أصلا - على وجه الأرض . و لكن ربّ ضارة نافعة ، و ربّ صدفة خير من الف ميعاد . و زمام الحياة – نحن البشر - ليس دائما في أيدينا ، و عسى أن نكره شيئا و هو خير لنا ، أو نحبّه و هو شرّ لنا .
رحّب بي مدير المدرسة ، ، ترحيب المضيف الكريم للضيف ، و قد أشرق محيّاه بشاشة و سرورا ، و علمت - فيما بعد – أنّه معلّم قديم ، قد أشرف على التقاعد ، كُلّف بإدارة المدرسة ، و تدريس التلاميذ اللغة الفرنسيّة .
بادرني قائلا :
- كنت في انتظارك .. و الله لقد أسعدني قدومك . المدرسة في حاجة إلى معلّم .. كلّ سنة يأتي معلّم ، ثم يذهب في منتصف السنة الدراسيّة أو في نهايتها دون عودة .. أتمنى أن يطول مكوثك معنا أطول فترة ممكنة .. كلّ المعلّمين يفضّلون التدريس في المدن أو القرى ، و لكنّهم يرفضون التدريس في الدواوير ، كدوارنا هذا ..
و وقعت كلماته تلك على قلبي موقع البلسم على الجرح .. تراءى لي صدق الرجل المدير و وطنيّته ماثلين في مقلتيه ، لأول وهلة . و لم يخطيء فيه حدسي ، فقد كان نعم الصديق الوفيّ و الأخ السخيّ و الأب الناصح خلال السنوات الدراسيّة التي قضيناها معا في مدرسة الدوار ..
قلت له ، و قد انحلّت عقدة من لساني :
- اعتبرني من اليوم فصاعدا ، واحدا منكم و من أهل الدوار .. كلّما كانت الظلمة حالكة ، كلّما احتاجت إلى نور أكثر .. أنا هنا ، لست معلما من أجل تقاضي أجر الدنيا ، بل أنا رسول علم ، أبغي من وراء رسالتي التعليميّة أجر الآخرة .. ما أحوج هذا الدوار إلى نور العقول و شمس القلوب ..



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 3 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 2 )
- يوميّات معلم في مدرسة ريفيّة ( 1 )
- فلسفة الوقت في حياتنا
- أكتب لكم من الجنوب ( 10 )
- التعليم قبل الديمقراطيّة .
- أكتب لكم من الجنوب ( 9 )
- بين المونديال الكروي في الجنوب و المونديال الحربي في الشمال
- أكتب لكم من الجنوب ( 8 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 7 )
- قمّة المناخ في شرم الشيخ وما تنتظره البشريّة منها .
- أكتب لكم من الجنوب ( 6 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 5 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 4 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 3 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 2 )
- أكتب لكم من الجنوب
- ليلة إلقاء فاطمة بيدار في نهر السين
- حديث عن أم ريفيّة ( 5 )
- موسم الهجرة نحو الجنوب


المزيد.....




- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 4 )