أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - يوميّات معلم في مدرسة ريفيّة ( 1 )














المزيد.....

يوميّات معلم في مدرسة ريفيّة ( 1 )


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7477 - 2022 / 12 / 29 - 12:56
المحور: الادب والفن
    


يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 1 )

كان لي صديق اسمه ( ج ) أعزّه أيّما إعزاز ، و هو معلّم مدرسة ابتدائيّة ، أفنى زهرة شبابه و أتبعها بسنين من كهولته ، في تعليم أبناء وطنه في مدرسة ريفيّة - و هو فخور بما قام به - .
قال لي ذلك الصديق : عندما عيّنت مدرّسا في مدرسة ريفيّة ، في منطقة جبليّة نائيّة ، أخذتني رهبة ، و ارتجفت أوصالي ، و سقط بين يديّ ، و ضربت أخماسا في أسداس ، و أصابتني حيرة ، لأنّه لم يكن لي سابق معرفة بأهل الريف ، و كانت معرفتي بحياة الريفيين ، و بعاداتهم و تقاليدهم و سلوكاتهم سطحيّة و نظريّة ، أخذتها و استقيتها من نصوص القراءة في المدرسة تتحدّث عن الحياة الفطريّة في الريف .
و كان صديقي شابا طريّ العود ، مرهف العاطفة ، حضريّ التفكير ، مدنيّ السلوك ، لم يسبق له أن عاشر أهل الريف ، اللهم إلاّ ما سمعه عنهم من حكايات و قصص و نوادر و فنتازيات ، او قرأه عنهم في كتب أو صحف . هو ابن المدينة، فيها ولد قبل اندلاع الثورة التحريرية بأربع سنوات في مدينة ( س ) ، و فيها ترعرع و نشأ و شبّ ، لكنّ ظروف الحياة و يد القدر ساقته إلى عالم ريفيّ لا عهد له به . فوجد نفسه في مدرسة ريفيّة ، تبعد عن مدينته ( س ) و مسقط رأسه بعشرة كيلومترات جنوبا ، أو نحو مسيرة ساعة و نصف على متن دراجة هوائيّة . كانت تلك المدرسة تقع في دوار ( مجمع سكني ريفيّ ) ، يفضي إليها طريق مترب ضيّق يخترق فجّا بين جبلين من اشجار الصنوبر و العرعار و السرو و الكاليتوس و الصفصاف ، يفصل بينهما وادي القرود كما اعتاد أهل المنطقة على تسميّته ، حيث كانت تعيش القرود ، و عند شروق الشمس تنحدر ، تلك القرود الصغيرة الحجم من قمتي الجبلين إلى حافتي الطريق ، و كأنّها بصدد تحيّة المارة او عرض نفسها عليهم بغرض الفرجة . فيرمي لها بعض المارة ، و المسافرين بعض المأكولات ، كالبسكويت و حبّات الموز و الكاتوه . كانت المياه المنحدرة من أعالي الجبلين ، تحول إلى شلالات صغيرة ، رقراقة و عذبة صافية صيفا و ربيعا ، هادرة ، فائضة على ضفتيه خريفا و شتاء . و كانت قرود ( الماغو ) غالبا ما تراقب المارة المتوقفين لملء زجاجات الماء ، أو للشرب و التبرّد في زمن الحرارة و القيظ صيفا ، أو للتفرج على القردة ، و هي تقفز على الصخور و أغصان الأشجار ، و تستفز الأطفال ، و تبدي لهم حركات بهلوانيّة ، و تكشّر عن أنيابها ، و كأنّها تضاحكهم . كان السير في تلك الطريق المؤديّة إلى المدرسة الريفيّة ، التي عُيّنت فيها مدرسا بدرجة معلّم متربّص ، كما أخبرني صديقي ، أشبه بمغامرة رحّالة في درب مجهول النهاية ..
قال لي صديقي المعلّم ، و قد التمعت في مقلتيه معالم الذكريات :
لم تكن الطريق إلى تلك المدرسة الريفيّة هيّنة على نفسي ، في تلك الأيام . فقد كانت وسائل النقل العصريّة معدومة تماما . فلم ألمح خلال أسبوع كامل سيارة نقل فرديّ أو جماعيّ واحدة . كانت وسائل تنقّل أهل الدوار ، و هم أغلبهم فلاحون و مزارعون و رعاة ماشيّة ، كالماعز و الأبقار المحليّة و الأغنام ، الدرجات الناريّة و الهوائيّة في أحسن الأحوال . أمّا أغلب وسائل النقل ، فهي الأحمرة و البغال و العربات التي تجرّها البغال أو الأحصنة ، و من السكان الريفيين من يفضل المشي على الأقدام .
أما وسيلتي ، أنا ، فكانت دراجتي الهوائيّة التي اشتراها لي أبي هدية عند نجاحي في شهادة التعليم المتوسط . و هي الشهادة التي أهلتني للدخول إلى معهد تكوين المعلّمين في فترة السبعينيات . فكنت أقطع تلك الكيلومترات العشر في مدّة ساعة و نصف أو اكثر . اركبها تارة عند يستوي الطريق أو ينحدر ، و تارة أخرى أسير و إياها خطوة بخطوة عندما يصّاعد بي الطريق و ينعرج يمنة و يسرة .
كنت أنطلق ، يوميّا - ما عدا يوم الأحد ، التي كانت عطلة نهاية الأسبوع ، قبل أن تتحوّل إلى يوم الجمعة – عند الفجر كي أصل في الوقت المناسب ، و قبل الساعة الثامنة صباحا ، موعد الدخول إلى القسم . و غالبا ما كنت أصل في زمن الشتاء و المطر و الثلوج و الصقيع متأخرا عن التلاميذ ، أي بعد الثامنة بربع ساعة أو اقلّ . فأجد تلامذتي الصغار في انتظاري بمنتهى البراءة و الشوق . أمّا إذا حلّ الربيع ، و امتدّ النهار ، فقد كنت أجد فسحة من الوقت ، فأنطلق من البيت على السادسة ، و قد أشرقت أنوار الشمس و ملأت الآفاق و الفضاء نورا و إشراقا . و كنت أستمتع أثناء الطريق المتربة بمناظر الربيع و زقزقة العصافير و البلابل و نسائم الصباح المحمّلة بروائح الغابة المحاذية للطريق .... ( يتبع )



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة الوقت في حياتنا
- أكتب لكم من الجنوب ( 10 )
- التعليم قبل الديمقراطيّة .
- أكتب لكم من الجنوب ( 9 )
- بين المونديال الكروي في الجنوب و المونديال الحربي في الشمال
- أكتب لكم من الجنوب ( 8 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 7 )
- قمّة المناخ في شرم الشيخ وما تنتظره البشريّة منها .
- أكتب لكم من الجنوب ( 6 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 5 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 4 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 3 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 2 )
- أكتب لكم من الجنوب
- ليلة إلقاء فاطمة بيدار في نهر السين
- حديث عن أم ريفيّة ( 5 )
- موسم الهجرة نحو الجنوب
- متى تعتذر فرنسا عن تاريخها الأسود في الجزائر ؟
- جوع في الجنوب و حرب في الشمال
- ظاهرة العنوسة في المجتمعات العربيّة ... تلك القنبلة الموقوتة ...


المزيد.....




- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...
- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - يوميّات معلم في مدرسة ريفيّة ( 1 )