|
ظاهرة العنوسة في المجتمعات العربيّة ... تلك القنبلة الموقوتة .
علي فضيل العربي
الحوار المتمدن-العدد: 7396 - 2022 / 10 / 9 - 01:11
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
للمرأة في المجتمعات العربيّة مكانة خاصة ، و نظرة خاصة أيضا . فهي رمز لشرف الأسرة او القبيلة او القوم . و شرف الأسرة أو القبيلة من شرفها . و لهذا تسعى كل أسرة إلى تزويج ابنتها ، مهما بلغت هذه الأخيرة من علم و ثقافة . و كان زواج في المجتمعات العربيّة – خاصة الريفيّة و القرويّة منها – في سنّ العاشرة ، و الثانيّة ، و أقصاه في عمرالرابعة عشر ، صونا لشرف الأسرة و المجتمع . لكن الأحوال تبدّلت ، و تغيّرت فسفة الزواج في المجتمعات العربية المعاصرة ، فلم يعد الزواج المبكّر شائعا بين الفتيات في الأسر المدنيّة ، نظرا لانتشار التعليم بين الفتيات ، و خروج المرأة إلى سوق العمل الحرّ و الوظائف الحكوميّة في ميادين التعليم بجميع فروعه و جذوعه العلميّة و الأدبيّة ، و الصحة و الإدارة و الرياضة ، و غيرها ، ماعدا بعض الاستثناءات التي مازالت قائمة في بعض البيئات العربيّة الريفيّة الفقيرة . لقد حقّقت المرأة العربيّة نجاحات باهرة في جميع ميادين النشاط ، العلميّة منها و الأدبيّة و الرياضيّة و التجاريّة ، فأصبحت تمارس حياتها ، بحريّة و مسؤوليتها جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل ؛ معلّمة أو أستاذة أو طبيبة أو مهندسة أو ضابطة أو عالمة مخترعة أو مسيّرة أو وزيرة أو رئيسة وزراء أو امرأة أعمال لامعة ، و هلّم جرّا ... كل ما ذكرناه للمرأة العربيّة من محاسن ، و ما لم نذكره ، افتكّته المرأة العربيّة المعاصرة ، بذكائها و حكمتها و جهدها و صبرها و كفاحها و صمودها و تطلّعاتها . لكنّ ، بالرغم من كلّ ما حقّقته المرأة العربيّة من إنجازات باهرة ، و ما قدّمته من تضحيات جسيمة ، في خضم الحياة الاجتماعية ، اليوميّة ، فإنّها مازالت – في نظر أسرتها و بيئتها – قاصرة ، و " ناقصة عقل و دين " ما لم تتزوّج ، و تنضوي تحت جناحي زوج ، يصون شرفها ، و يحفظ مكانتها ، و ينتشلها من من مستنقع العنوسة . إنّ ظاهرة العنوسة الأنثوية و الذكوريّة في المجتمعات العربيّة حديثة العهد ، ناتجة عن ميلاد فلسفة اجتماعية جديدة . دوافعها عديدة ، منها عزوف الشباب و الشابّات عن الزواج ، و نفورهم من الحياة الزوجيّة ، و شعورهم بأنّها – أي الحياة الزوجيّة – أغلال في معاصمهم ، تقيّد أو تحدّد حريّتهم الشخصيّة . فبالنسبة للشباب الراغبين في الزواج ، فقد حالت العوائق الاجتماعيّة و الاقتصاديّة دون تحقيق تلك الرغبة . كغلاء المهور و تكاليف الزواج و البطالة و انعدام السكن و انتشار المواقع الإباحيّة و العلب الليليّة و التطلّع إلى الهجرة النظاميّة أو السريّة . و في المقابل ، نجد الشابات الموظّفات في القطاعات الاقتصاديّة و الإداريّة و الاجتماعيّة ، لا يرغبن في الزواج ، ما دمن قد ملكن ذمتهنّ الماليّة ، و يشعرن بحريّة أكثر في قرارتهنّ و سلوكاتهنّ ، و حياتهنّ بصورة عامة . لقد تحوّلت العنوسة في البلاد العربيّة ، و خاصة في البيئات الحضريّة و المدنيّة و الجماعات الميسورة ، إلى ظاهرة ، و بلغت حدّا لا يطاق ، إذ بلغت نسبة العنوسة في الوطن العربي - حسب دراسة للأستاذ محمد عبد الشكور ، نُشرت في موقع الجزيرة مباشر - حدّا لا يطاق . فقد أحصيت – حسب تلك الدراسة - في الجزائر حوالي 12 مليون عانسا ، أي ربع تعداد السكان ، و في المغرب بلغت حوالي 35% من المغربيات ، أي أكثر من الثلث عازبات . و في تونس بلغت % 81 % ، و في لبنان أصبحت نحو 80 % ، و في مصر بلغت أكثر من 5 . 13 مليون عانس . إنّها أرقام مرعبة حقّا . تؤسس لمجتمعات بدون أسر مستقرّة و أطفال أسوياء . و من الممكن جدّا أن تؤدي ظاهرة العنوسة بين الشباب الذكور و الإناث ، فضلا عن ظاهرة الطلاق ، إلى انتشار فاحشة الزنا و الاستغلال الجنسي للمرأة و ظهور الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج الشرعيّة ( اللقطاء ) و استشراء الأمراض النفسيّة ، كالاكتئاب و الأرق و النوم القهري ، بين الذكور و الإناث بسبب الفشل في مغادرة مربّع العنوسة . و ستكون للعنوسة ( الأنثوية و الذكوريّة ) آثار سلبيّة وخيمة في المستقبل على مداه المتوسّط . فعدم الزواج ، أو نقصه ، أو تأخره ، يفضي إلى محدوديّة النسل و بطء النمو الديموغرافي و شيخوخة المجتمعات العربيّة . و هذا يعني الأنظمة العربيّة لن تكون في حاجة إلى اعتماد سياسة تنظيم الإنجاب و تحديده . و الأمر المحيّر ، فعلا ، هو إلحاق ظاهرة العنوسة بالعنصر الأنثوي ، دون العنصر الذكوري . و تكشف هذه النظرة الأحاديّة للظاهرة عن فلسفة المجتمع الذكوري في البيئة العربيّة ، و عن حجم التمييز القهري الممارس ضد المرأة العربيّة . إنّ ظاهرة العنوسة في البيئة العربيّة ، القرويّة منها و الحضرية. قاسم مشترك بين الذكر و الأنثى . فكلّ أنثى عانس يقابلها ذكر عانس . مثلما هو الحال لظاهرة الطلاق ، فكل امرأة مطلَّقة يقابلها رجل مطلِّق . و هكذا دواليك ...
#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حديث عن أم ريفيّة ( 4 )
-
حديث عن أم ريفيّة ( 3 )
-
العقل قبل كل شيء
-
حديث عن أم ريفيّة ( 2 )
-
حديث عن أم ريفيّة
-
الكتاب الورقيّ في عصر الرقمنة.. ما محلّه من الإعراب ؟
-
الحرب النظيفة و الحرب القذرة
-
أزمة الذكورة و الأنوثة في المجتمع العربي ؟ أين الخلل ؟
-
تثقيف السياسة
-
هل سيندلع الشتاء الأوربي ؟
-
الفلسفة و الحرب و السلم
-
قوارب بلا تأشيرة
-
على هامش الصيف
-
ماذا بعد الحرب الروسية الأوكرانيّة ؟
-
وجهة العالم المعاصر . إلى أين ؟
-
لماذا الحرب أيّها العقلاء ؟
المزيد.....
-
محكمة أميركية تلغي حكما يدين -المنتج المتحرش- في قضايا اغتصا
...
-
بي بي سي عربي تزور عائلة الطفلة السودانية التي اغتصبت في مصر
...
-
هذه الدول العربية تتصدر نسبة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوي
...
-
“لولو العيوطة” تردد قناة وناسة نايل سات الجديد 2024 للاستماع
...
-
شرطة الكويت تضبط امرأة هندية بعد سنوات من التخفي
-
“800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم
...
-
البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
-
مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة
...
-
“سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف
...
-
إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى
...
المزيد.....
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
-
الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم
...
/ سلمى وجيران
-
المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست
...
/ ألينا ساجد
-
اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019
/ طيبة علي
-
الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1]
/ إلهام مانع
المزيد.....
|