|
وجهة العالم المعاصر . إلى أين ؟
علي فضيل العربي
الحوار المتمدن-العدد: 7343 - 2022 / 8 / 17 - 21:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا شكّ أنّ العالم يمرّ في هذه الأيام ، و في كنف الربع الأول من القرن الواحد و العشرين بفترة عصيبة ، تشبه تلك التي جرت قبل قرن - أي في النصف الأول من القرن العشرين – لكنّها تختلف اختلافا بيّنا من حيث النوايا والوسائل و الأهداف . فهو يعيش مجاذبة عنيفة و مؤثّرة بين سياسة القوة ، و قوّة السياسة . و الأسئلة الذي أرّقت العقلاء ، و مازالت تؤرّقهم هي : هل البشريّة – التي تنشد السلام – في حاجة اليوم إلى حروب جديدة و بأسلحة لا تبقي و لا تذر ؟ هل قدر البشريّة أن يحكمها ثلّة من مجانين القوّة و الرعونة ، فيودون بها إلى قاع الكارثة ؟ لماذا ينتج هؤلاء المجانين كل هذه الأسلحة الفتّاكة ؟ إلى أين يتجه العالم المعاصر يا ترى ؟ هل أفلس الفكر الديمقراطي و أفلست معه المنظومة الديمقراطيّة المبنيّة على الحريّة و الأخوّة و المساواة و حقوق الإنسان ؟ أما آن للعقلاء أن يتوقفوا عن ممارسة هذه الرعونة المجنونة ، و يستثمروا أموال الشعوب و ثرواتها العقليّة و الماديّة فيما فيه خير الإنسانيّة جمعاء ؟ لقد شهد العالم خلال الحربين الكونيتين صراعا مسلحا داميّا ، مأساوياّ ، عندما فشلت السياسة و رجال السياسة في كبح تهوّر رافعي ألوية الحرب و دعاة القوّة و الرعونة . و خرجت البشريّة منهما – أي من الحربين الكونيتين الأولى و الثانيّة - منهكة اقتصاديا محطّمة نفسيا و اجتماعيا و أخلاقيّا ، ناهيك عن الخسائر البشريّة الفادحة في البنية التحتية في دول أروبا بجناحيها الغربي و الشرقي . هل استفاد الإنسان ماديا و معنويّا من الحربين الطاحنتين ؟ كلا ، لقد كان القتلى و الضحايا و الجرحى و المعاقين و المشرّدين و اليتامى و الثكالى يعدّون بالملايين . و هُدّمت مدن و قرى برمتّها على رؤوس ساكنتها البريئة . أليست الأرض تسع الجميع ؟ كلا ، إنّها تسع البشر جميعا بشتى ألوانهم و لغاتهم و جنسياتهم و إيديولوجياتهم و طموحاتهم و رغباتهم ، و تسع الحيوان و الشجر و الحجر و جميع المخلوقات ؟ لماذا ضعفت فطرة التعايش السلمي و التعاون على البناء بدل الدمار ؟ فلماذا ، إذن ، كل هذه الحروب المدمّرة للإنسان و الحيوان و الطبيعة ؟ لماذا هذا الجنون و الرعونة و إفناء الذات و زرع روح الكراهية و مشاعر البغضاء بين أبناء آدم عليه السلام ؟ ألم يتّعض دعاة الحرب و و موقدوها و خائضوها بما سببته الحروب السالفة من مآس و كوارث على الإنسان و الطبيعة ؟ يبدو أن البشريّة ، و أخصّ بالذكر فئة العلماء السذج و ممارسي السياسة بروح الرعونة الفرعونيّة و النمروديّة ، لم تتعلّم جيّدا ما ينفعها ، و ما يدفع عنها الضرر ، و لم تستفد من الدروس الماضية و التجارب السالفة . فقد ظهرت كأنّها تلميذ غبيّ لا يفقه دروس معلّميه . أخشى أن تندلع حربا عالمية ثالثة ، تدّمر الأخضر و اليابس ، و تعيد الإنسان إلى حياة الكهوف و المغارات و السيوف و العصيّ . لقد بالغ الإنسان المعاصر في الغرب و الشرق في البحث عن وسائل الدمار ، و تصنيع الأسلحة الفتاكة ؛ تقليدية و كيماوية و نوويّة . و كأنّه على مشارف حرب ضروس سيخوضها - مرغما – ضدّ أمم أخرى أو ستشنّ عليه من كوكب آخر ، غير كوكب الأرض ، و ربّما من خارج مجرة درب التبّانة . ماذا يريد الإنسان من وراء هذه الأسلحة المدّمرة ؟ ألم يستفق العلماء و رجال السياسة و أصحاب مصانع أسلحة الدمار الشامل و بناة المحطّات النوويّة من غفلتهم و عنجهيتهم ؟ إلى أين يريدون الوصول بطموحاتهم القاتلة و الفتّاكة ؟ يجب على العالم أن يقف لحظة تأمّل لراهنه الذي يتهدّده الفناء . و لابد أن تتجنّد الشعوب في اقصى الأرض و أدناها ، و تضغط على حكوماتها المدنيّة و العسكريّة ترغمها على تدمير الأسلحة الفتاكة كلّها عاجلا و ليس آجلا ، و دون استثناء أو تواكل . لا بد أن يعود الإنسان إلى رشده و وعيه . إنّ العالم يمرّ بلحظات فارقة . فهو بين أمرين لا ثالث لهما : فإمّا العودة إلى فطرته البشريّة الآمنة ، المسالمة أو المضيّ إلى الفناء العام . لقد جانب الإنسان في الغرب و الشرق معالم الحضارة ، و زيّف مفاهيمها النبيلة ، و حرّفها عن مسارها الإنسانيّ النبيل ، و حوّل جزءا هاما منها إلى وسائل للإفناء الذاتي و القتل العشوائي ، الفردي منه و الجماعي ، و شيّد منها قوّة تدميريّة هائلة . إنّ هدف الحضارة هو النفع العام و الخاص . و هي آلية لتحقيق السعادة الإنسانيّة ، و إشاعة الأمن و الطمأنينة و التكافل و جلب المنفعة بين الناس كافة ، و إزالة الخوف و الهلع من النفوس و حماية الإنسان من الأخطار المحدقة به . لقد كان الإنسان في فترة ما قبل التاريخ و نظيره في القرون السالفة ، و قبل ظهور بوادر النهضة الفكريّة و الصناعيّة – يبحث – بجدّ و شغف – عن كلّ ما يحفظ حياته ، و يحقّق سعادته و رفاهيته ، و ينمّي ثروته ، و يحميه من مخاطر الطبيعة . فلمّا بلغ ما كان يصبو انحرفت به شهواته و غرائزه و أطماعه ، و تمرّد ضميره الأخلاقي عن المباديء الساميّة . ما أحوجنا اليوم – أكثر من أيّ وقت مضى – إلى الإنسان المتعلّم ، الراشد ، الواعي ، الذي يتصرّف مع نفسه و مع غيره بحكمة و بعد نظر . كان الإنسان في القرون السالفة ، الساحقة عرضة لخطر الطبيعة المحيطة به ؛ ضحيّة الوحوش الضاريّة ، و هيجان الطبيعة بفيضاناتها و عواصفها المدمّرة و زلازلها و حرائق غاباتها . فلمّا استطاع حماية نفسه من معظم المخاطر ، اتّجه إلى إنتاج وسائل التدمير الشامل . ألا يدعو الأمر إلى العجب و الدهشة و الحيرة التساؤل ؟ أيّ منطق هذا الذي أوصله إلى حافة الفناء ؟ هل يعقل أن يتصرّف الإنسان العاقل ، في هذا العصر ، بسلوك رعونيّ ، لا أخلاقيّ ، جنونيّ ؟ إن العالم ليس في حاجة إلى حروب مدمّرة و نزاعات دمويّة ، و تفاخر و تهديد بالسلاح الفتّاك . العالم في حاجة ماسة إلى التعايش في كنف السلام و التعاون و الأمن و الطمأنينة ، لأنّ الله تعالى قد خلق الناس شعوبا و قبائل من أجل التعارف و التعايش و تعمير الأرض بما يصلح لهم و ينفعهم في دنياهم و آخرتهم . إنّ مبدأ التدافع بين البشر ، ليس هدفه الإفناء و إزهاق الأرواح البريئة من أجل إشباع الغرائز البهيميّة ، و إنّما من اجل إصلاح النفوس و الأبدان و إشاعة الخير و السلام بين ذريّة آدم عليه السلام . العالم في حاجة ماسة إلى محاربة الجوائح ؛ كالأمراض المزمنة و غير المزمنة و الأوبئة الفتّاكة و المجاعة و الجهل و التصحّر و التلوّث البيئي الذي انتشر في البراري و البحور و المحيطات و الأنهار ، نتيجة النفايات المنزليّة و نفايات الصناعة النوويّة و تجاربها و تسرّبات إشعاعاتها . لا أعلم مبرّرا منطقيّا واحدا ، و لا هدفا مشروعا لهذا التسابق الجنوني في ميدان التسلّح التقليدي و غير التقليدي غير الجنون و الرعونة . و كأنّ العالم المصنّع - الذي يدّعي المدنيّة و الحضارة ، و يتشدق بحقوق الإنسان و الحيوان – يسابق أجل فنائه و موعد خرابه واندثاره . أتمنى أن يعود الإنسان المعاصر في غرب الأرض و شرقها و جنوبها و شمالها إلى رشده . و يعاد بناء مجالس عالميّة قويّة ، تدافع عن السلام العالمي بقوة الكلمة و اليد . إنّ منظمة الأمم المتّحدة ( بل المتفرقة ) ، و مجلس الأمن و المنظّمات الأخرى ، السياسية منها و الحقوقيّة ، لمّا تعد تفي بطموح الإنسان المتعطّش للأمن و السلام و التآخي و التعاون ، بغض النظر عن الجغرافيا و الهويّة و الإيديولوجيا و المكانة العلميّة و التكنولوجيّة . و أكبر دليل على ذلك ما شهده العالم من حروب مدمّرة في الشيشان و أفغانستان و البلقان العراق و سورية و اليمن و ليبيا و أخيرا أوكرانيا . لم يَجْنِ العالم من تلك الحروب القاسية سوى المآسي التي يندى لها الجبين . و ازداد تجار السلاح و مروّجو المخدّرات و الأدويّة ثراء على ثراء . بينما عمّت الأوبئة و الفقر و الأمراض النفسيّة و مشاعر الكراهيّة في أوربا العجوز و بقيّة العالم ، و خاصة البلدان الخاضعة للاحتلال الأجنبي أو الحكم الديكتاتوري المستبّد . و أخيرا و ليس آخرا ، و من باب التأكيد و الإصرار و التمنّي ليس إلاّ ، أدعو – و أنا العبد الضعيف – الشعوب الواعيّة إلى الضغط على رجال السياسة للتخلّص نهائيّا من ترسانة الأسلحة النوويّة و الكيماويّة و الجرثوميّة و غلق المحطات النوويّة غلقا نهائيّا . كما أدعو العلماء الشرفاء إلى الوقوف صفّا واحدا في وجه الفكر التدميري ، و الامتناع عن البحث و الخوض في هذا الميدان ، و في كل ما يضر البشريّة ماديا و معنويّا و أخلاقيّا . إنّ البشريّة تستغيث بكم أيها العلماء الشرفاء ، فلا تخيّبوا ظنّها فيكم .
#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا الحرب أيّها العقلاء ؟
المزيد.....
-
بعد وقف إطلاق النار.. ترامب: تغيير النظام في إيران سيخلق فوض
...
-
لماذا يعد تغيير النظام في إيران أمرًا صعبًا؟ أستاذ في جامعة
...
-
لماذا اختارت إيران القاعدة الأمريكية في قطر لتوجيه رسالتها ل
...
-
المستشار الألماني: -الوقت حان- لوقف إطلاق النار في غزة
-
مقتل 4 أشخاص بصواريخ إيرانية أصابت مبنى سكنيا في بئر السبع ج
...
-
إيران: هل من بديل سياسي؟
-
دوي انفجارات في إيران رغم أمر ترامب بوقف الهجمات الإسرائيلية
...
-
غزة: مقتل أكثر من 50 فلسطينيا بنيران الجيش الإسرائيلي معظمهم
...
-
إسرائيل: لن نهاجم إيران مجددا بعد مكالمة ترامب ونتنياهو
-
ماذا تفعل حين يقرر طفلك التوقف عن رياضته المفضلة؟
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|