أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي فضيل العربي - أكتب لكم من الجنوب ( 4 )














المزيد.....

أكتب لكم من الجنوب ( 4 )


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7419 - 2022 / 11 / 1 - 00:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اليوم ، انكشفت مأساة أخرى ، و ما أكثر مآسينا ، لقد تناقلت وكالات الأنباء العالميّة ، خبر غرق زورق ( حرّاقة ) ، آخر . شباب و أطفال و أمهات و كهول ، هاربين ، تحت سدف الظلام ، إليكم . واختلفت تلك الوكالات حول عددهم ، و تضاربت الاحتمالات حول مكان انطلاقهم و وجهتهم . لكنّ الأمر المؤكّد ، أنّهم غرقوا و هلكوا في عرض البحر الأبيض المتوسط . و لم ينج منهم أحد ، و طفت جثث أغلبهم على ماء البحر الأجاج ..
فرّوا - مكرهين - من خميس الجوع و المرض و الإرهاب . لجأوا – يا أهل الشمال – إليكم . بينا أنتم غارقون في حربكم على أنفسكم . و لولاكم ما ركبوا عباب البحر في زمن الخريف . آه ، من خريف هذا العام . عجبا له . حرب قذرة في الشمال ، تلتهم كل يوم النفوس البريئة ، و تًسرَف فيه أموال طائلة . خريف جرّد ، و سيجرّد ، أشجارا من أوراقها ، و سيجعلها عاريّة ، مقطوعة الظلّ و اللون .
أوقفوا الحرب ، يا سادتي في الشمال ، و افسحوا الفضاء الأزرق لأسراب الحمام . أوقفوا سفك الدماء . لقد حلّ فصل البذر . و تلك الحدائق تنتظر – بشغف – فسائل الزهور الفوّاحة و الورود العطرة .
و كان ممّن غرقوا ، طفل في سنّ السادسة من عمره . هكذا صرّح رجال االإنقاذ المدني . و ظهرت صورته ، و هو مرميّ على أحد الشواطيء الشماليّة ، بعدما لفظته أمواج البحر . نعم ، يا سادتي في الشمال ، طفل بريء لم يمرّ على فطامه وقت طويل . طفل لم يرتو من ثدي أمّه ، و لم يفتح عينيه على الحياة ، و لم يدرك للموت معنى .
كان من حقّه الإنساني و الفطريّ ، أن يكون في المدرسة ، مثل أطفالكم . له محفظة جميلة ، و كراريس مغلّفة و أقلام و حذاء و لباس جديد و مئزر بلون السماء و البحر و لمجة من خبز طريّ و جبن لذيذ من أجبان البقرة الضاحكة . تودّعه أمّه صباحا بقبلة على خدّه قبل امتطاء حافلة المدرسة ، و تقبّله ثانيّة عند عودته في المساء . لكن ، و آه من لكن في الزمن الرديء . مات الطفل غريقا ، بعيدا عن أمّه و مدرسته .
نحن في الجنوب ، يا سادتي ، ضحاياكم اليوم ، مثلما كنّا ضحاياكم بالأمس . بالأمس القريب ، قُتلنا بأسلحتكم و طائراتكم . نزلتم على شواطئنا و وطأتم أرضنا غزاة . سمعناكم تقولون : جئناكم فاتحين ، لتخليصكم من البربريّة و الوحشيّة و الأميّة ، و الفقر و الأمراض . جئناكم بالحضارة و التنوير .
لكنّ عيون الدهر كشفت زيف ادّعائكم ، فضحت أقوالَكم أفعالُكم . أخذتم منّا كل شيء جميل . سلبتم منّا الحياة ، و فرشتم لنا الدروب قتلا و سجنا و تعذيبا و نفيا .
أما اليوم ، فإنّنا لم نتحرّر من تبعات أمسكم الأسود . اندحرتم ، و تركتمونا جوعى ، مرضى ، حفاة ، عراة ، تائهين في غياهب الجهل و التخلّف .
يا سادتي في الشمال ، كونوا على يقين ، بأنّه لن يكون آخر الزوارق ، ستتلوه زوارق أخرى ؛ خشبيّة و مطاطيّة ، سريعة و بطيئة ، مادام البحر على قيد الحياة ، و أمواجه تدفعها رياح الشرق و الغرب . لن يكون الزورق الأخير ، و لن يكونوا آخر( الحرّاقين ) ، و لا خاتمة الغارقين ، الهالكين ، و لو بنيتم بيننا و بينكم - فوق البحر - سورا عظيما كسور الصين ، أو سدّا كسدّ يأجوج و مأجوج ، أو نصبتم بيننا و بينكم خطوطا من الأسلاك الشائكة ، المكهربة ، كخطيّ شال و موريس * و حرّاسا شدادا ، غلاظا ، منزوعي القلوب الرحيمة .
إذن ، غرق الزورق ، و هلك ركابه المساكين ، و مات الطفل ، و العاقبة لزورق آخر ، و ضحايا آخرين . أبشروا ، يا سادتي في الشمال ، و يا أباطرة الأسلحة الفتّاكة ، و فراعنة الحرب المجنونة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش:

* هما خطّان دفاعيان من الأسلاك الشائكة ، المكهربة . أنشأتهما فرنسا على حدود الجزائر مع تونس و المغرب ، لمنع جيش التحرير من دخول الجزائر .



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أكتب لكم من الجنوب ( 3 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 2 )
- أكتب لكم من الجنوب
- ليلة إلقاء فاطمة بيدار في نهر السين
- حديث عن أم ريفيّة ( 5 )
- موسم الهجرة نحو الجنوب
- متى تعتذر فرنسا عن تاريخها الأسود في الجزائر ؟
- جوع في الجنوب و حرب في الشمال
- ظاهرة العنوسة في المجتمعات العربيّة ... تلك القنبلة الموقوتة ...
- حديث عن أم ريفيّة ( 4 )
- حديث عن أم ريفيّة ( 3 )
- العقل قبل كل شيء
- حديث عن أم ريفيّة ( 2 )
- حديث عن أم ريفيّة
- الكتاب الورقيّ في عصر الرقمنة.. ما محلّه من الإعراب ؟
- الحرب النظيفة و الحرب القذرة
- أزمة الذكورة و الأنوثة في المجتمع العربي ؟ أين الخلل ؟
- تثقيف السياسة
- هل سيندلع الشتاء الأوربي ؟
- الفلسفة و الحرب و السلم


المزيد.....




- فريق كامالا هاريس يرد على انتقادات إسرائيلية لتصريحاتها عن غ ...
- العراق.. قصف على قاعدة عين الأسد
- كيربي حول صفقة تبادل بين إسرائيل وحماس: لا يزال هناك فجوات و ...
- الملك الأردني يبحث مع بايدن الوضع في غزة والتطورات في الضفة ...
- -نوفوستي-: أوكرانيا تنشر طيرانها على أراضي دول ثالثة
- كينيدي جونيور يتعهد بإنشاء احتياطي قدره 4 ملايين بيتكوين حال ...
- تركيا.. اشتباكات بين الشرطة ومحتجين بسبب مشروع قانون حول الك ...
- خبير يحذر من احتمالية تعرض مصر ودول في حوض النيل لسنوات عجاف ...
- كبار أعضاء فريق التفاوض الإسرائيلي: حياة العشرات من المخطوفي ...
- في اتصال مع بايدن.. الملك عبدالله يؤكد على ضرورة وقف حرب غزة ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي فضيل العربي - أكتب لكم من الجنوب ( 4 )