أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - علي فضيل العربي - حديث عن أم ريفيّة ( 5 )














المزيد.....

حديث عن أم ريفيّة ( 5 )


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7402 - 2022 / 10 / 15 - 23:47
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


قال لي صديقي الريفيّ :
- لو كنت ريفيّ المولد و الترعرع مثلي ، لاستوعبت فلسفة الحياة عند الريفيّين . و أدركت - بيسر – الحكمة في مواقفهم و سلوكهم اليوميّ . إذ ، لا يستطيع فهم المغزى من تصرّفاتهم ، سوى من يعاشرهم أو يصاهرهم أو يصادقهم .
قلت ، و أنا لا أملك حجة أنقض بها ( ادّعاءه ) :
- صدقت . أهل الريف أدرى بشعابه . أهل المدينة ، لا يعرفون الريف ، إلاّ في فصل الربيع ، حين يقبلون عليه لأجل التنزّه فقط .
أمّا في فصل الصيف ، فصل القيظ ، فوجهتهم المفضّلة ، شواطيء البحر ، أو السفر إلى بلاد أخرى أقلّ جمالا من بلادهم .
- أجل ، هم يجهلون جمال الريف في فصل الخريف ، حين ينضج التين و العنب و اللوز و الرمان و العسل الأصيل ..
و أردف صديقي الريف في حديثه عن أمّه الريفيّة ( الشهرزاديّة ) :
كانت أمّي لا ترى أيّ معنى لحياتها بعيدا عن الريف . و كانت كلّما زارتني في المدينة ، أو زارت إخوتي و أخواتي ، شعرت بضيق في رئتيها ، وأصابها نوع من القلق و الأرق ، فلا يهدأ لها بال ، و لا يهنأ لها مقام و لا يرسو . كانت تقول لنا ، مازحة ، مستغربة :
- هذه ليست بيوتا للعيش . هذه أقفاص لا تليق ، حتى بدجاجاتي ..
قال صديقي الريفيّ :
- كانت أمّي صادقة في ملاحظاتها و مشاعرها . فقد كانت بيتي معلّقا في الطابق السادس من عمارة بلا مصعد . ممّا جعلها تمتنع – مكرهة - عن زيارتي ، إلا نادرا .
و قد قالت لي ذات يوم ، و بصريح العبارة :
- بيتك لا يصلح إلاّ عشّا للبلارج ( طائر للقلق ) . ثم أردفت :
- لا أدري لماذا علّقوا الناس بهذا الشكل ، بعضهم فوق بعض ، كدجاج في السجنة ( خم الدجاج ) . بينا أرض الله واسعة ، أغلبها فارغة و مهملة .

من الأعياد الدينيّة ، التي مازالت أمّي الريفيّة ، تحتفظ بها ، و لا تفوتها فرصة الاحتفال بها ، و إحياء طقوسها في كل سنة ، عيد المولد النبوي الشريف .
أذكر أنّ أمّي - عندما كنّا صغارا - تصنع لنا فوانيس من القصب . حيث تأتي بأعود القصب الأخضر ، و تقوم بتلميع كلّ قصبة على حدة ، ثم تقوم شقّها بسكين ، ثم تغلّفها بورق ملوّن و شفّاف ، و تلصق أجزاءه بعجين الكسرة ، و تضع لنا داخل الفانوس شمعة المولد ، و عند المغرب ، نخرج إلى الطريق المتربة ، و نحن نردّد :
- ميلود يا ميلود
ميلود النبيّ
لاله يمينة ( آمنة ) ربّات ( ربّت ) الصبيّ .
و كم غضبت أمّي الريفيّة ، لمّا سمعت أناسا ( يدّعون التقوى ) ، أنّ الاحتفال بالمولد النبويّ الشريف بدعة ، و ازداد عجبها و حنقها ، لمّا رأت أهل المدن ، يحتفلون بالمولد النبوي ، باستعمال مختلف أنواع المفرقعات والألعاب النارية الخطيرة من شماريخ و سينيال ، و غيرها .
كما ، كانت أمّي الريفيّة ، تحضّر لنا في ليلة المولد النبوي الشريف . أكلة البركوكس ( أكلة من العجائن ) ، بلحم دجاج العرب و مرقه ( دجاج الريف ) ، و تخضّب أكفنا بالحناء . و تبخّر الكوخ بعود الطيب .
و كانت أمّي الريفيّة تحتفل أيضا برأس السنة الميلاديّة و رأس السنة الهجريّة و رأس السنة الأمازيغيّة ، رغم أميّتها ، إذ ، كما أسلفت لم تدخل المدرسة ، بسبب الاحتلال الفرنسي ، و عائق العرف ، في عشيرتها ، و الذي يحرّم تعليم الفتاة ، و لم تر في ذلك بدعة .
واصل صديقي الريفيّ حديثه قائلا :
كانت أمّي الريفيّة ، تحتفل في كل سنة برأس السنة الميلاديّة و عندما نسألها عن علّة ذلك ، تقول لنا ، أنّ النبيّ عيسى ، ، عليه السلام ، نبيّنا - نحن المسلمين - و نحن أحقّ الناس بالاحتفال بمولده . فكانت أمّي تذبح لنا سردوكا روميّا ( ديكا روميّا ) ، و تصنع لنا به عشاء بالمردود ( نوع من العجائن التقليديّة ) ، و تتصدّق منه على الجيران ، فترسلنا ، نحن الأبناء ، إليهم حاملين صدقة المولد ، و كذلك يفعل الجيران ، فنقصدهم ثقالا و نعود نقالا . و كانت أمي ، تخرج من المزود ( كيس جلدي ) حفنات من التين التي جفّفتها في فصل الخريف ، و حبات الرمّان و كم كنّا نتمنّى ، في تلك الليلة ، أن تطول بنا ، و تتكرّر كلّ أسبوع ، لنأكل ما لذّ و طاب من يديّ أمّي الريفيّة ,
أمّا احتفالها بالناير ( رأس السنة الأمازيغيّة ) ، و يكون – عادة - ليلة الثاني عشر من شهر جانفي ( يناير ) من كل سنة فقد كان مختلفا إلى حدّ ما . فقد كانت أمّي الريفيّة تحضّر السفنج أو الخفاف ( نوع من الفطائر المقليّة ) ، و الزيتون و التين و تصنع لنا كسكسا بمرق الدجاج العربي ( التقليدي ) ، و كانت حريصة على تخصيص ، لكل واحد منّا ، دجاجة متوسطة الحجم ، محشوّة بالبهارات و الثوم و تشيشة المرمز ( دقيق من الشعير الأخضر المحمّص ) ، و لا تنسى إخراج نصيب للجيران أبدا . فهي تردّد ، دائما ، أنّ من حقّوق الجار على الجار ، إكرامه في أوقات اليسر و العسر . وكم كانت السعادة ، تغمرنا في تلك الليلة ، من كل سنة .
و كانت أمّي الريفيّة ، لا تفوت أيّة مناسبة دينيّة ، فنحتفل معها - أيضا - برأس السنة الهجريّة ، في كل عام . كنت ، و مازلت ، ألمح سعادتها الغامرة ، كلّما حلّت تلك المناسبة السعيدة ، فكانت تصنع لنا ما لذّ و طاب من الطعام . و تقيم الليل ، و تكثر من التسبيح و الاستغفار و الحمد و الصلاة و السلام على الرسول محمد ( صلى الله عليه و سلم ) و على آله ، و على إبراهيم و آل ابراهيم
و كم كانت متعجّبة أشد العجب ، من أناس ، من الجيل الجديد ، يحرّمون الاحتفال بتلك الأعياد الدينيّة و الوطنيّة الموروثة عن الآباء و الأجداد ، و يحاولون ، بكلّ الوسائل - حثّ الناس على تجاهلها . و إقناعهم على أنّها بدعة سيئة ، وجب عليهم تركها و نسيانها .



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسم الهجرة نحو الجنوب
- متى تعتذر فرنسا عن تاريخها الأسود في الجزائر ؟
- جوع في الجنوب و حرب في الشمال
- ظاهرة العنوسة في المجتمعات العربيّة ... تلك القنبلة الموقوتة ...
- حديث عن أم ريفيّة ( 4 )
- حديث عن أم ريفيّة ( 3 )
- العقل قبل كل شيء
- حديث عن أم ريفيّة ( 2 )
- حديث عن أم ريفيّة
- الكتاب الورقيّ في عصر الرقمنة.. ما محلّه من الإعراب ؟
- الحرب النظيفة و الحرب القذرة
- أزمة الذكورة و الأنوثة في المجتمع العربي ؟ أين الخلل ؟
- تثقيف السياسة
- هل سيندلع الشتاء الأوربي ؟
- الفلسفة و الحرب و السلم
- قوارب بلا تأشيرة
- على هامش الصيف
- ماذا بعد الحرب الروسية الأوكرانيّة ؟
- وجهة العالم المعاصر . إلى أين ؟
- لماذا الحرب أيّها العقلاء ؟


المزيد.....




- للمرة الأولى..امرأة تقود جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني ...
- مخطوفات ما بعد ميرا.. مسلسل “الهروب مع الحبيب”
- لأول مرة في التاريخ.. امرأة تتولى منصب رئيس جهاز MI6 في بريط ...
- الاعتذار وحده لا يكفي .. ورقة رصد حول وتحليل لخطابات الاعتذا ...
- نتنياهو يتوعد إيران بسبب -قتل النساء والأطفال-
- مصر.. جريمة اغتصاب سيدة معاقة تهز البلاد
- استقبل الآن تردد قناة كراميش 2025 الجديد على النايل سات لمتا ...
- فوق السلطة: طقوس اغتصاب أطفال تهز إسرائيل ونتنياهو متهم برعا ...
- أيهما أقوى ذاكرة: النساء أم الرجال؟ ولماذا؟
- ” سجلي فورًا متترديش” خطوات التسجيل في دعم ساند للنساء 1446 ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - علي فضيل العربي - حديث عن أم ريفيّة ( 5 )