أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي فضيل العربي - أكتب لكم من الجنوب ( 2 )














المزيد.....

أكتب لكم من الجنوب ( 2 )


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7412 - 2022 / 10 / 25 - 10:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مازلت أخاطبكم من الجنوب يا سادة الشمال ..
بيني و بينكم صحاري قاحلة ، سافرة من رأسها حتى أخمص قدميها ، و جوع و مرض و فقر مدقع ، و مقابر في بحر أبيض متوسط ، و جزر نائية ، و و قوافل من المراكب الخشبيّة المهترئة ، و المطاطيّة ، مكتظّة حتى البلعوم بأكوام من الشباب و النساء و الأطفال ( الحراقة ) ، كأنّهم حزم حطب يابس . إنّها في طريقها إليكم ، مبحرة ليلا نحوكم . فلا تعيبوها ، فتغرقوها ، أو تأخذوها غصبا ، كما كان يفعل الملك مع مساكين كانوا يعملون في البحر .
يا سادتي الكرام . يا أهل الشمال ..
هذه المرة أكتب لكم من جنوب السودان ، و موطن النيل و مجراه ، أكتب لكم نيابة عن رضيع يصارع الموت في كل لحظة ، لم يبلغ الفطام بعد . اسمه محمّدو ، و ينادونه محا الصغير ، عمره البيولوجي سنة و نصف ، لكنّ جسده أنحله الجوع و المرض ، و حوّلاه إلى هيكل ، جلده على عظمه ، أمّه مريم ، و ينادونها ، من باب الترخيم ( مري ) ، أرملة ، قُتل زوجها على أيدي عصابة مسلّحة ، و مرتزقة ، دونما جريرة ارتكبها .
يا سادتي في الشمال ، يا سدنة الحرب و القتال و الدمار في روسيا و أوكرانيا ، يقول لكم محمدو ، لم الحرب يا إخوة الإنسانيّة ؟ لم تتقاتلون ؟ عجبا بكم ، تقتلون الإنسان من أجل الأرض . و من يسكن هذه الأرض و يعمّرها ، إذا قضيتم على الإنسان ؟ هل ستسكنها الضباع و الجرذان و الذئاب و باقي الوحوش الضاريّة ؟ من سيعمّرها ، إذا أفنيتم الإنسان ؟ ألا تعلمون أنّ من قتل نفسا واحدة ، كأنّما قتل الناس جميعا ؟ ألا تعلمون أن الله قد خلق الناس شعوبا و قبائل للتعارف و التعايش في ظلّ المودّة و الرحمة و التعاون على البرّ و المنفعة ؟
أنا محمدو ، ابن الجنوب ، ولدت جائعا ، و من بطن أمي الجائعة . لم أرتوِ من حليب ثديها يوما واحدا ، أعيش بين الحياة و الموت . ماتت أكثر معزاتنا و بقراتنا من الجفاف ، و من الأوبئة الفتّاكة . لم تعد تحتمل الجفاف ، و لا عادت تُنبت كلأ ، لنا ، و لمواشينا الناجية من الهلاك . نحن في حاجة إلى الخبز و الطحين و الحليب و الماء النقيّ و الدواء الكافي و الثياب لنستر بها سوآتنا ، و نمنع عن جلودنا لسعات البعوض و الذباب الأزرق الطنّان .
يا سادتي في الشمال ، يا من تديرون حربا قذرة ، خاسرة من أجل تحقيق نصر زائف في شطرنج السياسة ، و في مضمار التباهي و الاختيال . إنّ ما تنفقونه في كل يوم ، بل في كل ساعة من أموال ، كاف لإنقاذنا من جوائح الجوع و المرض ، و التي تتربّص بنا الدوائر .إن ثمن رصاصة واحدة ، سواء أأصابت هدفها أم طاشت ، يطعم عشرة أطفال في سنّي . و ثمن بندقيّة يوفّرلنا لقاحات ضد الملاريا و الكوليرا . و ثمن طلقة مدفع ، يطعم قبيلة ، خبزا و أرزا . و ثمن مدفع يوفّر لنا الكساء سنة كاملة . أمّا أثمان الطائرات الحربيّة و سفن الأساطيل و الفرقطات و الغواصات و الصواريخ العابرة للقارات ، و غير العابرة لها ، و القنابل النوويّة و البيولوجيّة و الجرثوميّة ، فإنّها ستنقذنا ممّا نحن فيه من المآسي السود ، و سوف تنقذ الأجيال القادمة من تبعات الآباء و الأجداد .
يا سادتي في الشمال ، في روسيا و أوكرانيا ، إلى أين أنتم ذاهبون ؟ أما آن لحربكم أن تضع أوزارها ، و ينقشع الخوف من عيون الأطفال ؟ متى يصمت نعيق الغربان ، و تصفو القلوب صفاء الماء في بركة من لجين و مرمر و رخام ؟
أيها السادة ، عودوا إلى عقولكم ، أو أعيدوا إليكم عقولكم . ما كانت الحرب - أبدا - إلاّ نذير شؤم . كم من البشر قتلت ، و كم من المدن و القرى و البنيان هدمت . و كم من الأبرياء شرّدت . و كم النعم أتلفت .
هذه رسالتي إليكم من الجنوب ، يا سادتي في الشمال ، أنا الرضيع محمدو ، و قد أموت من شدّة الجوع و المرض قبل أن تتلوها عليكم مواقع التواصل ...



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أكتب لكم من الجنوب
- ليلة إلقاء فاطمة بيدار في نهر السين
- حديث عن أم ريفيّة ( 5 )
- موسم الهجرة نحو الجنوب
- متى تعتذر فرنسا عن تاريخها الأسود في الجزائر ؟
- جوع في الجنوب و حرب في الشمال
- ظاهرة العنوسة في المجتمعات العربيّة ... تلك القنبلة الموقوتة ...
- حديث عن أم ريفيّة ( 4 )
- حديث عن أم ريفيّة ( 3 )
- العقل قبل كل شيء
- حديث عن أم ريفيّة ( 2 )
- حديث عن أم ريفيّة
- الكتاب الورقيّ في عصر الرقمنة.. ما محلّه من الإعراب ؟
- الحرب النظيفة و الحرب القذرة
- أزمة الذكورة و الأنوثة في المجتمع العربي ؟ أين الخلل ؟
- تثقيف السياسة
- هل سيندلع الشتاء الأوربي ؟
- الفلسفة و الحرب و السلم
- قوارب بلا تأشيرة
- على هامش الصيف


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي فضيل العربي - أكتب لكم من الجنوب ( 2 )