أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي فضيل العربي - أكتب لكم من الجنوب ( 8 )














المزيد.....

أكتب لكم من الجنوب ( 8 )


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7434 - 2022 / 11 / 16 - 15:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما زلت أكتب لكم من الجنوب ، و هذا معناه ، في علمي الأحياء و الاجتماع ، أنّني مازلت على قيد الحياة . و لو أنّها لا تشبه حياتكم الحياة ، في كليّاتها و جزئياتها ، في إجمالها و تفاصيلها ، بل هي أكثر شبها و قربا من الموت .. سأوضّح لكم ذلك ، فعذرا إن انحلّت عقد لساني ، و تناسلت كلماتي و جملي .. فصبرا في مجال البوح صبرا .
لعلّ الأخبار الفظيعة قد بلغتكم من الجنوب ، عبر وكالات أنبائكم المنتشرة ، هنا و هناك كالفطريات في المناطق الرطبة ، و كالنجوم في الفضاء الشاسع - لقد حوّلتم الكوكب الأرضي إلى قرية صغيرة ، كما تدّعون ، و أطلقتم العنان لآلاف الاقمار الصناعية ، لخدمة البشريّة ، كما زعمتم ..
لقد غرق مركب القادمين إليكم ـ كانوا سبعين نفرا حسب شهود عيان ـ و طفت أجسادهم المنهكة ، بل هياكلهم العظميّة ، المتدثّرة بأهُب سوّدتها الشمس الحارقة ، و تقيّا البحر بعض الأجساد ، و دفعتها أمواج غربيّة أو شرقيّة نحو الشاطيء الجنوني . و كأنّ البحر يصرخ بأعلى أمواجه في وجه اليابسة : هذه بضاعتك رُدّت إليك ؟ فتردّ اليابسة غاضبة ، باكية : لا ، أيهّا البحر ، أرسلتهم إليك أحياء ، سعاة في كلب الحياة ، فتردّهم ، بل ترميهم لي أمواجك جثثا منتفخة ، بلا عيون . لا ، أيها البحر ، لقد خلقك الله لتكون مصدر جود ، تجري على ظهرك الفلك محمّلة بالخير و الحريّة من ضفة لأخرى ، لا لتمسي مقبرة لأبنائي المساكين ، الطين هربوا إلى أحضانك ، طلبا للحياة .
و يردّ البحر ، و قد أخجله كلام البرّ : أنا برىء ممّا تقولين ، أيّتها اليابسة . ليس أنا من أغرق أبناءك . بل أنت من أغرقهم . لو وفّرت لهم الحياة الكريمة ؛ حياة الحريّة و الكرامة ، ما فكّروا ، لحظة ، في امتطاء قوارب لا تصلح للإبحار البتّة . أيّتها اليابسة ، لا تجعليني شماعة لقذاك و عورك .
و هكذا ، حصد الموت أرواح المستغيثين بكم ، الهاربين من لظى القهر و الاستبداد و الجوع و المرض و جفاف الطبيعة ، و جفوة القلوب . و كان المركب الخشبي المهترىء غاصا حتى الحلق بالشباب و الكهول و النساء و الأطفال الرضّع . و هلكوا بين قيظ البرّ و أمواج البحر . منهم من ظهر جسده ، و منهم دُفن في لحد البحر بلا كفن ، بلا وداع ، بلا نظرة أخيرة .
أتعلمون يا سادتي الكرام ، لماذا ماتوا غرقا ، و من المتسبّب في ذلك ؟ و من المشتبه فيه ؟ و من المتّهم ؟ و من المستفيد ؟ أنا على يقين ، أنّكم تعلمون السبب . لم يكن الخبز هو السبب فقط ، رغم اشتياقهم إلى رائحته . لا ، يا سادتي الكرام ، لقد انتُزِعت منهم الحريّة . و سُلّطت عليهم الوحوش الضاريّة ، و نَهشت أرواحهم كلاب الاستبداد ، و دملت أجسادهم من ضربات الجلاّدين ..
إنّكم ، يا سادتي في الشمال ، منشغلون بالحرب الحاميّة الوطيس بين الإخوة الأعداء في روسيا و أوكرانيا . حرب ، سادتي ، لا تنتج سوى الموت و الخراب . في كلّ يوم نسمع عن مقدار الأموال التي ترصدها حكوماتكم لفائدة الحرب . ملايين الدولارات تأكلها نيران الحرب في كلّ يوم .
أمّا نحن ، أهل الجنوب ، فقد تحوّلت الحياة في أرضنا إلى سراب بذي قيعة ، نحبو خلفها و نزحف ، لعلّنا ننجو من طوفان الموت .
آه ، يا سادتي ، لو تكرّمتم - فضلا و ليس أمرا - و أوقفتم نيران هذه الحرب المجنونة . و عاد الناس إلى مساكنهم و ضياعهم و مدنهم و قراهم ، ليواصلوا إشعال شموع الحب ، و تبادل قصائد الغزل العفيف ، و يعود الفلاّحون إلى حقولهم لبذرها و حرثها ، و هم يترنّمون بأغاني الخريف ..
آه ، لو تُوقِفوا هذه الحرب الفظيعة ، كي يعود الأطفال إلى روضاتهم و مدارسهم و ألعابهم و قططهم . و يعود الشيوخ إلى ساحات المدن ، لينثروا الحب أسراب الحمام ، و يغرفوا من بحور الذاكرة حكايات الشباب و الكهولة و العشق و السلام ..



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أكتب لكم من الجنوب ( 7 )
- قمّة المناخ في شرم الشيخ وما تنتظره البشريّة منها .
- أكتب لكم من الجنوب ( 6 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 5 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 4 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 3 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 2 )
- أكتب لكم من الجنوب
- ليلة إلقاء فاطمة بيدار في نهر السين
- حديث عن أم ريفيّة ( 5 )
- موسم الهجرة نحو الجنوب
- متى تعتذر فرنسا عن تاريخها الأسود في الجزائر ؟
- جوع في الجنوب و حرب في الشمال
- ظاهرة العنوسة في المجتمعات العربيّة ... تلك القنبلة الموقوتة ...
- حديث عن أم ريفيّة ( 4 )
- حديث عن أم ريفيّة ( 3 )
- العقل قبل كل شيء
- حديث عن أم ريفيّة ( 2 )
- حديث عن أم ريفيّة
- الكتاب الورقيّ في عصر الرقمنة.. ما محلّه من الإعراب ؟


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي فضيل العربي - أكتب لكم من الجنوب ( 8 )