أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 3 )














المزيد.....

يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 3 )


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7479 - 2023 / 1 / 1 - 12:05
المحور: الادب والفن
    


كانت تلك المدرسة بمثابة عروس الدوار ، تبدو كأنّها معلم بورجوازيّ في حيّ شعبي عتيق ، و قطعة اسمنتية مهرّبة من نسيج المدينة . فهي البناء الوحيد في الدوار المشيّد بالطوب الأسمنتي و القرميد الأحمر و البلاط . مزوّدة بالكهرباء في الدوار كلّه . كانت الساعة قد جاوزت العاشرة ، و الغيوم الدكناء مازالت تتكدّس في كبد السماء ، كأنّها على موعد ..
عندما أشرفت على بلوغ باب المدرسة الرئيسي ، تنفّست الصعداء . أحسست أنّ حملا ثقيلا قد انزاح عن كاهلي و صدري . و جدت رجلا ، قد جاوز الثلاثين ، لكنّ هيأته تنم على أنّه قد بلغ الخمسين ، و قد علمت ذلك فيما بعد ، يومها قيل لي أنّ ملامح أهل الريف أكبر من سنّهم البيولوجي ، نظرا للمشقات التي يكابدونها منذ الصغر . فهم لا يعرفون الراحة م المهد إلى اللحد . كلّهم ؛ رجال و نساء و شباب و أطفال ، منخرطون في الزراعة و الفلاحة و الرعي و الاحتطاب . لأن الحياة في الريف عسيرة المراس ، لا تحتمل الكسالى و المتواكلين . و العمل في الريف لا يعرف انقطاعا أو هدنة خلال فصول السنة ، و لكل فصل نشاطه و نتاجه .
كان ذلك الرجل هو الحارس المكلّف بحراسة المدرسة ليلا و نهارا . كان يملك أتانا . يتركها ، في الغالب ، سارحة ترعى أمام المدرسة ، أو في أحد الحقول البور الحكوميّة نهارا و لكنّه يضطّر إلى عقلها أمام باب المدرسة ، خاصة في فصل الربيع ، حيث يينع الزرع ، مخافة أن تطعن في حقل من حقول الفلاحين ، فتأكل من زرعه أو تعبث فيه فسادا . كانت هي وسيلته و مطيّته الوحيدة في التنقّل من البيت إلى المدرسة أو إلى السوق الأسبوعي كل يوم اثنين ..
و أضاف صديقي ( ج ) :
كانت المدرسة تتكون من أربعة أقسام للدراسة و ساحة للتلاميذ و مكتب للمدير و قاعة مستطيلة ، تُستغل في وظائف عدة ؛ فهي قاعة للمعلّمين ، و عند منتصف النهار تتحوّل إلى مطعم للتلاميذ ، و مراحيض معدودة ، للذكور و الإناث .. لقد بُنيّت تلك المدرسة بعد عشر سنوات من الاستقلال لتستقبل أبناء الدوار ، بعدما كان معظمهم محروما من التمدرس ، و خاصة الإناث . و كانت قلّة قليلة من الذكور تتمدرس ضمن النظام الداخلي في مدن مجاورة ، أقربها تبعد عن الدوار عشرين كيلومترا . أما الإناث فقد كنّ محرومات من التعليم ، إلاّ من حالفهنّ الحظ و توفرت لهن إقامة عند قريب في المدينة ، و عندما تبلغ الفتاة سنّ الثانيّة عشرة ، تمنع من مواصلة الدراسة ، بعد تلك السنّ ، حتى و لو كانت متفوّقة في دراستها . و يقوم أهلها بتزويجها لبناء بيتها كما يقال عند الريفيين ..
و كم كانت صدمتي قويّة ، قال صديقي ( ج ) ، عندما علمت أنّ مدرسة الدوار - التي انتدبت لأكون معلّما فيها – خاليّة من الإناث ، ما عدا عاملة واحدة في سنّ الستين ، تقوم بمهام النظافة في الأقسام ، و هي أرملة شهيد من شهداء الثورة ، وُظّفت لإعالة نصف دزينة ( ستة أبناء ) ، استشهد والدهم من أجل ان يعيشوا أحرارا في وطن حرّ و مستقلّ .. فقد أنبأني أحد شيوخ الدوار ، و هو طالب حافظ لستين حزبا من كتاب الله ؛ القرآن الكريم ، أنّ تعليم البنات في المدارس المدنيّة ، العصريّة خطر محدق على أخلاقهنّ ، و أنّ البنت خُلقت للبيت و رحى الطحن و العجين و الإنجاب ، فهي لا تغادر بيت والديها إلاّ إلى بيت زوجها أو إلى حفرة لحدها ..و خلصت منه ، أنّ الأنثى في الريف ما هي إلاّ آلة للنسل و الغسيل و العجين . فلا فرق بينها و بين إناث الكائنات الأخرى ، إلا من جهة العقل . و لكنّ عقلها عطّله الذكر ، و ألغى مفعوله في الحياة .



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 2 )
- يوميّات معلم في مدرسة ريفيّة ( 1 )
- فلسفة الوقت في حياتنا
- أكتب لكم من الجنوب ( 10 )
- التعليم قبل الديمقراطيّة .
- أكتب لكم من الجنوب ( 9 )
- بين المونديال الكروي في الجنوب و المونديال الحربي في الشمال
- أكتب لكم من الجنوب ( 8 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 7 )
- قمّة المناخ في شرم الشيخ وما تنتظره البشريّة منها .
- أكتب لكم من الجنوب ( 6 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 5 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 4 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 3 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 2 )
- أكتب لكم من الجنوب
- ليلة إلقاء فاطمة بيدار في نهر السين
- حديث عن أم ريفيّة ( 5 )
- موسم الهجرة نحو الجنوب
- متى تعتذر فرنسا عن تاريخها الأسود في الجزائر ؟


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 3 )