أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 7 )














المزيد.....

يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 7 )


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7484 - 2023 / 1 / 6 - 08:10
المحور: الادب والفن
    


قال صديقي المعلّم ( ج ) ، و هو يغالب آهة استبدّت به ، و سكنت فؤاده :
- لو كان الأمر بيدي ، لأنزلت عقوبة شديدة على كلّ أب ّ يحرم ابنته من نور العلم . فالعلم أولى من الخبز و الماء و الهواء ، العلم قبل الحريّة ، الا ترى يا صديقي ، كيف أمر الله تعالى ، أول ما أمر ، بالقراءة ( اقرأ ..) ، و قدّم الله العلم على العبادة .. ثم كيف رسخ في أذهان الريفيين ، بأن أحلّوا العلم للذكر دون الأنثى .. ألم يعلموا أنّ الأمر الإلهي ، أمر إلزامي و حقيقيّ ، صادر من الأعلى ( الخالق ) إلى الأدنى ( الإنسان ) ، و هو يشمل الذكر و الأنثى بالتساوي ، دون تفاوت أو تفضيل أو تقديم أو تأخير ....
و أضاف صديقي المعلّم ( ج ) :
لم أكن أعلم - و أنا القادم من مجتمع المدينة – أنّ التعليم في المجتمع الريفي ؛ في المداشر ( ج . دشرة ) و الدواوير ( ج . دوار ) مقصور على الذكر دون الأنثى ، إلا بعد أن التحقت ، معلّما ، بمدرسة الدوار . و كنت عازما على إقناع أهل الدوار بوجوب تسجيل بناتهم في مدرسة الدوار ، لتعلّم فنون القراءة و الحساب و الخط – و بشتى الوسائل الممكنة - . كما هو الحال عند الحضر و أهل المدن .. و لكن لن يكون الأمر سهلا ، و مفروشا بالبساط الأحمر ، خاصة و أنّ تأثير العادات و التقاليد و الأعراف و سيطرتها على النفوس – عند أهل الدوار - أقوى من تأثير تعاليم الدين ، بحكم الأميّة الفاشيّة بينهم ، و قد توارثوها أبا عن جدّ ، منذ غزاهم المحتل الفرنسي ، و منعهم – بقوانينه الجائرة – من تعلّم لغتهم و تعليمها ، كما هدم مساجدهم و مصلياتهم ، و حاربهم في كلّ ما يحييهم و يعيد لهم كرامتهم و عزتهم ، و يبصّرهم بحريّتهم و حقوقهم و واجباتهم ..
و ازداد عزمي قوّة ، عندما لمست الرغبة نفسها عند زملائي المعلّمين . و شعرت بالمسؤوليّة الملقاة على عاتقي ، بما أنّني صاحب الفكرة و المبادرة ، و طافت بخاطري أمنيّة ، رؤية بنات الدوار ، و هنّ ذاهبات إلى المدرسة ، مقبلات على اغتراف العلم ، و كبرت الأمنيّة ، فقلت للمدير :
- ما رأيك لو نفتح دروسا مسائيّة لمحو الأميّة للكبار و لمن فاتهم سنّ التمدرس ؟
ابتسم المدير ، و قال لي :
- عندما نحسم المعركة الأولى ، سوف نخوض الثانيّة .
و كان يقصد بـ ( المعركة الأولى ) ، إقناع أهل الدوار بتسجيل بناتهم في المدرسة ..أما الثانيّة فهي دروس محو الأميّة .
و أردف صديقي المعلّم ( ج ) :
في الريف تعلّمت دروسا أخرى ، لم تعلّمها لي الكتب ، و لا الحياة في المدينة . لقنتني يوميّاتي في مدرسة الدوار . لقنتني الصبر على ما أحب ، و على ما أكره . و القناعة بالقليل ، و لو كان لا يفي بأدنى الحاجة ، و البساطة في العيش ، و الرضا بالموجود .. كانت مدرسة الدوار لا تشبه مدارس المدن و الحضر . كان تنقصها التدفئة ، كراسيها ملتصقة بطاولاتها العتيقة ، بدت لي أنها من مخلّفات مدرسة فرنسيّة .. غالبا ما ينقطع تيار الكهرباء عنها – خاصة في فصل الشتاء الممطر و المثلج - فيضطرّ المعلّمون إلى التوقّف عن الدرس تلو الدرس .ساحتها غير مبلّطة ، ما زالت ترابيّة مفروشة بحصى البناء . أما الطريق الموصلة إلى المدرسة ، فقد كانت متربة ، موحلة عندما تمطر السماء ، يأتيها التلاميذ من كل صوب في الدوار ، فتلتصق بأحذيتهم المطاطية الأوحال ..
لكن رغم ، كلّ العواقب و المصاعب ، كنت عازما على إنارة تلك العقول الملائكيّة ، الصغيرة ، الفتيّة بنور العلم و المعرفة ..لعلّ الله يخرج من بينهم المعلّم و الطبيب و المهندس ..
بعد أسبوع من الدخول المدرسي ، قررت ان أقيم بجانب المدرسة ، في سكن وظيفيّ جماعيّ ، بُني خصيصا للمعلمين ، القاطنين بعيدا عن الدوار .. و صرت لا أعود إلى مدينتي ( س ) ، إلاّ بعد انقضاء الأسبوع أو الأسبوعين ، و أحيانا ثلاثة أسابيع كاملة .. تخلّصت – نهائيّا – من تعب الذهاب و الإياب كلّ يوم .. و منحت دراجتي الهوائيّة راحة من عقبات الطريق المتربة ، الملتوية بين سفحي الجبلين ..



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 6 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 5 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 4 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 3 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 2 )
- يوميّات معلم في مدرسة ريفيّة ( 1 )
- فلسفة الوقت في حياتنا
- أكتب لكم من الجنوب ( 10 )
- التعليم قبل الديمقراطيّة .
- أكتب لكم من الجنوب ( 9 )
- بين المونديال الكروي في الجنوب و المونديال الحربي في الشمال
- أكتب لكم من الجنوب ( 8 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 7 )
- قمّة المناخ في شرم الشيخ وما تنتظره البشريّة منها .
- أكتب لكم من الجنوب ( 6 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 5 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 4 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 3 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 2 )
- أكتب لكم من الجنوب


المزيد.....




- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...
- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 7 )