أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - سيميائية العلاقة بين الرجل و المرأة في رواية غابات الإسمنت *– لذكرى لعيبي ** -















المزيد.....



سيميائية العلاقة بين الرجل و المرأة في رواية غابات الإسمنت *– لذكرى لعيبي ** -


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7633 - 2023 / 6 / 5 - 17:52
المحور: الادب والفن
    


مدخل :
صدرت رواية " غابات الإسمنت " للروائيّة و الشاعرة العراقيّة ، ذكرى لعيبي ، في طبعتها الأولى سنة 2023 م ، أي بعد أحد عشر عقدا من ظهور رواية " زينب " لمحمد حسين هيكل ( 1913 م ) . حينذاك ، كان الفنّ الروائي العربي في طور الجنين و التكوين في رحم الأدب العربي الحديث أيّام انبعاث النهضة الأدبيّة العربيّة في الشرق العربي ( مصر ، الشام ، العراق ) ، و كان يعتريه الخجل و الخوف من سلطة العادات و التقاليد و من استبداد الدروشة الدينيّة . أمّا ، و قد بلغت الرواية العربيّة المعاصرة مرحلة الفطام ، فقد ظهرت على ساحتنا الأدبيّة ؛ السرديّة و الشعريّة ، أديبات و مبدعات و روائيات و شاعرات ، شغلن الورى ، و ملأن الدنى - على قول الشاعر الجزائريّ و المجاهد الكبير مفدي زكريا - ، و ملأن الأنظار ، و أسمعن - على قول شاعر الحكمة أبي الطيّب المتنبي - من بهم صمم . لقد جاءت سرديّة " غابات الإسمنت " لتنزع أقنعة الطابوهات السائدة خفية عن الأعين ، في المجتمع الشرقي ، و هي طابوهات ترعاها الأفكار الثيوقراطيّة ، و يستغلّها الفساد السياسي و النفاق الاجتماعي الفظيع لقضاء مآربه الذاتيّة الضيّقة .
1 - سيميائية الذكورة الشرقيّة :
عُرفت الرجولة عند الإنسان العربي ، منذ العصر الجاهلي ، بمجموعة من الخصائص النفسيّة و الأخلاقيّة ، و السمات الجسديّة . فقد ارتبطت الرجولة بالشجاعة و الشهامة و الإباء و العزّة و المروءة و الإقدام و القوّة و السؤدد و التضحيّة و الإيثار . فإذا كانت الذكورة جنس ، فإنّ الرجولة صفة يكتسبها الذكر بالدربة و التعلّم و مخالطة الرجال الحقيقيين و الصادقين . فليس كل ذكر ، هو بالضرورة ، رجل . فقد يعيش المرء بذكورته ، و هو فاقد للرجولة الحقة . و في القرآن الكريم ، ذُكر الرجال في مواضع البذل و التضحيّة و التعظيم . " مِنَ المُؤْمِنينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَه َعَلَيْه ِ، فَمِنْهُم مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرْ وَ مَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاٌ " ( الأحزاب / الآية 23 )
عُرف المجتمع الشرقي ( العربي / الإسلامي ) منذ فترة ما قبل الاسلام بتمجيد الذكورة و تحقير الأنوثة . فكان الإنسان العربي في صحراء شبه الجزيرة العربيّة ( اليمن و نجد و الحجاز ) يتشاءم من الأنثى ل، فإذا رزقه الله بنتا ظلّ وجهه مسودّا من شدّة الحزن و القنوط ، إلى درجة الإقدام على وأدها . كما وصفه الله تعالى في محكم تنزيله . و هكذا انتشرت ظاهرة وأد البنات عند بعض القبائل العربيّة .

في رواية غابات الإسمنت ، للروائيّة العراقيّة ذكرى لعيبي . قدّمت لنا بورتريه للرجل الشرقي ، من خلال علاقاته المضطربة بالمرأة ، زوجة و عشيقة . رجل في صورة شهريار زمانه ، مستندا على عصا العصمة و القوامة .
بطلة الرواية هي السجينة ، الجاسوسة ، المخبرة ، القاتلة لزوجها الخائن ، إنعام عبد اللطيف الحاير ( ميساء أدهم عبد الرحيم ) . أمرأة محكومة بثماني سنوات سجنا نافذا ، جرّاء إقدامها على قتل زوجها الخائن و عشيقته ، قضت منها ثلاث سنوات ، و استفادت بالإفراج المسبق ، و بشهادة ( مزورة ) حسن السلوك . و هو ضرب من الابتزاز الذي مارسته إدارة السجن ، و على رأسها النقيب ابتسام علاّم ، و مصالح المخابرات .
ترجع البطلة إنعام عبد اللطيف الحاير ( ميساء أدهم عبد الرحيم ) ، سبب دخولها السجن إلى زوجها الذي ضبطته متلبسا بالخيانة مع عشيقة له . فما كان ردّ فعلها سوى قتلهما معا دفاعا عن شرفها ، و قدسيّة الحياة الزوجيّة . أيّ أنّها ارتكبت فعلتها تلك ( جريمتها ) عن وعي و قصد و إصرار ، لكنّ مجتمعها الشرقي ، المحكوم بأغلال التقاليد و العادات الباليّة ، لم ينصفها و لم يعذرها ، بل أدانها - إلى جانب وسائل الإعلام - و وقف إلى جانب زوجها الخائن ، و تبرأت منها أسرتها .
جاء على لسان الراوية إنعام عبد اللطيف الحاير : " الناس و الصحف رأوني مجرمة أستحقّ القصاص ، مشفقين على زوجي " ص 19 .
فقد وقف المجتمع برمته إلى جانب زوجها ، الطرف القويّ . لم يلتمس لها قطمير عذر . و نزع منها حقّ الدفاع عن شرفها و شرف الرباط المقدّس الذي جمعها بزوجها ، اشفق على زوجها الخائن ، الزاني ، و حرمها من ....
و في موضع آخر تعبّر الراوية البطلة بحسرة عن الأسى الذي لحقها من أهلها بعد الجريمة : " أمّا أهلي الذين تخلّيت عنهم و تخلّوا عنّي ، منذ دخلت السجن ، فقد لاموني على فعلتي ، و حجّتهم ، مادام زوجي وفّر لي السكن و العيش و العمل ، فلأدعه يفعل ما يشاء ، لم يعلق بأذهان الجميع سوى بركة الدم و مقتل القتل الشنيع " ص 19 .
و هذا الموقف من الأهل ، يدّل على ازدواجيّة المعايير الأخلاقيّة في المجتمعات الشرقيّة ، و الانحياز الفاضح للذكورة ، و إلغاء الطرف الآخر ( الأنوثة ) . فالرجل ( سي السيّد ) يفعل ما يشاء ، و ما يجري على المرأة لا يجري عليه ؛ يخون زوجته في السرّ و العلن ، يزني بعشيقاته بال رادع يردعه . أيّ أنّه يمارس حريّته في إشباع نزواته و رغباته ، و يستغلّ مركزه في المجتمع لفرض سلطته على زوجته ، باسم القوامة و العصمة .
الرجل الشرقي ، الذي لقّبه نجيب محفوظ في ثلاثيته المشهورة ( قصر الشوق ، السكريّة ، بين القصرين ) ، بـ ( سي السيّد ) ، الرجل الأنانيّ ، الساديّ ، الأرعن ، الصنم المقدّس ، الذي ينظر لزوجته الأميّة أو المتعلّمة نظرة دونيّة و نقص و عور ( المرأة ناقصة عقل و دين ) . ... " لأنّ الأفضل للمرأة وفق العادات و التقاليد و العرف السائد ، أن تلزم الصمت أمام زوجها في كلّ الأحوال ؛ حين يهينها تصمت ، و إذا ضربها تصمت ، أما إذا رأته متلبّسا بالخيانة و الزنا فما عليها قبل كل شيء ، إلا أن تكبت بنفسها و تستر كأنّها هي المذنبة ، و إلا ستكون مضغة للأفواه " ص 27 .
عالجت الكاتبة ظاهرة الخيانة في المجتمع الشرقي ، بكل أبعادها ؛ الجنسيّة و السياسيّة و الدينيّة و الفكريّة . جاء على لسان الراوية ( بطلة الرواية ) إنعام عبد اللطيف الحاير قولها " اكتشفت أنّنا نعيش في مواجهة تسونامي الكذب الأكبر ، رجل الدين المزيّف يكذب .. و السياسي الموالي لغير بلده يكذب .. و المثقف الذي لا يحترم نفسه .. و غير المثقف الذي يتّخذ من الكذب باب سخريّة . . و الفقير و الصغير و الكبير ... " ص 133 .
إذن يعاني المجتمع الشرقي من أزمة عميقة ، ذات أبعاد أخلاقيّة و ثقافيّة و فلسفيّة . فالخيانة في رأي الراوية ، بطلة الرواية إنعام عبد اللطيف الحاير ( ميساء أدهم عبد الرحيم ) سليلة الكذب الأكبر . فإذا كان رجل الدين – و هو من صمّامات الاستقرار الاجتماعي - مزيّفا ، كاذبا ، محرّفا للدين و مزيّفا للحقائق ، فإنّ عواقب ذلك وخيمة على الفرد و المجتمع . و هنا ، تثير الروائيّة ، من زاوية خفيّة و تلميحيّة أزمة التديّن المزيّف في المجتمع الشرقي ، و ما نتج عنه من مجموعات متعصّبة و متطرّفة ، و أخرى إرهابيّة ، أهلكت الحرث و النسل . حيث وجدت هذه الأخيرة دعما ماليا و معنويا و إعلاميّا من المنظّمات الماسونيّة و الصهيونيّة و النصرانيّة المتطرّفة ، نظرا لقدرتها على تدمير الذات الشرقيّة المعتدلة ، بأيدي أبنائه المغَرر بهم .
و هذا رجل السياسة الخائن لبلده ، و الموالي لأعدائه و الخدوم لهم ، يبيع ضميره الوطني و المهني في سوق الخيانة و الكذب ، طمعا في تحقيق مكاسب ذاتيّة ، خاصة . إنّ الفساد السياسي نابع من خيانة الرجل السياسي للأمانة و المسؤوليّة ، حين يستغلّ منصبه السياسي الرفيع في إشباع نهمه المالي و نزواته و شهواته الجنسيّة . لقد اكتشفت الراوية ، بطلة الرواية إنعام عبد اللطيف الحاير (ميساء أدهم عبد الرحيم ) عالما عجيبا بعد دخولها السجن ، و صداقتها للنقيب ابتسام علاّم . اكتشفت عوالم العهر و المخدّرات و الخمور و الرشوة و الابتزاز و الشذوذ الجنسي و الخيانة الدينيّة و السياسيّة و الثقافيّة و الكذب الأكبر و غيرها من المفاسد المُهلكة ، عوالم لا يعلمها إلاّ من ولج إلى دهاليزها المظلمة . تصف منزل السيّد رئيس غرفة التجارة قائلة : " هذا المنزل للعهر و عمل الصفقات " ص 118 . و في موضع آخر تصفه النقيب ابتسام علاّم قائلة : " الوقح يعقد صفقات لدول أخرى بأرباح من الطرفين " ص 120 .
كان الرجل الشرقي البدوي – و مازال - رمزا للأنفة و الإباء و الفحولة و الكرم و الإيثار و الغيرة و القوّة التفسيّة و البيولولوجيّة . يدافع عن قبيلته و عشيرته ، و يحميها بماله و روحه .
حتى قال أحدهم : و ما أنا إلاّ من غوت ** غويت و إن ترشد غزيّة أرشد .
و كان الرجل الشرقي ، إذا وقع في يد العدوّ أسيرا ، لا يقدم على خيانة قومه مهما لقيّ من العذاب أو الإغراء ، لأن ذلك السلوك الشائن ، في نظره ، كما هو سائد في عرف قومه ، ينزع عنه صفة الرجولة .
لكنّ مخرجات التمدّن و الحداثة و العصرنة ، قضت على كثير من المباديء و القيّم الساميّة المرتبطة بالرجولة ، و الحافظة لها . و ذلك بسبب مغريات الحياة و شهواتها و حبّ المصالح الذاتيّة و التملّك و السلطة . " " هناك رجال يملكون السلطة و المال و القرار السياسي " ص 90 .
رجال أفسدتهم السياسة الرعناء و المال القذر و الجنس الحرام ( العهر و البغاء ) . فصار الجنس – مثلا – قوّة سلبيّة ، استُغلّت لابتزاز النفوس الضعيفة . رجل " نقطة ضعفه النساء " ص 108 .
بل تحوّل الجنس لدى الرجل الشرقي المتمدّن ورقة سياسيّة مؤثرة في أيدي الخصوم ، و وسيلة ضغط لنيل المناصب السياسيّة الساميّة ، أو العزل منها . " المعلومات التي بين يدي ، أنّ السيّد رئيس غرفة التجارة ، و هو منصب رفيع ، بيديه الاستيراد و التصدير ، و غرفة تجارة البلد ... عرفت أنّه مغرم بالنساء ، على الرغم من أنّه متزوج من اثنتين ، واحدة منهما أجنبيّة " ص 107 / 108 .
و تتساءل السجينة نجاح قائلة : " القانون . و لماذا لا يُسنّ قانون مماثل يوقف نذالة الرجال و سعارهم ؟ " ص 62 .
فهذا الرجل الشرقي ( المتمدّن ) المتعجرف ، الخاضع لسيكولوجيّة و عادات مجتمع ( القطيع ) ، الذي سنّ قوانين لوأد عقل المرأة ثقافيا و سياسيّا ، و مصادرة عواطفها و مشاعرها ، و سعى إلى اعتقال أحلامها في سجن ( الحريم ) ، لا يُنتظر منه أن يسنّ قانونا يدينه ، و يعيده إلى جادة الصواب ، بل يستحيل أن يتنازل عن سعاره و نذالته .
الرجل الشرقي في رواية " غابات الإسمنت " لذكرى لعيبي ، كائن مقهور ، ذو شخصيّة مزدوجة ، متناقضة ، رجل مكبّل الفكر . يحاول تعويض عقدته الدونيّة ، باضطهاد زوجته بأساليب شتى . و أبرزها الخيانة و التعدّد دون ضرورة اجتماعيّة أو أخلاقيّة ، اللهم إلاّ رغبته في الإشباع الجنسي .
تقول السجينة الراويّة ) إنعام عبد اللطيف الحاير ( ميساء أدهم عبد الرحيم ) ، تصف زوجها الذي خانها ، بعد شهر من زواجهما ، مع فتاة أجنبيّة من " جنسيّة أخرى ... من بلد غير بلدنا ، جاءت تبحث عن لقمة العيش " ص 14 :
" تألمت كثيرا ، و جنّ جنوني ؛ ثم تظاهرت بالبرود حين سمعت أنّ زوجي جرّدها من الشيء الذي لا يعوّض بثمن ، و عوّضها عنه بمبلغ كبير من المال مقابل سكوتها ، المهم أنّه اشترى شرفها مثلما يشتري أيّة سلعة تعجبه في السوق : جلاّبية ، حذاء ، قلم حبر ، ساعة ، سيارة ، أي شيء يخطر في البال ، حتى إذا ما شبع منه ، رغب عنه فألقاه بعيدا عنه " ص 15 .
رواية غابات الأسمنت ، للروائيّة العراقيّة ذكرى لعيبي ، إدانة صريحة و مباشرة لسلوكيات الذكر الشرقي المسنود اجتماعيا و دينيّا و عرفيّا . هذا الذكر الشرقيّ الجاحد ، الذي أنجبته امرأة ( والدته ) ؛ فقد حملته وهنا على وهن تسعة من الأشهر المؤلمة ، و وضعته و أرضعته حتى الفطام و رعته في طفولته حتّى شبّ و اشتدّ عوده ، و في الأخير أنكر الجميل ، و بدت له المرأة ناقصة عقل و دين .
سيميائية الرجل الشرقي في هذه الرواية ، تفضح خلق النفاق في علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع الشرقي . فهو يزعم الدفاع عن الشرف ، و يرتكب ( جرائم الشرف ) في حقّ المرأة ، و لا يعاقب الطرف الآخر بالعقوبة نفسها . و كأنّ الخيانة و انتهاك الشرف تخصّ المرأة دون الرجل ، إنّه أسلوب الكيل بمكيالين .
يبدو الرجل في رواية غابات الأسمنت ، لذكرى لعيبي / مصدر كل الشرور التي تلحق المرأة . فكلّ السجينات و المضطهدات في الرواية هن ضحايا للرجل الفاسد أخلاقيا و سياسيا ، بل للرجل المصاب بعقدة الفوقيّة المتسلّطة . و كأنّ تسلّط الرجل على المرأة ، مظهر من مظاهر إثبات الرجولة الزائفة .
سيميائية الأنوثة الشرقيّة :
قدّمت الروائيّة ذكرى لعيبي في روايتها " غابات الإسمنت " المرأة الشرقيّة في ثوب الضحيّة . و جعلت بطلتها ( إنعام عبد اللطيف الحاير ) أنموذجا نمطيّا لسيميائيّة علاقة اللاتوازن ، و اللاتكافؤ بين الرجل و المرأة في المجتمع الشرقي . فرغم انتشار التعليم ، و الفكر الديمقراطي و الحريّة و الوعي بين الإناث ، لم تتغيّر نظرة الرجل الشرقي إلى زوجته . باعتبارها في نظره ، امرأة مطيعة ، خاضعة لإرادته ، خادمة لرغباته ، آلة للتناسل ، لا تتعدّى وظيفتها رعاية الأبناء و القيام بالخدمات المنزليّة اليوميّة ؛ من طبخ و غسيل و كنس ، و غيرها .
و إذا كانت المرأة الشرقيّة في البيئة المدنيّة و الحضريّة ، قد نالت قسطا من الحريّة و التعليم الابتدائي و العالي و الجامعي ، و انخرطت في سوق العمل ، مثل نظيرتها في الغرب ، فإنّ المرأة الريفيّة لم يتزحزح وضعها الاجتماعي قيد أنملة ، بسبب موقف الرجل الريفي إزاء ها ، و مازالت مجرّد جسد يستغلّه الرجل لإطفاء هيجانه الجنسي .
لقد كانت المرأة الشرقيّة قبل الاسلام و بعده ، سيّدة في قومها ، رغم لجوء بعض القبائل الجاهليّة إلى وأدها . لقد كانت الخنساء أعظم شاعرة في قومها ، و كانت هند زوجة أبي سفيان سيّدة أيضا ، و كانت السيّدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها زوج الرسول محمد بن عبد الله صلّى الله و على آله و سلّم ، صاحبة تجارة في قومها قريش نحو الشام ، و كانت خولة بنت الأزور بطلة قومها في الحرب ، و كانت زنوبيا ملكة في عشيرتها و مملكتها في الشام ، و كانت ولادة بنت المستكفي أديبة و شاعرة في قرطبة ، و كانت لالة فاطمة نسومر قائدة في جيش المقاومة ضد المحتل الفرنسي في الجزائر ، و كانت دلال المغربي ، و مازالت ، رمزا للتضحية و الفداء في فلسطين ، و كانت جميلات الجزائر * مثالا للشجاعة و التحرّر . و الأمثلة كثيرة ، لا يمكن حصرها ، و لا إحصاؤها ، أبدا .
في حياة بطلة الرواية ( إنعام ) مفارقة عجيبة ، ليست من صنع الخيال ، بل هي من صلب الواقع الغرائبي الشرقيّ المعيش . لقد مرّت حياة البطلة بالمحطات التاليّة : مواطنة عاديّة و زوجة ، ثم مجرمة ، قاتلة لزوجها الخائن و عشيقته ، ثم سجينة مثليّة محكوم عليها بـ 8 سنوات سجنا نافذا ، ثم عميلة في جهاز الأمن و المخابرات تحت ستار امرأة أعمال ) .
أيعقل أن تتحوّل من مجرمة مدانة إلى حارسة على أمن الوطن . أليس ذلك من غرائب الأمور ؟ إنّ حماية الوطن من العدو ، يوكل إلى أناس أسوياء أخلاقيّا و سيكولوجيا ، و ليس لأناس مرضى ، و مسبوقين عدليّا .
لكنّ الأمر في المجتمعات التي يسوسها الاستبداد السياسي ، و الفساد الأخلاقي ، يبدو عاديا تماما . " فأنا منذ كنت في السجن ، تمّ تهيئتي لأستدرج شخصيات كبيرة ذات مقام و ثقل " ص 144 .
و في الحوار التالي ، الذي جرى بين السجينتين ( سابقا ) ؛ مديحة و إنعام عبد اللطيف الحاير ، تفضح لنا الروائيّة واقعا مليئا بالدسائس و المكائد ، و هو استغلال المرأة المكسورة الجناح و الخواطر و ابتزازها مقابل تبوأ مكانة اجتماعيّة راقيّة مصطنعة .
- ( مديحة ) . حبيبتي أنا سيّدة مجتمع ... أتصدّقين ؟
- ( إنعام ) . و هل سيّدات المجتمع أفضل منك ؟
! - ( مديحة ) . من قحبة إلى قوادة
- ( إنعام ) . لا تقولي هذا .... لم تقولين ذلك ؟
- ( مديحة ) . هذا هو الواقع ، و إن اختلفت المسمّيات .
- ( إنعام ) . هذه قسمتنا .. و هذا هو نصيبنا .. أفضل من أن نجد أنفسنا في الشارع ، لا أحد يدفع عنّا مكروها و الجميع يستغلّوننا . أسألك بالله : ما جدوى الرغيف حين يستبدّ الجوع بالأرواح ؟ ص 131 .
إن هذا الحوار السالف بين المرأتين السجينتين سلفا ( مديحة و إنعام ) ، يجسّد لنا نموذج المرأة الشرقيّة المعذبة و المستعبدة في مجتمع تقليديّ و متخلّف و متعجرف ، يحكمه التمييز الفاضح بين الذكر و الأنثى . مجتمع يستغلّ المرأة جسديّا و ماديّا و روحيّا ، و يعاملها كسقط المتاع .
المرأة في رواية ( غابات الإسمنت ) لذكرى لعيبي ، امرأة متعلّمة و مثقّفة ، و عاملة ، من بيئة مدنيّة و حضريّة ، لا بيئة ريفيّة و أميّة ، أيّ أنّها نالت قسطا من الحريّة . لكن وجودها في مجتمع ذكوري ساديّ و ظالم و متعصّب و مغلول بالعادات و التقاليد الموروثة ، جعلها مضطهدة و مستعبدة و ضحيّة مسلوبة الإرادة ، مستسلمة لواقعها المعيش .
و كأنّ عالم السجن في حياة نساء " غابات الإسمنت " هو انعتاق من سجن آخر مفتوح اكثر قسوة و مرارة ، بلا أبواب و لا أقفال حديديّة مغلقة ولا أسوار اسمنتيّة مسلّحة عاليّة . إنّه سجن الذكورة الشرقيّة الرعناء . فقد وجدت الشخصيات النسائيّة ، الناميّة و الجاهزة على حدّ سواء ، في مجريات أحداث رواية غابات الأسمنت ، للروائيّة ذكرى لعيبي ، بين أسوار السجن فضاء أكثر حريّة من الفضاء خارج السجن ، أيّ فضاء الشارع و الحياة الطليقة . و هذا ما عبّرت عنه بطلة الرواية إنعام عبد اللطيف الحاير بقولها : " فقد رأيت أنوار المدينة ، و نور النهار مع حبيبتي و أنا في السجن ، حين كنت أخرج معها . " ص 126 .
أجل ، لقد وجدت تلك النساء السجينات ضربا من الحريّة في السجن المغلق . فطفقن يمارسن حياتهن من جديد ، لكن بشكل مختلف و مغاير لحياتهنّ قبل إيداعهنّ السجن . فقد كانت الحياة داخل السجن مستقلّة عن الرجل ، و كأنّ السجن حررهنّ من قيود الرجل و تعسفه و ظلمه و عصمته و قوامته الزائفة . و هكذا تنقلب معايير الحياة ، و يمنح السجن حريّة و طمأنينة أكثر من العيش خارجه . أي أنّ المكان ( السجن و الشارع و البيت ) ينتحل رمزيّة سرياليّة ،
فالبطلة ( إنعام عبد اللطيف الحاير ) ( ميساء أدهم عبد الرحيم ) ، أطلقت العنان لممارسة حياتها المثليّة و الجوسسة ، مضحيّة بكلّ القيّم و المباديء التي آمنت بها ، و دافعت عليها ، و كأنّها مارست سيكولوجيّة الانتقام للتخلّص من العار الذي حلّ ببيتها ، و التطهّر من الخوف . " وجدت أنّي أصبحت في لحظة الغضب رسّامة ماهرة ، أرسم باللون الأحمر وحده ؛ إذ لا شريك معه من الألوان الأخرى . الزرقة تلاشت . الأصفر يهرب . الأخضر غائب ... و الدم المسفوح يتحدّث بصوت على وقع بكائي " ص 18 / 19 . ..
فقد قتلت زوجها الخائن رفضا للخيانة ، و لكنّها بالمقابل ، خانت نفسها و اسمها وهويّتها و مبادئها و قيّمها و أنوثتها و فطرتها و إنسانيتها حين قبلت الانخراط في عالم المثليّة الجنسيّة ( الشذوذ الجنسي ) ، و تغيير اسمها إلى ( ميساء أدهم عبد الرحيم ) . و هذه مفارقة ، تكشف عن اضطراب سيكولوجي عميق ، و تناقض سلوكيّ رهيب و خروج بيّن عن الفطرة السليمة . قد يبرّر ( بضم الياء و فتح الراء الأولى ) ذلك السلوك ، برغبة البطلة إنعام عبد اللطيف الحاير ( ميساء أدهم عبد الرحيم ) في الانتقام من ماضيها الأسود ، و من بقايا ذاكرة مؤلمة ، و نكاية في زوجها الخائن ، أو محاولة لإثبات الفرق بين مفهومي الذكورة و الرجولة . فقد سعت ، و هي الأنثى قلبا و قالبا ، إلى ممارسة طقوس الرجولة بعيدا عن الأنوثة لنفي مفهوم الذكورة عند الرجل الشرقي . و هو سلوك ينمّ عن عمق المأساة التي تعيشها المرأة الشرقيّة تحت نير الهيمنة الذكوريّة المكتسبة ، و التي أوجدتها شريعة التقاليد و العادات البالية .
الهروب من الواقع المعيش ، ليس ، دائما ، هو الحلّ المثالي في حياة الإنسان . و هو سلوك سلبي ، يلجأ إليه الفرد حين يعجز عن التكيّف مع النسيج الاجتماعي . و هو سلوك نفسي قد ينشأ بسبب إصابة الشخص بطيف التوحّد ، أو الكآبة أو انفصام الشخصيّة . لقد لجأت البطلة إنعام عبد اللطيف الحاير - و بغير إرادتها – إلى الاختفاء من عيون مجتمعها ، وراء قناع الاسم المستعار ( ميساء أدهم عبد الرحيم ) ، لبدء حياتها من جديد ، و هو ما يعني أنّها لم تتحرّر ، بل وضعت نفسها في سجن جديد اسمه ( التنكّر ) .
و رغم كرهها للرجل ، بعد حادثة خيانة زوجها لها مع عشيقته ومعاقبتهما بقتلهما معا ، و انخراطها في المثليّة الجنسيّة ، ما فتئت تحن إلى الرجل . لقد أدركت أن وظيفة الرجل في العمليّة الجنسيّة و الإنجابيّة لا تؤديها المرأة . لذلك نجدها ( و هي الكارهة و الناقمة من الرجل ) تقرّر الزواج مرّة أخرى لا من أجل تحقيق سنّة النكاح الشرعي التي تنجرّ عن الزواج الحلال عادة . و إنّما لغاية أخرى في نفسها ، من أجل إنجاب وريث أو وريثة لما تملك من مال و عقار . " فكرة الزواج و النسل الذي هو امتداد رائعة جدا ، اقتنعت بها تماما " ص 169 .
كما عبّرت النقيب ابتسام علاّم عن رغبتها تلك لحبيبتها إنعام عبد اللطيف الحاير قائلة : " عندي المال و العقار ؛ لكن أين يذهب كل ذلك في المستقبل ؟ و أنت أحببتك و أحبّك إلى الأبد ، أين ستذهب أموالك ؟ " ص 164 ثم أردفت قائلة بجدّ و إصرار : " نتزوّج و نحبل ثم نطلّق " ص 164 .
و أفصحت لها عن مخاوفها من ضياع ثروتها في المستقبل بعد وفاتها ، فهي لا تريد أن يرثها أهلها . و " لا تضيّع ثروتها و تذهب لأهلها الذين ظلموها " ص 166 .
و بالمقابل ، لم تعارض إنعام عبد اللطيف الحاير فكرة حبيبتها النقيب ابتسام علاّم . لقد كرهت فكرة الاقتران برجل مهما كان مركزه الاجتماعي ، فالرجال عندها سواسيّة ، و إن اختلفت صورهم و أعمارهم و حسبهم و نسبهم . فهم في نظرها ساديّون و خونة . وهذا ، الموقف النمطي الذي عبّرت عنه البطلة إنعام عبد اللطيف الحاير ، فيه الكثير من المبالغة القاسيّة و التطرّف المرضي و الفوبيا الذكوريّة . إنّه موقف غير عادل ، فظاهرة الخيانة الزوجيّة في المجتمع الشرقي استثنائيّة و لا تبلغ درجة العموم ، و لا حتى درجة الجزئية . و قد تكون المرأة سببا مباشرا لها .
" لم أكن أريد العودة إلى حياتي القديمة ، أنفر منها و لا أحنّ إليها قط ، لذا ينبغي لي أن أخطط للمستقبل " ص 169 . فهي ترغب في الإنجاب دون أن يدخل بها زوجها الجديد ، أي دون ممارسة العلاقة الحميميّة المفروضة بين الزوجين . تقول إنعام عبد اللطيف الحاير عن زواجها من المفوّض عبد الحق " أصبحت زوجة مرّة أخرى.. زوجة بشكل آخر " ص 171 . و تقول أيضا : " و كان أهم شرط عندي ألاّ يباشرني ، بل نذهب إلى طبيبة من معارف ابتسام نسّقت معها لفحص السجينات ، على أن تلقّحني من حيامن العريس في عيادتها ، و تتأكد من تخصيب بويضتي" ص 170 . و تعترف أيضا بقولها : " و مع قرفي الشديد من عبد الحق الذي رأيت فيه كلّ الرجال " ص 172 . أي أنّ زواجها زواج مصلحيّ و ظرفيّ ، لا غير ، فهي ، كما تقول ، كرهت جنس الرجال ، كرها مطلقا ، بسبب الخيانة ، ، و لا تثق في أحد منهم ، و تصرّح قائلة : " قبل أن أراه قرفت منه ، ذكّرني بصورة الدم ، و لم أقنع نفسي قط أنّي يمكن أن أحبّه " ص 169 .
ومن خلال اعترافات البطلة إنعام عبد اللطيف الحاير ، و النقيب ابتسام علاّم ، بدت لنا أن ما تعيشانه من شذوذ و مثليّة و كراهيّة للرجل ، ناتج عن وجود فجوة سوداويّة في النشأة الأسريّة ، و النظام و التربوي . و كلاهما مبنيّ على ملمح تفضيل الذكر على الأنثى ، أو كما قال الفيلسوف أرسطو : " إن الطبيعة لم تزود المراة بأي استعداد عقلي يعتد به ، و لذلك يجب أن تقتصر تربيتها على شؤون التدبير المنزلي و الأمومة و الحضانة و ما إلى ذلك " . و أضاف : " ثلاث ليس لهن التصرف في انفسهن : العبد ليس له ارادة ، و الطفل له ارادة ناقصة ، و المرأة لها ارادة و هي عاجزة " . و قال أيضا : " إن المرأة للرجل كالعبد للسيد ، و العامل للعالم ، و البربري لليوناني ، و إن الرجل أعلى منزلة من المرأة " .
و هكذا ، نلاحظ أن المرأة قد وقعت ضحيّة الفلاسفة و رجال الدين و الأدباء و العامة . و كأنّها ، كما قال أرسطو : " المراة رجل غير مكتمل " . أو كما ادّعى سانتو توماس دي أكينو قائلا : " المرأة خطأ في الطبيعة ، فهي ولدت من نطفة قذرة . " . و كأن الرجل ولد من نطفة ذهبيّة . أو كما زعم رجل الدين و الحقوق مارتن لوثر : " الرجال لديهم اكتاف عريضة و أرداف ضيّقة . لقد وهبوا الذكاء . النساء لديهنّ أكتاف ضيّقة و أرداف عريضة ، لإنجاب الأطفال و البقاء في المنزل " .
إنّ الرجل الشرقي و الغربي ، هما من أوصلا المرأة الشرقيّة إلى مستوى الهوان و الحرمان من الحقوق الفطريّة . ممّا جعلها تتمرّد عليه ، و على فطرتها . لقد رأت البطلة إنعام عبد اللطيف الحاير أنّ كيّانها آيل إلى الزوال ، و أنّ هويّتها ، كأنثى ، مهدّدة بالاضمحلال أو المحو في كنف وجود وجود رجل أرعن و خائن و ساديّ . لهذه الأسباب و غيرها انتحلت المثليّة ، و تقمّصت دور الرجل و الأنثى معا ، بمعيّة النقيب ابتسام علاّم و أوامرها و مغرياتها ، و راحت تمارس الإشباع الجنسي بأسلوب شاذ .
رسمت الروائيّة ذكرى لعيبي المرأة الشرقيّة في صور متباينة :
- فهي الكائن الأنثوي المستضعف ماديا و روحيا ، و هي ضحيّة طغيان منطق الذكورة في المجتمع الشرقي القائم على سيادة العادات و التقاليد البائدة .
- هي المرأة المتمرّدة ، التي تحاول بكل الوسائل المشروعة و غير المشروعة ، التحرّرمن عبوديّة الذكورة ، وذلك لتحقيق وجودها و تميّزها ، و الحفاظ على خصوصياتها المعنويّة و مكانتها الاجتماعية .
- هي المرأة المنتقمة ، غير المستسلمة ، التي تدافع عن شرف كيانها أمام خيانة الذكر ( الزوج ) لها . تحت ذريعتي العصمة و القوامة . و لو كان ذلك بارتكاب جرائم القتل ، أو ممارسة سلوكيات شاذة ، كالمثليّة أو الاختلاس أو السرقة أو المتاجرة في الممنوعات و المحرّمات .
- هي المرأة المتناقضة في سلوكياتها ؛ فهي تمقت خيانة الذكر من جهة ، و من جهة تخون فطرتها و أنوثتها بممارسة الشذوذ الجنسي ( المثليّة ) ، و قبولها بتغيير اسمها ، و انتحال اسما مستعارا كما فعلت إنعام عبد اللطيف الحاير، التي تحوّلت إلى ميساء أدهم عبد الرحيم .
- هي المرأة التي أنصفتها الديانات السماويّة ، و ظلمتها القوانين الوضعيّة ، و سحقتها العادات و التقاليد الميّتة و المميتة ، بل لم تنج من ألسنة بعض الفلاسفة و المفّكرين و رجال الدين ، كـ : آرثر شوبنهاور ، الذي وصف المرأة بأنّها ( حيوان طويل الشعر و قصير التفكير ) و سان خوان الدمشقي الذي زعم أنّ ( المرأة حمار عنيد ) ، و فرانسيسكو دي كيفيدو القائل : ( الدجاج يضع البيض و النساء القرون ) و غيرهم .
وبالتالي فالمرأة في رواية غابات الأسمنت ، لذكرى لعيبي ، مصابة بـ ( فوبيا ) الذكورة و الخيانة الزوجيّة و مشاعر الإحباط و أزمة الساديّة الذكوريّة ، و تعاني من عقدة الدونيّة في محيطها الأسريّ و الاجتماعيّ . و كلّها مشاعر و أحاسيس سالبة ، تنمو مع النمو العقلي و البيولوجي ، لتمسي جزءا من حياتها اليوميّة ، بل تغدو في حكم المباديء و مرتبة القيّم الأخلاقيّة و الاجتماعيّة المقدّسة ، التي يحرم عليها الخروج عنها ، و تُجرَّم إن خرجت عنها و تُعاقَب العقاب القاسي .
إن سيميائيّة العلاقة بين الذكورة و الأنوثة الشرقيتين ، في رواية " غابات اللإسمنت " لذكرى لعيبي ، ذات وجه سلبيّ ، لا تتجاوز مخرجاتها حدود القمع المعنوي و المادي الممارس من طرف " الذكورة " على الأنوثة . فعوض أن يكون الرجل حاميّا لوجود المرأة و شرفها ، و داعما لدورها المنوط بها في بناء المجتمع على أسس سليمة . سيميائيّة تعكس سطوة العادات و التقاليد ، و هيمنة فلسفة القوامة و العصمة المكتسبة من البيئة الثيوقراطيّة المتزمّتة .
كلّ الأديان السماويّة كرّمت المرأة ، كما كرّمت الرجل . و لم تفرّق بينهما في ممارسة العبادة . و حدّدت لكل منهما دوره البيولوجي و الاجتماعي بدقة و إيجابيّة . لكن الرجل المدّعي كمال العقل و صفة الحكمة و الرشاد ، حرّف دور المرأة و شوّه صورتها في المجتمع ، و حوّلها إلى آمة تُمارس عليها سلوكات العبوديّة ، و خدمة الرجل باسم الطاعة الزوجيّة . و الغريب في تلك العلاقة غير المتكافئة ، و غير العادلة ، أنّ حاجة الذكر إلى الأنثى ضرورة فطريّة ، و يستحيل استمرار عمليّة التناسل ، و آليات التكاثر للجنس البشري في غياب الأنثى ، بل إنّ الأمر يشمل جميع الكائنات الحيّة ؛ الحيوانيّة و النباتيّة ، البريّة و المائيّة دون استثناء . إنّ ظاهرة المثليّة الجنسيّة أو يسمى ( مجتمع الميم ) القائم على الشذوذ الجنسي ، ستفضي – لا محالة – إلى انقراض الجنس البشري . و السؤال الذي يحيّر العقلاء ، و يشيب له الولدان : كيف تنجب المرأة دون نكاح الذكر لها ؟ إنّه لمن المستحيل أن يحمل الذكر مثل الأنثى و يلد و يرضع . إنذ مجتمع الميم ، الذي يروّج له في الغرب ، باسم الحريّة و الديمقراطيّة و حقوق الإنسان ، سيغرق الإنسانيّة في مستقنع الفساد الأخلاقي ، و سيسوقها إلى أمراض مستعصيّة و مزمنة و مهلكة ..
خلاصة :
سعت الروائيّة ذكرى لعيبي ، في روايتها غابات الإسمنت ، إلى إبراز أهمّ الطابوهات المميتة ، التي مازالت تتحكّم في المجتمعين العربي و الإسلامي ( المجتمع الشرقي ) ، و تديره من وراء ستائر العادات و التقاليد الباليّة . و هي طابوهات تنشط في الغرف و الدهاليز و الأقبيّة المظلمة . لكنّ لا أحد يجرؤ على فضحها ، إمّا خجلا ، و إمّا خوفا من ردود الأفراد و الجماعات ، خاصة الجماعات المقنّعة و المتلحفة بالدين ، و إمّا اعتقادا بأن الخوض في الطابوهات انتهاك للخصوصيّة و الحريّة الفرديّة ، و تهديد للسلم الاجتماعي .
و مهما ، يكن ، فإن مفهوم الواقعيّة في الأدب ، ليس تناول ما هو ظاهر للعامة و الخاصة ، و ما هو منسجم مع قناعات القارئ و إيديولوجيته و توجّهاته السياسيّة و الدينيّة و الثقافيّة ، بل لا بد أن يمتلك الأديب ناصية الإبداع ، و ملكة التنقيب في أعماق النفس البشريّة – من خلال كتاباته السرديّة أو الشعريّة – و يمتلك الشجاعة الأدبيّة الكافيّة لمواجهة فوبيا الخوف من الآخر ، و ما ينجرّ عنها من الصمت و اللامبلاة . و قد امتلكت الروائيّة العراقيّة ذكرى لعيبي ، في روايتها غابات الإسمنت ، الشجاعة الأدبيّة ، و حطمت قيود الصمت ، و فكّت أغلال الخوف و اللامبالاة و النفاق الاجتماعي .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هاهش :
* غابات الإسمنت :
رواية للكاتبة العراقيّة ذكرى لعيبي ، صادرة في طبعتها الأولى سنة 2023 م ، عن دار الدراويش للنشر و الترجمة – كاوفبويرن – جمهورية ألمانيا الاتحادية .
* ذكرى لعيبي :
كاتبة و روائيّة و قاصة و شاعرة عراقيّة لامعة و غزيرة الإنتاج الإبداعي . من مواليد ميسان . هاجرت من العراق عام 2000 م ، و هي تقيم بين ألمانيا و دبي . عضو في كل من : إتحاد كتاب وأدباء العراق ، و اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ، و اتحاد الصحفيين العراقيين و اتحاد الصحفيين والكتّاب العرب في أوربا. و دارة الشعر المغربي ومؤسسة حميد بن راشد النعيمي لجنة الطفولة والشباب( عضو سابق) مؤسسة المثقف العربي/ سيدني – أستراليا ، مؤسسة وشبكة صدانا الثقافية / نائب رئيس إدارة مجلس المؤسسة لجنة دعم كتاب الطفل / القيادة العامة لشرطة الشارقة / عضو مؤسس نادي دبي للصحافة . بيت الشعر في الشارقة.
من إصداراتها :
لقد جاوزت إصدارتها 36 منجزا أدبيا ، توزّع بين مجموعات قصصيّة للكبار و للأطفال و روايات و دواوين شعريّة و نصوص مفتوحة ، و كتب مشتركة ) . نذكر على سبيل المثال ، لا الحصر ، مجموعات قصصيّة ( الضيف ، حبّ أخرص ، ثامن بنات نعش ، رسائل حنين ، للخبز طعم آخر ) ، إضافة إلى مجموعة من الروايات ( خطى في الضباب ، يوميات ميريت ، غابات الإسمنت ،) كما لها إسهامات كثيرة في أدب الطفل ( شمس و رحلة الأمس ، حكاية الطاووس و الثعلب ، اللصوص و القلم المعطّر ، قطرة الماء السعيدة ) ، أما إسهاماتها الشعرية ، فنذكر لها ما يلي : ( امرأة من كوز و عسل ، يمامة تتهجّى النهار ، بوح في خاصرة الغياب ) .أما الكتب المشتركة ، فنذكر : ترانيم سومريّة المشتركة ، العبور إلى أزمنة التيه ، حكايات ميشا ) و غيرها من الكتب .
لها لقاءات و أمسيات أدبيّة و شعريّة في كل من :
معرض الشارقة الدولي للكتاب .
مهرجان الشارقة القرائي للطفل .
إتحاد كتاب وأدباء الإمارات .
جمعية المثقفين العراقية / مالمو- السويد
النادي الثقافي العربي / الشارقة
قناة الشارقة الفضائية .
قناة الاتجاه العراقية .
قناة الشرقية من كلباء – هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون .



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة سيميائية و تفكيكيّة لرواية غابات الإسمنت . لذكرى لعيبي ...
- صورة المرأة المنتميّة في المجموعة القصصية ( إيلا ) * للقاصة ...
- تحرير الحريّة
- تأمّلات في التقشف و الزهد
- وجهة الفلسفة الغربيّة . إلى أين ؟
- الظاهرة الحزبيّة في البلاد العربيّة ما لها و ما عليها .
- امرأة من زمن العمالقة
- لماذا نكتب ؟ و ماذا نكتب ؟
- أم الخير
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 8 )
- ربيع إيكوزيوميّ *
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 7 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 6 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 5 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 4 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 3 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 2 )
- يوميّات معلم في مدرسة ريفيّة ( 1 )
- فلسفة الوقت في حياتنا
- أكتب لكم من الجنوب ( 10 )


المزيد.....




- الان Hd متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر ...
- تابع حلقات Sponge BoB تردد قناة سبونج الجديد 2024 لمتابعة أق ...
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- وفاة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- بتهمة -الغناء-.. الحوثيون يعتقلون 3 فنانين شعبيين
- دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى
- “أنا سبونج بوب سفنجة وده لوني“ تردد قناة سبونج بوب للاستمتاع ...
- علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي ...
- استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق ...
- -انطفى ضي الحروف-.. رحل بدر بن عبدالمحسن


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - سيميائية العلاقة بين الرجل و المرأة في رواية غابات الإسمنت *– لذكرى لعيبي ** -