محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 7614 - 2023 / 5 / 17 - 08:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما حصلت علي الإعدادية ( 1953 ).. نصح عمي رشاد ( مدرس ثانوى ) أبي أن يلحقني بمدرسة تجارى ثانوى .. لأنتهي من دراستي سريعا .. و أساعدة .. في المعاش و تربية إخواتي .. كنا في مصر18 مليون و كان هذا الزمن يسمح لمختلف التخصصات و الدرجات أن تجد وظيفة وتعيش و تكسب و لا يوجد فارق كبير بين حامل الشهادة العليا .. و أخوة صاحب المتوسطة .. إلا بضع جنيهات .
و لكن أمي رفضت .. بشدة ..و والدى لم يجد وقتا للحركة بين المدارس .. لعمل التحويل .. فإستكملت دراستي الثانوية .
في إعدادى هندسة .. رسبت و كان علي إعادة السنة .. ففكرت أن أحول لكلية المعلمين ..و لكن .. كل أهلي رفضواعلي أساس أن وظيفة المعلم أدني في الدرجة من المهندس و إعتبروا قرارى هذا نوع من اليأس .. فاكملت الدراسة ..حتي تخرجت .
مهنة الهندسة مهنة سخيفة شاقة .. و في نفس الوقت خطرة وصعبة .. علي مستوى الجهد البدني أو الذهني .. كما أنها لا تبتسم إلا لأفراد قلائل .. يبعدون عن العمل في الحكومة أو القطاع العام ...لذلك وضعوا في زماننا قيودا تجعلك غير قادر علي الإختيار ..و كان عدم الإنصياع لأوامر التكليف يعرض صاحبه للسجن ..
إلا إذا هرب و إلتحق بالقوات المسلحة التي كانت في ذلك الوقت تسيطر علي كل الأنشطة في بلدنا ..و تمثل العصا الغليظة التي يسوس بها عبد الناصر .. ناسنا .. لينظمهم داخل طوابيره الميرى و خططه للسيطرة .. بصورة لم أشهدها إلا في زمننا الحالي بعد أن أصبح تجييش المجتمع واقعا .. مرعبا لا فكاك منه نعيشه منذ ثمان سنوات .
كما لو كان قدرا
ما ألذى فعله المصريون ليلقوا هذا المصير المؤلم ..لقد كانت هناك بعض البشائر في أربعينيات و أخر خمسينيات القرن الماضي .. أن نتخذ مسارا يخرج بنا من برك الإستعمار الأسنة .. حقا لم يكن المحتمع و النظام في أحسن حالاته .. و كان هناك فقر و بؤس وفساد .. و لكنه لا يقارن بما فعله بعد ذلك حضرات الضباط ..علي مدى سبعين سنة
لقد قضواعلي الأمل بعدم خبرتهم و ضيق أفقهم .. يوم أن قرروا .. إحتلال مراكز إتخاذ القرار .. يدمرون أى وسيلة مناسبة للنجاة .. أكثر من ما فعل جيش الإحتلال خلال سبعين سنة سابقة .
لقد عاصرت هذا يوما بيوم ..و رأيت كيف يتحول الشعب من ناس يحدوها الأمل في التطور إلي ما نحن عليه من كسل .. و فقد للمنطق .. و فتونة ..وعدم توفيق و عدم قدرة .
مصر التي أراها اليوم تختلف إختلافا جذريا عن تلك التي عشت فيها بعد الحرب العالمية الثانية .. كان من الممكن أن نكون مثل دول شمال البحر المتوسط ..نكافح و نعمل و نطور ..و نتجنب هذا المصير الذى يضعنا في مصاف دول العالم الرابع .. نعاني من العوز وتخلفنا عن الركب .
تحالف قوى الإسلام السياسي .. مع الضباط .. ثم صراعهما ..و تمكن أحدهما من عقول الناس و الأخر من كراسي الحكم .. أوقف نمو شتلات التطور الليبرالي للطبقة الوسطى ..و إمكانية تواجد قوى تقدمية بينهم .. أو فكر معاصر ..و فلسفة حديثة تقود .. و أبقي الجزء الأكبر .. من ناسنا .. خارج قياسات العصر .
عندما نرى المهرجانات و الإحتفالات .. لان ضباطنا بنوا مصنع تعبئة بطاطس صوابع أو زرعوا كام نخله في توشكي .. في حين أن علي الجانب الأخر من البحر المتوسط يقوم الأتراك بعمل سيمفونية مذهلة للديموقراطية .. فمن نحي .. و من نلوم .. برافو حضرات الضباط .. و لا برافو أحزاب تركيا القادرة علي الفعل .
عندما .. نفكر أن الإسلام السياسي .. المتمركز في عقول الأغلبية في مصر لما أتيحت له الفرصة .. لم يبد إلا ملامح .. من الفاشيستية و التمييز و القهر .. و سيطرة أوليجاركية لجماعة دينية ..مقتربا من قوى غزة الرجعية .. مبتعدا عن قوى تركيا العصرية .
و أن هؤلاء السياسيون المتلفعون ببردة الدين .. لا يريدون أن يطوروا من خطابهم الرجعي في اللحظة التي يتغير فيها خطاب السعودية و دول الخليج و تركيا .. و أغلب مسلمي أوروبا و أمريكا ..و أن صندوق الإنتخابات لو ترك دون تدخل سيجلبهم ثانيا بعبلهم .. و عدوانيتهم .. يسقط الأمل ..و تبدأ حيرة مقلقة
فالبديل ليس خيرا منهم . و ما وصلنا له ..من ديون متلتلة .. و مشاريع غير منتجه .. و إنفاق ترفي غير محسوب .. و صراع الناس علي اللقيمات الباقية بعد نزح الثروة و تصديرها للخارج .. أمر يدعو للقلق ..و يلق بظلال سوداء علي المستقبل القريب و البعيد
لقد تحولنا إلي أمة تابعة لسياسة رجعية تقودا سيدات و رجال صندوق النقد و البنك الدولي .. و دول الخليج و السعودية .
كنت أتصور أنني أملك خطابا عاقلا .. و لكنني إكتشفت بمرور الزمن أنني متخلف يعيش في عنبر المجانين الخطر .. يحيطني من كل جانب أفعال غير معقولة ..من الناس .. و الحكومة .. الناس تلهث خلف توفير الجنيه .. بالحلال أو الحرام لا يختلف الأمر .. فهذه القيم عفي عليها الزمن .. و الحكومة تعيش في واد أخر لا يهمها إلا مراكمة الديون .. و زيادة الجباية و الإنفاق غير المسيطر عليه ..خصوصا علي ما يسمونه تطوير لمدن مصر .. ومباني قصر المنتزه أو البارون إمبان .. أو تدمير المقابر الأثرية .. أو طرد السكان من منازلهم علشان نعمل كوبرى .. أو تحويل جزيرة الوراق ..لميدان قتال .. أو الإستدانة لعمل قطار سريع و مونوريل .. أو تحويل جزء من القوات المسلحة لبيع الخضار و اللحمة .
لقد عدنا القهقرى بعد أن سقطت الطبقة الوسطي ..وسوت التغييرات الإقتصادية الرؤوس .. فصاحب الشهادة العليا و المتوسطة و عديم التعليم .. كلهم يعانون ..
لم أتصور في يوم من الأيام منذ تخرجت من الجامعة أنني سأصبح شخصا نفقاته أكثر من إيراداته ..إلا اليوم .. لقد تصورنا خلال ستين سنة أن المهندس محمي .. من العوز ..( في الإشتراكية .. و في الراسمالية ) و هو كان كذلك .. حتي أصبحت موجات الغلاء و سقوط الجنية ..واقع تتساوى فيه كل الدخول في الإحتياج و الفقر ..
في الغالب هذه هي سمات الجمهورية الجديدة ..فائض في العمالة يعاني البطالة .. إنخفاض في الدخل ..إرتفاع في الأسعار .. خصوصا الإحتياجات الأساسية للبشر ... و أن لا أريد أن أعيش فيها..الظاهر إني طولت في الحياة أكثر من اللازم فلم أعد أفهم ما يتم حولي (( يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا )).
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟