|
علم إستئناس الشعوب
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 7505 - 2023 / 1 / 28 - 07:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خندقين بطول عشرة أمتار و بعمق متر متوازيين و متواجهين .. فوق كل منهما غطاء خشبي .. به فتحات مستديرة .. يمكن منها رؤية ما يحتويه الترنش.. هذه هي دورة المياة التي أعدها الإسرائيليون للأسرى المصريين كي يقضوا فيها حاجتهم ( تبرز .. و تبول ) .. يقرفص كل منهم أمام .. رواد الترنش المقابل .. يرى .. و يسمع و يشم .. ما تنتجة معدة الزملاء من فضلات. منظر (القلاليط ) و هي خارجة من جسد الشخص المقابل .. و سماع صوته و هو يحزق و يتأوه من الإمساك بسبب سوء التغذية ..ثم الإعتياد علي هذه الرؤيه .. أمر لا يمكن أن ينساه .. من تعرض لهذه التجربة من إذلال و تضرر إعتزازه بنفسة .. و سقوطه إلي درجة من البدائية يمارس حياته الطبيعية دون خجل كالسائمة أمام الأخرين.. بل و يفشل في تنظيف مؤخرته بالطريقة الشرقية أو الغربية . كسر أدمية البشر.. و تدمير ثقتهم بأنفسهم .. عمل تقوم به الأجهزة المتخصصة في السيطرة الجمعية علي الضحايا منذ زمن بعيد . .. زاوله كل الطغاة بشكل واسع علي من يحكمون و في معتقلاتهم و مجازرهم .. يتوارث حرفيته زبانيتهم جيل بعد جيل ..لتمكين سيدهم من رقاب معارضيه ..و ضمان صمت الحملان علي جرائمة و مخازيه . حتي أصبح هدف من أهداف و وظيفية كل من أجهزة المخابرات و البث و الدعاية و رجال الدين في الدول ذات الحكم الشمولي الإستبدادى ..هو ترويض الناس و تدجينهم .بحيث تجد أن هذه الشعوب أصبحت منكسرة.. غير قادرة علي التعبير أوالإبداع ..و لا يسمح لها إلا بأن تكون صدى أجوف لصوت مولاها. بعد كسر الأدمية ( بالارهاب والفقر و الجهل و التغفيل ).. يجرى تحويل البشر إلي قطيع مستكين ..لا يردد إلا ما يريده منه الحاكم.. و يرفض ( خوفا ) سماع وجهات النظر المخالفة و يعتبرها دون فحص خيانة .. و ضعف في القيم الوطنية . إستئناس الشعوب أصبح اليوم علما يستخدم دراسات يقوم بها المتخصصون في العلوم الإجتماعية و النفسية ..و السلوكية ..و الفسيولوجية ... له تجارب معملية و حقلية ..تبدأ بالحيوان و تنتهي بالبشر تسمح بتطوير إحكام قبضة الأشرار علي من يحكمون كلما تقدم الزمن .. هذا العلم يسمونه حديثا الجيل الرابع من الحروب .. ((أسلحة معنوية هدامة بالغة الشراسة باستخدام كل أدوات ووسائل الميديا والدعاية الحديثة الأكثر تطورا لشن هجمات كاسحة على ثقافة وأيديولوجية العدو باستغلال الاختلافات العرقية والدينية، بل والمذهبية داخل الدين الواحد لهدم قوى المقاومة من الداخل )) .. متخصصو السيطرة منذ زمن هتلرتبدأ مهمتهم بتشجيع ودعم و إستغلال الجهل و الهيافة و عدم الوعي لدى ضحاياهم .. لخلق غلالة غير مرئية من الغفلة المانعة للإحساس بالقهر ..فيما يشبة متلازمة ستوكهولم . وهم في سبيل ذلك يقومون بتقديم ردود معلبة علي تساؤلاتهم .. وعن طريق تدعيم وسائل البث و الدعاية وتجنيد مشاهير الإعلام و صبغ مناهج التعليم برؤيتهم .. و إستخدام رجال الدين و الفن الرخيص يقومون ببث روح الإنهزام ..وموجات من التواكل و الإستسلام .. و إشاعة أنه ليس في الإمكان أحسن مما كان . فيرددها القطيع بعدهم دون وعي . لذلك يحرص رجال الديكتاتور منذ اليوم الأول علي أن يسيطروا علي هذه الأدوات و توجيهها .. ... خصوصا ما يتصل بالانشطة ذات التأثير الجماهيرى .. ككرة القدم ..و مسلسلات التلفزيون .. و الإستعراضات والأغاني ..والإحتفالات القومية و الدينية بحيث يستخدمها (الطاغية) لترويض الناس . في بلدنا ينجح هذا الإسلوب دوما منذ زمن إذاعة صوت العرب ..فتجد أغلبية من المغفلين يرددون حواديت الحكومة .. و لقد طبقه زبانية العصر بمهارة خلال السنوات الثمانية الماضية فخلقوا مؤيدين و دراويش للنظام يدعمونه ..رغم فشله..و تدهور حياة الناس أفضل من إستجاب و أصبح طابورا خامسا للحكومة كان سيدات الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة اللائي رقصن علي أنغام (تسلم الأيادى) أمام لجان إستفتاء تعديل الدستور (غير الدستورية ) المتممة لإجراءات سيطرة العسكر القانونية علي حرية المصريين . هؤلاء السيدات ستسمع منهن ..أن قيمة كيلو اللحمة عند شوادر الجيش أو أمان.. أقل من ثمنها عند الجزارين اوالسوبر ماركات الكبيرة.. و أن الناس هناك في منتهي الأدب و الذوق ..و تلبية طلبات الزبائن ..و أنها ( أى اللحمة ) سترخص أكثر مع رمضان .. ثم يعقب ذلك دعاءهن لمن يقيم شوادر المؤسسات الميرى التي ترحمهن.. من جشع التجار. و ستسمع منهن أن الزيادة في الأسعار سببها أزمة عالمية طالت جميع سكان الكوكب.. و شوف سعر اللحمة بكام في أمريكا .. و أوروبا ..دول مش لاقين ياكلوا . عندما تسألها مستفسرا .. (أمريكا و أوروبا ).مش لاقيين ياكلوا !! . ترد بإصرار .. و تدلل علي صدق مقولتها .. بان لها أصدقاء و أقارب هناك بيشتكوا .. من إرتفاع أسعار الغاز و الكهربا و الوقود.. وإن رفوف السوبر ماركات فاضية مفيهاش بضاعة بسبب تخزين الناس للبضائع لانها مش واثقه أن تجدها باكر . عندما أسمع تلك الإسطوانة المشروخة .. و أجد أن السيدة مقتنعه بما تقول .. لا أجد أمامي غير أن أصفق إعجابا ..و أقول برافو ..لمن أتقنوا عملية غسل مخ النسوان و جعلوهن راضيات فرغم إرتفاع الأسعار و ضيق ذات اليد ... يتصورن أن العالم كله يعيش مجاعة إلا بلدنا المحفوظة في عيون الضباط . فعلا برافو ..خططتوا .. و نفذتوا .. و نجحتوا يا باشوات.. أن يقارن المصريون أنفسهم بالأوروبين .. فيقولون الحمد لله إننا نعيش في مصر و كل حاجة موجودة ...و ينصحوا الناس الوحشة اللي بتعارض والغلابة اللي بتصرخ من الغلاء و ضيق ذات اليد .. ((متعيش علي قدك ..و بلاش فانطزية .. و تخلي عندك كرامة لا تشتكي .. و لا تعيط ..و لا تشحت..مش قادر تستحمل كام شهر لغاية م تمر الأزمة )) .. و هكذا إستلبوا عقول الناس مع جيوبهم و جعلوا منهم إنسان ذو بعد واحد يعتاد علي رؤية ( القلاليط ) و لا يتفزز ..شيء مضحك رغم أنه محزن .. نسوان غبية لا تعرف أن سقوطها الطبقي أقرب مما تتصور .. و أننا نعيش في هذا المكان علي مسكنات الديون و الإقتراض ..قبل أن نصبح مثل لبنان و السودان .
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات في المسألة المصرية
-
متي نفتح جرح الهزيمة وننظفه
-
الحكام يأكلون الحصرم و الناس تضرس
-
متين دولار بس يابخيل !!
-
عندما فقدنا الإحساس بالجمال
-
وسرقوا تعبنا .. وجهدنا
-
الأسباب و الحلول في أزمة أم الدنيا
-
كانوا ألهه أم ريبوتات
-
عندما يصبح الدولار بثلاثين جنيها
-
ينايريات مصرية
-
سعادة اللواء إختشي ..عيب
-
الشدة السيساوية
-
فإستحققت لعنة المواطنة
-
في إنتظار صندوق الدين
-
أخطاء الناصرية بوجوه جديدة .
-
الصنديق السرية في مصر
-
عودة التابوهات الثلاثة و الإبداع
-
تدهور معطيات العقول الشرقية
-
سوف تلهو بنا الحياة
-
النازية لم تهلك بعد
المزيد.....
-
هاجمه وعض قدمه.. شاهد ما حدث لحظة هجوم قرش ضخم على راكب أموا
...
-
قاطعه وصرخ.. مفاجئة كانت بانتظار بوتين خلال زيارته لمدينة ما
...
-
غزو العراق: هل انتهت الحرب فعلاً بالنسبة للعراقيين؟
-
بيربوك: الموت في البحر المتوسط هو جرح أوروبا المفتوح
-
حملة جديدة لإطلاق الناشط المصري علاء عبد الفتاح.. فهل تنجح؟
...
-
الرئيس الصيني شي جين بينغ يصل الكرملين ويجتمع بالرئيس بوتين
...
-
عسكريون أميركيون يعترفون بالتفوق العسكري الصيني
-
تسرب نفطي يدعو شركة -نفط الكويت- إلى إعلان -حالة الطوارئ- (ف
...
-
الإفراج عن الصحافي الفرنسي أوليفييه دوبوا الذي كان محتجزا في
...
-
بوتين يستقبل جين بينغ وموسكو وبكين تعلنان تطوير شراكتهما -لت
...
المزيد.....
-
العدد 64 من «كراسات ملف»: «اتفاقات أبراهام» ومعضلة اندماج إس
...
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
ديكتاتورية البروليتاريا بين الطموح النبيل والواقع المرير
/ أسعد منذر
-
الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، استقلالية الانطلاقة ومركزي
...
/ أسامة خليفة
-
الفساد، والفئة البرجوازية الكبيرة وعلاقتها براس المال الاجتم
...
/ مؤيد احمد
-
غبش الصورة .. تمثلات الجميل في السؤال الفلسفي
/ محمد الميالي
-
موسى فرج وسحرة السلطة
/ د. صالح الطائي
-
بعد عشر سنوات: دروس من الثورة المصرية
/ ديجان كوكيك
-
تهافت الأصوليات الإمبراطورية
/ حسن خليل غريب
-
سيميائية الصورة في القصيدة العربية PDF
/ ياسر جابر الجمَّال
-
طه حسين ونظرية التعلم
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|