أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - لَا يَهُمُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَيُّ شَيْء















المزيد.....

لَا يَهُمُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَيُّ شَيْء


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7478 - 2022 / 12 / 31 - 02:36
المحور: الادب والفن
    


● خاطرة من عالم آخر:
لا تقلق مما يعترضك من أعراض،قال لي، ستعتل سيصيبك كما آلآخرين الوباء سيرهقك آلمعيش بآبتلاءات لا تذُوبُ، سترافقكَ آلحيرة طيلة عُمرك آلمديد آلوجيز ستهرم مرارا وتُهزم كثيرا ستشهق في الحياة وتزفر في الممات. هواجسك ستألفها تألفك..احترس..تشبتْ باللحظات كما تُعْرَضُ لا تُلقِ بها جانبا طلبًا لوهم شفاء ليس يَجيئُ إلا بمزيد من المتاهات..أووه..لا تصغِ إليهم يتشدقون ينصحون..أضغاث أحلام.. يثرثرون..ذاك دأبهم دائما..لا ضيرَ في الميلاد لا ضرر في آلمعاد..توغلْ فيما يُلْقَى إليكَ من عثرات آلسبيل عِشْ بإحساسك العوالم كلها لا تتعجلْ الفهم..لا فهم هنا..لا فهم هنا...

●خاطرة من هذا العالم:
أتلفْتَ كل شيء، يا أنتَ، يا أنايَ، ها أنذا أرطنُ كببغاء غرير بلسان غير لساني..لقد أصَابَتْني عَدْواكَ أيها آلوباء..مَسَخْتَني...

●شيء من تاريخ الوباء:
ليست كورونا 2020 و2021 أولى القوارع، ليست المرة الأولى التي تصيب جائحة من جائحات آلوبال المغرب والمغاربة الذين للأسف لم يُؤسسوا علاقة وطيدة مع ذاكرتهم لأسباب عديدة أنتجت هوة سحيقة فصلتهم وتفصلهم عن هويتهم، الشيء الذي أثر سلبا على سلوكات المواطنين من جيل بداية العشرينية الثانية من الألفية الثانية؛ فلم يسمع أحد من شبابنا عن عام الريح الأصفر والدفتيريا ولُوبَا(كذلك كان ينطق اللسان الدارج كلمة"الوباء")وعام بوهيوف، والطاعون، وبُوڭْلِيبْ لَكْحَلْ، والبُونْ والتيفوس والسل والرمد وبُونَتافْ(١)والجذري والحفا والعرا والقمل وأمراض الجلد من جربة وهرش وحكة..(أمل حياتي حَكْ بَلَّاتِي)(٢)..و..غيرها من الدواهي والمصائب التي آجتاحت البلد وتركت ناسه عرضة للمهاوي تفعلُ فيه فعلها في غياب آستراتيجية عقلانية واضحة تنظم مواجهة مثل هذه آلآفات التي تلعبُ فيها العدوى الدور الكبير في سرعة الانتشار...
فعلا، التاريخ الذي خلا يُقرئنا السلام يهمس في أذاننا بأن ثلاثة قرون كادت تفرغ البلاد من أهلها وقاطنيها، وتحكم عليهم بكاملهم بالانقراض، من القرن 18 إلى مئوية القرن التاسع عشر وجزء غير يسير من قرننا العشرين الذي عشنا فيه ردها من الزمن وبتنا مخضرمين نُعَايَنُ هذه الآفات في الألفية الثالثة بصور رمزية آستعارية تارة وبصور فجائعية واقعية تعيد لنا قبح التاريخ الذي مضى ولمْ يمضِ..لقد تعاقبت على الأرض والعباد سنوات هي الأكثر عمقا وتأثيرا في حلكتها وقسوتها في تلك الفترة المأساوية، عانت الساكنة لسنين كل ما يتضمنه قاموس الموت من جوائح، وظل خراب مواسم متتاليات تكتنف تفاصيلها الذاكرة الشعبية يحوم يعقر هشاشة حيوات المعيش اليومي..لقد حُكِمَ على ثلثي الأهالي بالفناء، ثلث راح ضحية سنوات جفاف وآنحباس المطر وقحط شامل جارف وغزو هاتك لأسراب الجراد الذي أودى بما نجا من محاصيل،منتصف القرن 18 عندما عاش المغرب عام مسغبة حادة وخصاصة، وهو ما غدا يعرف بـ”المجاعة العظيمة" (٣) وثلث آخر توزع على أعوام“الطاعون” و”البون” و ”بونتاف” و "العَواية" (٤) وبُوحَمرون(٥)...
يجمع مؤرخو المغرب القدماءوالمحدثون على كون هذه الفترة من عمر المغرب كانت أشبه بكابوس جماعي قاتم ونفق مظلم دامَ طويلا؛ في هذه الفترة آنتشرت السيبة والفوضى وذاع صيتُ قطاع الطرق في جميع أحواز المدن الكبيرة والمتوسطة والصغيرة في الشعاب والمسالك والفجاج ومحطات العبور من القرى والأمصار والحَضَر وآشتدت الإغارات على المستضعفين، وسادَ قانون الغاب و نهش القوي الضعيف وباع المعوزون أبناءهم وبناتهم لإخماد نار المسغبة،وكان أول عهد للعديد منهم بالسطو والغزو والترحال واللاستقرار، وآضطر آخرون إلى آفتراس مرار النبات إذا وُجِدَ، والحيوانات الأليفة وغير الأليفة والزواحف والحشرات لسد رمقهم، بينما تكلفت أوبئة أخرى شتى بتقليص العدد المتبقي إلى ثلاثة ملايين نسمة، في ما كان عددهم يصل إلى خمسة ملايين(٦)، الشيء الذي ساهم أيما إسهام في إضعاف شوكة البلاد وجعل موقعها الجغرافي الاستراتيجي عرضة لمزيد من الأطماع الأجنبية الإسبانية منها والفرنسية والبرتغالية وغيرها...

●وباء الحجاج:
سنة 1818 رفضت السلطات المغربية "نصيحة"القناصل الأجانب بالقيام بحجر صحي على حجاج مغاربة عائدين من المشرق، فانتشرت الكوليرا بالبلاد ...
"في 1818، نقلت الباخرة الإنجليزية (تاج)حجاج المغرب من الإسكندرية ثم تبعتها باخرة أخرى إنجليزية إلى ميناء طنجة، وحمل هؤلاء الحجاج معهم وباء الكوليرا على ما يحتمل، ورفضت السلطات المغربية أن تفرض عليهم الحجر الصحي كما طلب ذلك قناصل الدول الأوروبية، فمات على إثر ذلك من سكان طنجة وحدها حوالي ألفين من أصل حوالي عشرة آلاف، و1500 بالرباط، و7000 بفاس..واجتاح الوباء البلاد في بضعة أشهر ..وقدر عدد الوفيات بتطوان يوميا بثمانين، وتعطلت حركة المواصلات البحرية مدة طويلة عن طريق طنجة التي كانت جل البواخر ترفض الرسو بها ولزم الاوروبيون بيوتهم بهذه المدينة مدة سنة."(٧)

●خاطرة بدم الوباء:
وتتالت أسماء المفقودين في البلاد لأسباب شتى..يموت الناس دون سبب في بلدتي، في تاريخها في جغرافيتها، دون سبب واضح مقنع..في عز الشباب تُخْتَرَمُ الأعمارُ، تُفْتَضُّ أنفاسُ النساء والرجال والأطفال..يأتي مرضٌ مَا_هكذا يسمونه"أهلاشْ نْ رَبِّي، أورْ غَارْنَغْ مَايَنْ غْرَانِييْ"_(٨)على حين غرة يخنق الأنفاس،يقطع الرحم عن الرحم، يفصل الشهيق عن الزفير يمزق الأواصر، يُجَمد النخاع، يُفتت العظام، ويَرُوحُ لحاله تاركا القلوب والوجوه بلا دماء ليعاود الكرّة من جديد..

●قبل آلختام:
ها هو الموت المفرد أو الجمع قد أتى بصِلة وصل أو بشفرة قصل، بكورونا وبغير كورونا، بفيروسات بجراثيم بكائنات دقيقة لا تُرى بأوبئة بحروب فتاكة بطامات قاصمة لا تبقي ولا تذر، بإدراك بوعي بغفلة بجهالة، ماذا بعد، ليفعَلْ ما بدا له ما قُدِّرَ له أن يفعلَ ليصدَعْ بما يُؤمَرُ، سيجدني غاطسًا في حياتي أستهلكُ قُواها ووهني حتى آلزفرة التي تتلو آلشهقة آلأخيرة سأعيش واقفا بأنفة كبرياء غَنْدَرَةِ نبالة آلفرسان المعْدَمين أشْهِرُ شهامتي في وجهه إن كان له وجه ممتطيا صهوة آلإقدام أركض سعيدا لا أبالي ألقي بنفسي بحالي بآلأيام بآلليالي في فوهة آلمُحال ألتقي الذين كانوا هنا وُلِدُوا وَلَدُوا عاشوا عبروا رحلوا غبروا..لا يهم بعد ذلك أي شيء، لا يهم...

‏⁧
☆هوامش:
١_بُونَتافْ:عام بونتاف سُمي كذلك نظرا لبوار الفلاحة بسبب انحباس المطر وتفشي الجفاف لمواسم عديدة، بحيث إن النباتات لم تنم بعد، الشيء الذي اضطر الفلاحين لاجتثاثها ونتفها وإخراجها من جذورها من الأرض لاستعمالها وطبخها.
٢_أمل حياتي حك بللاتي:عبارة كان يتندر بها لوصف حالة الهرش التي يحس بها مريض الجرب
٣_عرفت المجاعة بمصطلحات عديدة منها بوهيوف وعام يرنة إيرْني:وهو اسم أمازيغي أطلق على عام الجوع وعام البون عندما أصبحت النبتة"يرنة"رمزا للجوع والمسغبة لدى المغاربة، إذ كانوا يقتلعون جذورها ويقومون بطبخها مفورة يتناولونها كوجبة لمواجهة الخصاصة والجوع، أو يتم طحنها وآستعمالها دقيقا يعجن ويخبز ويؤكل.وتتميز بمذاق مر، ورغم ذلك فقد سدّت رمق الكثيرين في زمن المسغبة الكبرى وأنقذت الآلاف من الموت المحقق.
٤_العوايا:السعال الديكي كان يصيب الأطفال خصوصا ويودي بحياتهم
٥_بوحمرون:الحصبة تصيب الأطفال بسبب الفيروسات
٦_ يُنظر الى كتاب(تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب) لمحمد الأمين البزاز، مع مقدمة للسوسيولوجي جرمان عياش
٧_ إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ،الجزء الثالث، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، ص157، 479.
٨_أهلاشْ نْ رَبِّي، أورْ غَارْنَغْ مَايَنْ غْرَانِييْ": عبارة أمازيغية ترجمتها(انه مرض مقدر مكتوب لا راد له ولا حول لنا ولا قوة ).



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لَقَدْ أُخْرِجْتُ مِنَ آلْجَنَّة
- اُذْكُرُونِي كَبِدَايَة
- تجَاعيدُ آلقِفار
- تَاقَنْسُوسْتْ نَتْمَازِيغْتْ
- بُقَعٌ زَرْقَاءُ تَالِفَة
- تَاشُورْتْ
- قَارِعَة
- دْوَايْرْ الزمان
- ثُمَّ آخْتَفَى كُلُّ شَيْءٍ فِي خَيْرٍ وَسَلَام...
- غُرْفَةُ بِيتِيزْ
- Supernova
- تَمَهَّلِي
- برقية
- أتَعَثَّرُ أسْقطُ أنهضُ أكْمِلُ آلمَسير
- رَمَادُ آلْهَفَوَاتِ
- فُوَّهَةُ آلْمُحَال
- أُوَاصِلُ آلْمَسِير
- اَلْمُنْبَتُّ
- قِيَامَه
- صَبَاحُ آلْخَيْر


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - لَا يَهُمُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَيُّ شَيْء