أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - تجَاعيدُ آلقِفار














المزيد.....

تجَاعيدُ آلقِفار


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7475 - 2022 / 12 / 27 - 20:55
المحور: الادب والفن
    


مَثَلُ الأبواب الخشبية العتيقة والأسقف آلمتشابكة وسواريها المديدة ومكوناتها المتلاحمة في بلدات أرياف جبال الأطلس المتوسط كمَثَل أعمار شائخة مهمَلة، تشكل مادة غنية يجب الاحتفاظ بها وعليها لأن عُمْر بعضها يتجاوز مائة سنة ويزيد.إنها شواهد على عصر خلا ويخلو من بين أيدينا ولا نلتفت اليه.حري بنا لملمة هذه شتات عينات هذه الأشياء التي تبدو لأعيننا بسيطة محتقرة، جدير بنا إعادة الاعتبار إلى تفاصيلها الموغلة في الزمن بآعتبارها تراثا محليا إنسانيا دون أن ننتظر هيئات من داخل البلد أو خارجه تفعل ذلك أو نتريث حتى يهل علينا هلال الينوسكو من وارء بحار يهش في وجوهنا باتسامة عرجاء لِيَهبَ لنا من مِنَّاتِهِ ومكرماته وعطاياه..نحن لا نحتاج إلا لأنفسنا في مثل هذه المعركة التاريخية المصيرية، معركة وجودية مع ذواتنا من أجل ذواتنا..إن أغلب قُرانا بمثابة متاحف مُتْرَعَة بالحياة نابضة بالعيش وبوجيب قلوب ساكنيها ومُعمريها الذين ورثوها أبا عن جد؛وجَولة سريعة في ربوعنا توضح بجلاء هذه الوثائق التاريخية الحية التي يجب الحرص على الاحتفظ بها وصيانتها وتطويقها برعايتنا،وعظم إضاعتهاوتركها تُدْفَنُ كما دفن آباؤُنا أجدادَهم ودفن أجدادُنا آباءَهُم الى ما لا نهاية من سلسلة الدفن التي لا تنتهي الا لتبدأ من جديد...

يُذَكّرُني طُلُوعُ الشمسِ صَخرا
وأذكرُ صخرا لكلّ غُروبِ شَمْسِ

كذلك شَدَتِ آلخنساء ترثي أخاها؛ فكَمْ لدينا في أرياف الجبال من صخور وثغور تركنها وراء ظهورنا نسيا منسيا للزمن الغاشم يفعل فعله الآثم في تجاويفيها وتلافيف حيواتها فيمسي الهجران سيد آلمواقف، وتنقلب آية آلرحيل من السهول إلى الوهاد رأسا على آلأعقاب..لقد رحلنا جميعنا بالوراثة وغير الوراثة إلى قيعان لا قرار لقيعانها الغائرة إلا مزيد من الانحدار؛ وألِفنا آلسفوح ومرابض زرائب الإسمنت المسلح الماسخ نصعد نهبط في مُعلباتها العجفاء الزاحفة في مدارجنا بأقدام قميئة لأّمََّاتِ أربع وأربعين الناهشات في دمانا بِرِضَانَا وهَوَانَا..وبين تعاقب الأزمنة وتسارع تكتكات الأقدار قُدُما إلى مهاوي الأعمار، طفقنا نتشبت بخلايا لنا ظلت عالقة بتجاعيد آلقفار بين صخر ومَرْوٍ وخشب وزيتون وصنوبر وأرز وعرعار..آه..تذكرني نتوءاتي البارزة آلجاثية في هواء عرائي صخورا أُخَرَ وأطلالَ دوارسَ وآثار من يباب تفقأ آلبآبئ إذْ تصادفها في مهامه الواقع المتعثر أو في أفياء آلرؤى..أدق أدق..لا حسيسَ يرد..كنتُ واقفا أتفحص تلابيبه آلمنكمشة..باب بتجاعيد صلبة متينة غائرة كأنها أفاع رقطاء يَتَلَوّى بعضُها على بعض في صحارى بيدٍ لا نهاية لآمتداداتها الميتافيزيقية الأزلية، كأنها أنامل خشنة لمَرَدَةٍ كالسواري آعتادوا تقطيع جلاميدَ الجبال الصافنات وآجتثاث جذور الأوصال،كأنها الروابي الراسيات في شموخ عتاقتها،آرتوَتْ على مَدَى سنين تندَّتْ وآخضَّلَ خَشاشُها تَيبّسَ حتى أضحى أقسى من وجع الأقدار في جبروتها...
رَوَى جدي_فيما روى عن جده_أنه عايَنَ أسلافا له يقصدون مداشر آلجوار يلتمسون من آلأحباب"تْوِيزي"(١)في زمن كانت هذه العادة النبيلة مثار آحترام وتقدير الجماعات في أعالي جبالنا الهاديات،لَـبّى إيتَرَّاسَنْ(٢)نداء الجماعة وقصدوا بمعية شباب القرية أعالي قمم بويَبلانْ يحتطبون عمالقة إيطَلْعِيِّينْ(٣) وصلابة تيكِيدا(٣) مُهلّلين مُكبّرين مُصليين على النبي الكريم داعين القَوي القدير أن يُعينَ مَهامّهُم ويُهَوِّنَ صَلَفَ مُنعرجاتهم وهُمْ يَنُوؤُونَ بحمل ثقل الدعامات الضخمة، وكل رَكيزة يتكفل بها آثنان من الشباب"سَنْ إيتراسنْ"(٤)بهمة وجأش وصبر تلين لجِِلادِهِ جبابرة إيشاون نتمورانغ(٥)؛ وكان للصعود والهبوط نغمةٌ كالوَلَه، شذًا كعَبير الأوجاع التي يتفاقم وجيبُها دون كلل أو مَلَل،ولمْ تَكلّ نفوسهم طيلة عقبات ومنحدرات شعاب وفجاج ومنعرجات آلطرقات الشائكة المتشابكة المديدة العَصِية آختراقها على الهوام والدواب وزواحف الأرضين، لم تتراجع قُواهم ولم تضل عيونهم الطريق..قُدُما إلى الأمام كان ديدنهم، لا يبالون بالأحراش والصخور والوهاد والضواري والعثار، لا يأبهون بالرغام، يضحكون لا يكترثون، حتى إذا قرب المسير للوصول حثُّوا خطاهم يترنمون وينشدون ترانيم"تيفارين"(٦) تحكي حكايات قديمة لأناس عاشوا قبلهم وكانوا مثلهم أو أشد صلابة وضراوة..كانوا هنا يَعبُّون من الأودية ومجاري الأمواه عَبَّا، يقتاتون الهواء زوشنَ زعترَ آزيرَ وعصائد زامْبُو و(تيزْنِينْ نَتْزُومْبِيّينْ)(٧)وغلال الكَرْم والتين والزيتون وأبّا، وأطوارا عاشوها يتفَيَّؤون الشموس والظلال، يقيمون الأعراس، يفرحون، يجيئون يذهبون، يرقصون لا يبالون بصلف الأيام وقساوة الليالي..كانوا هنا قبلهم، وكذلك كان الذين قبلهم..وظلت الشفاه تتناقل سِيَرَهُمْ جيلا بعد جيل..رَحل مَنْ رَحل، بقي مَنْ بقيَ، وحدها أطلال الأتربة وتجاعيد الأشجار، ظلت مكثت قَرَّتْ بالمكان في آللاقرار كبصمة زمن يشهد على التعاون، على المَوَدَّة، على الحب، على الإخاء، على الصبر، على الوفاء للكلمة، على الموت، على الحضور على الغياب على الميلاد آليَتَجَدّدُ فينا ليل نهار..وما حب آلديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا..(٨)

☆إشارات:
١_تْويزي:كلمة أمازيغية تشير الى الأعمال التطوعية التي تقوم بها جماعة القرية من أجل إعانة مَن يجد صعوبة في إتمام عمل ما كالحصاد والدرس في البيادر وما شابه
٢_إيتَرَّاسَنْ:الشباب
٣_إيطَلْعِيِّينْ/تيكيدا:جمع(أطَلْعِي) و(تاكيديتْ)سواري ودعامات تستعمل في البناء تشد البيوت الطينية بالسقف
٤_سَنْ ايتراسن:شابان يافعان.(سَنْ)تعني بالامازيغية اثنان
٥_إيشاون نتمورانغ:جبال بلداتنا
٦_تييَفَّارينْ:نوع من الأغاني يشدوها فرد (شاعر)تردد لازمتها المتكرة جوقة جماعية تتكون من ثلاثة اشخاص او أكثر
٧_تيزْنِينْ نَتْزُومْبِيّينْ:حبوب ثمار الصنوبر
٨_مطلع قصيدة الأعشى



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تَاقَنْسُوسْتْ نَتْمَازِيغْتْ
- بُقَعٌ زَرْقَاءُ تَالِفَة
- تَاشُورْتْ
- قَارِعَة
- دْوَايْرْ الزمان
- ثُمَّ آخْتَفَى كُلُّ شَيْءٍ فِي خَيْرٍ وَسَلَام...
- غُرْفَةُ بِيتِيزْ
- Supernova
- تَمَهَّلِي
- برقية
- أتَعَثَّرُ أسْقطُ أنهضُ أكْمِلُ آلمَسير
- رَمَادُ آلْهَفَوَاتِ
- فُوَّهَةُ آلْمُحَال
- أُوَاصِلُ آلْمَسِير
- اَلْمُنْبَتُّ
- قِيَامَه
- صَبَاحُ آلْخَيْر
- إِدْمَان
- الأَنَكُولُوجِيَا
- اِرْتِقَاء


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - تجَاعيدُ آلقِفار