أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - بُقَعٌ زَرْقَاءُ تَالِفَة














المزيد.....

بُقَعٌ زَرْقَاءُ تَالِفَة


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7473 - 2022 / 12 / 25 - 17:12
المحور: الادب والفن
    


تنتمي لوحة:امرأة تحتضر _حسب المؤرخين لرسومات الفنان الإسباني بابلو رويز بيكاسو_الى المرحلة الواقعيه من مراحل إنتاجاته الفنية...
في اللوحة نرى سيده مُنْهكَة طريحة فراش المرض،تُعاني في صمت ووجوم.. بجوارها طبيبٌ يمسكُ بيدها اليسري القريبه من نبض القلب مُحاولا الاطمئنان عليها..في ناحيه أخري تقفُ راهبةٌ بملابسها الكهنوتيه حاملةً طفلا صغيرا يرنو الى المرأة بحيرة وخوف غيرَ مُدْرِكٍ لِمَا يحدثُ وسيحدثُ..انه آبنُ الأم المُحتضِرة..اللوحة إعلانٌ لمشروع ولادة عَجِيٍّ جَديدٍ..والعَجِيُّ لغة هو فاقد الأم..ونحن نتساءلُ هنا..أين تراه يكون الأب في هذه اللحظة الحرجة من حياة الأسرة الفقيرة؟ما سِرُّ غيابه أو تغييبه عن فضاء اللوحة؟؟أتراه قد مات هو الآخر؟ليكْتمِلَ يُتْمُ الطفل بالتمام والكمال ويغدوَ بالتالي لَطِيما،أي:فاقدا لوالديه معا أم تراه ميت في حياة تغتال الأعمار قبل نهاية الأعمار؟؟
ومن جهة أخرى،فإن(اليُتمَ)في الناس يكون من قِبَل الأب،وفي البهائم من قِبَل الأُمّ، وكلّ شيء مفرد يَعزّ نظيره فهو(يتيم)يقال:دُرّة يتيمة»،أي فريدة لا شبيه لها.. يتبيَّن،من الاستعمالات العربية الأصيلة أنَّ(اليتيم) يطلق على من فَقَدَ أباه فقط؛ أما(اللطيم) فيطلق على من فقد أبويه معا؛ وأما(العجيّ)فيطلق على من فقد أمّه فقط......
فطفلنا في اللوحة سيكون عجيا عما قريب، وغياب الأب المحتمل بالموت سيجعله يتيما، وآجتماع فقد الأم والأب معا سيحوله لطيما، لتبدأ حياة جديدة بعد سلسلة التحولات هذه، تماما كما حكاية الفراشات اليافعات مع أُوَيْقِتاتِها القصيرة على ظهر بسيطتنا المعقدة..إنه طفل كالفَرَاش، وياليتَ لَنَا زَهْوَ آلفَرَاشِ يَعِيشُ لُحَيْظتَهُ القَصيرةَ في آنتشاءٍ وينصرفُ..
..و..الغرفة هنا هي غرفةٌ للفقراء بامتياز.. هذا الواقع القاتم يذكرنا بالمرحلة الزرقاء من مراحل بيكاسو..مرحلة تميزت بالتقاط معالم الفقر والبؤس والتشوهات المؤلمة في الواقع الاسباني والانساني بدايات وأواسط القرن العشرين..ولعلي أذكر لوحات من قبيل(البؤساء1903)حيثُ تحضر العائلة مكتملة هذه المرة:أم +أب+طفلٌ صغيرٌ.. الكل حاضرٌ..لا يُتْمَ موجودٌ اذن لا عجي ولا لطم..ورغم ذلك فهناك شيء ما مفقود في حياة العائلة الصغيرة الفقيرة؛ بل كل شيء مفقود..انهم جميعا يتامى واقعهم القاهر..مما يجعلنا نتساءلُ أليس الموتُ أفضل لهذه الحالة من حياةٍ تَلوكُ أناسَها تزدردهم وتحتقرهم دون اكتراث..؟؟..
ان اللوحة السابقة بتيمة الاحتضار أكثر شفقة من لوحة البؤس والبؤساء..العائلة هي هي..لكنها في اللوحة الأولى بدأ الأفراد مشروع السفر عبر وسيلة آسمها:(الموت)، والموت في بعض مناحيه معادل للراحة والخلاص من عذاب دنيا جائرة..وفي اللوحة الثانية نلفي أفراد العائلة وهُم يرتعدون من البرد ينتظرون بداية السفر هذا دون أنْ يجرؤوا ويلحوا في طلبه أكثر حيرة وقلقا وشقاء..مأساتهم مضاعفة..انهم يموتون قبل الموت ميتات عديدة..إنهم ينتظرون...
لذلك أرى أن المرحلة الزرقاء في تاريخ بيكاسو الفني أكثر قساوة من المرحلة الواقعية..وهذه القساوة التي يعبر عنها الأزرقُ نجدُها في لوحة"الاحتضار"في جدران الغرفة..إن اللون يطوق كل شيء فيها..لون أزرق فاقع فاضح صادم في قنوئه مُعَرَّى مِنْ سَمَاواته الشفافة التي آعتدنا التغني بها والتماهي بجمالها..أكيد، هي ليست زرقة ليالي فان غوخ..انه ببساطة جَمال تحوَّلَ أو يتحوَّلُ الى قبح..أزرق شاحب المعالم يتزاوج وطلاء جدران مشروخة تَشُوبُها تشوهات معالم يعتريها أثرٌ قاهر لزمن جائر غير مبال..حتى النافذة هناك فقدت رواءها في رجاء إطلالة على عوالم أخرى مغايرة، فظلت في اللوحة مغلقة بإطار ورتاج خشبي قان ناتئ شَلَحَتْ مَعالمَه الرطوبةُ وآثارُ الأمطار المتهاطلة، فتحولت الغرفة كلها بما فيها من حيوات زاحفة مجرد بقع تالفة لخرائط عالم ينهار...



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تَاشُورْتْ
- قَارِعَة
- دْوَايْرْ الزمان
- ثُمَّ آخْتَفَى كُلُّ شَيْءٍ فِي خَيْرٍ وَسَلَام...
- غُرْفَةُ بِيتِيزْ
- Supernova
- تَمَهَّلِي
- برقية
- أتَعَثَّرُ أسْقطُ أنهضُ أكْمِلُ آلمَسير
- رَمَادُ آلْهَفَوَاتِ
- فُوَّهَةُ آلْمُحَال
- أُوَاصِلُ آلْمَسِير
- اَلْمُنْبَتُّ
- قِيَامَه
- صَبَاحُ آلْخَيْر
- إِدْمَان
- الأَنَكُولُوجِيَا
- اِرْتِقَاء
- ثُمَّ تُورِقُ
- وُجُوهٌ مُخْتَلِفَة


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - بُقَعٌ زَرْقَاءُ تَالِفَة