أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - غُرْفَةُ بِيتِيزْ














المزيد.....

غُرْفَةُ بِيتِيزْ


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7468 - 2022 / 12 / 20 - 16:38
المحور: الادب والفن
    


ضيقة وضيقة جدا..ليس فيها أثاث كثير ما عدا مائدة صغيرة عليها قطعة من الخبز من ليلة البارحة.الغرفة مغلقة على نفسها اللهم اذا استثنينا نافذة صغيرة علا أسلاكها الهباب ووسخ الذباب.انها عبارة عن شباك يستقر قرب سقف عال.فضاء عار على شاكلة ما هو منتشر في أقبية الزنازن.لا يمكن الزعم بكون هذا الشباك نافذة،هو يشغل مكانها لكنه لا يؤدي وظيفتها،فهو مجرد ثقب صغير أو فرجة مفتوحة ومغلقة في الآن نفسه.الجدران مهترئة شلحت الرطوبة طلاءها القاتم، فاستحالت خرائط مشوهة لعالم ينهار.خيوط عناكب عملاقة وضئيلة في كل الأركان.على الحائط المقابل للسرير دُقت عدة مسامير تستعمل كمشاجب يضع عليها بعض ما يرتديه من ملابس، بينما يلقي البقية في أي مكان يصادفه غير عابئ بالتنظيم..هو لا يدخن..هذا أكيد..على أي هذا مايبدو، فليست توجد أعقاب سجائر، ولا تنتشر في المكان تلك الرائحة الزنخة التي تكتم الأنفاس والتي تميز عادة غرف المدخنين.لم يكن الأمر منتظرا، فمثل هذا الفضاء غالبا ما تتوجه أعقاب سجائر كي تكمل الطقوس الرمادية الغارقة فيها الغرفة..قتامة يستشعرها لذيذة مخدرة.هو يحب الغوص في الحريق الآتي من صعيق رطوبة ثاوية في أضلاعه.يتنفس هواء مشبعا ببخار لا يتجدد ليل نهار.الربيع مثل الخريف..يسعل مرارا.كانت جهنم كان الصقيع.يمسح مخاطه بطرف كُمّ يده اليمنى.تجاويف الأنف_لا محالة_ملتهبة.يتجرع عقارا دون جدوى.يقصد ركنا قصيا من الغرفة.يمخط إفرازا مائيا لزجا دفعة واحدة.يعود الى مائدته.يحاول أن يتناول كتابا، لكن مخطاته تناوشه تزعجه بمجرد أن يقوس ظهره ليدون شيئا، لذلك ضرب صفحا عن متابعة نشاطه المفضل.يقصد سريره الخشبي ويمتد على"هيدورة" قديمة ملتحفا بطانية من النوع الذي يستعمله الجنود.يتفس بعمق غير عابئ برائحة ألواح الخشب الندية المختلطة برائحة عرق ودماء البق..قبو من لظى وقر يخنقه،لكنه لا يشعر بشيء.لقد ألف غرفته وشغف حبها قلبه فليس يجد عنها بديلا.يجول بعينيه في أرجائها، فيتلف الرأس بين كومة من الأوراق تشكل جبلا كبيرا مضطرب التكوين. ينظر الى السقف.تطارد عيناه حشرة صغيرة تحوم حول المصباح المشتعل نهارا. تتواتر خطواتها متقدمة تارة نحو الأسلاك المسخمة ومنحسرة تارة أخرى.تقف قرب الشباك أعلى الحائط وتجمد هناك.بعوض كثير يصوت في رأسه..مشروع القصيدة الجديدة لازال مبهما، مجرد هالة من أفكار لَعينة تأبى أن تأتي، تنسحب في الوقت الذي يحتاجها فيه.يترك السرير قاصدا المائدة التي يستغلها للكتابة والقراءة والأكل والشرب وكل شيء.يطقطق أصابعه بانفعال..قرف كل هذا الوجود الصغير والكبير. فكر..سيكتب مقطعا عن القرف، بيد أنه تراجع عندما تذكر أنه ليس يكتب في الآونة الأخيرة الا عن هذا الموضوع.ماذا عساه يفعل؟؟انها ضغائن شتى تقطن غرفة نخاعه الشوكي ولا تبرحه..تتحرك الحشرة مرة أخرى.تتقدم أكثر الى الفتحة.تلتصق بها.ترنو من خصاص الشباك الى الطريق الممتد الطويل الذي تزين جنباته حدائق من الزنابق وشقائق النعمان..لا بد أنها تتمنى الغرق في الأزهار، لكنها الآن محبوسة تكتفي بالنظر ليس الا..كيف ذلك!!؟؟إن حجمها يمكنها من الخروج إِنْ شاءت.يبدو انها تنفر من الخارج وما في الخارج وتحبذ مثله المكوث في الغرفة، لذلك تقتصر على ملاحظة ما يجري في الزقاق الممتد دون أن تبدي استعدادا للنفاذ عبر ثقوب الفجوة.تظل بعض الوقت في مكانها جامدة لا تتحرك ثم تطير تحوم حول المصباح الصغير المليئ ببقايا فضلات الذباب.تتحرك الحروف في رأسه غير مرتبة في البداية لتنتظم بعد ذلك في كلمات لا معنى لها وتكون جملا غير مكتملة غامضة لا يفهمها هو نفسه وبالأحرى الآخرون.انها الضغينة تأكله ويأكلها.انه غموض رأس مفلوق بالفواجع لا يدري ما يقول.فوضى الرأس.فوضى الغرفة.فضاء من عراء.كل شيء يطير يئز يحوم بدون هدف.نهارات تأكلها الليالي.صدئة أوقاته.تتحشرج موشكة أن تنفق.عمر كامل من التأكسد في غرفة لحده، تحنطه، تطوقه وتسكنه.تفرز فيه رائحة العفونة.دود مقزز ينبت في كل الجدث.ينفذ عبر المسام ويحوم في حمام الدم ليفسد كل شيء.تحوم الحشرة حول المصباح المسود.تدور.يذرع الغرفة جيئة وذهابا يدور حول نفسه.كل شيء يدور.يجمد في مكانه مسمرا.يحدج الشباك.يبصر الحشرة دائخة في دورانها. يتحرك.يؤم خطاه صوب الباب.يقف متربصا.يفتح الباب، فيدخل للتو نسيــــم ويشعشع ضــوء وتصدح أطيــار..تراجع الى الوراء كأفعى ديس على ذيلها على حين غرة ثم يصفق الباب بعنف.ليس في الغرفة الا هو.الحشرة قرب الفجوة تحوم.يسرع خطاه الى سريره.يلقي بجثته على البطانية السوداء.يضع الوسادة على رأسه.جفناه المثقلان بغشاوة كثيفة ينسدلان على عينين ترغبان في الفرار الى نوم لا يأتي.انها هوايته المفضلة..أن ينام لمجرد أن ينام..تبا!!..النوم لا يأتي.انها لا زالت تدور.يزرر قميصه حتى ذقنه. يقصد أحد المسامير المثبتة في الحائط.يأخذ معطفا ويرتديه ثم يعود ليستلقي على السرير.لازالت تطوف.يتابعها بنظرات متعبة.كانت تئز.هو يئن. يطلق حشرجات فيها رائحة من وجع وألم.كل شيء فقاعة، فضلات..ورغم ذلك فهي تدور..حمل كتابا.تنفس بعمق أنفاسا حارة وقرأ مبتسما:"si je me rendormais encore un peu pour oublier toutes ces bêtises"...ثم نـــام .


☆هوامش:
_الكلام بالفرنسية من خواطر الشخصية الرئيسة في قصة"التحول" لفرانس كافكا
_هيدورة:فراش مصنوع من جلد الماعز والخرفان



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- Supernova
- تَمَهَّلِي
- برقية
- أتَعَثَّرُ أسْقطُ أنهضُ أكْمِلُ آلمَسير
- رَمَادُ آلْهَفَوَاتِ
- فُوَّهَةُ آلْمُحَال
- أُوَاصِلُ آلْمَسِير
- اَلْمُنْبَتُّ
- قِيَامَه
- صَبَاحُ آلْخَيْر
- إِدْمَان
- الأَنَكُولُوجِيَا
- اِرْتِقَاء
- ثُمَّ تُورِقُ
- وُجُوهٌ مُخْتَلِفَة
- نَقَاهَة
- اِنْتِشَاء
- تْمَزْكِيدَا
- شِحَاذَة
- سَأكْتُبُني


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - غُرْفَةُ بِيتِيزْ