|
اَلْمُنْبَتُّ
عبد الله خطوري
الحوار المتمدن-العدد: 7460 - 2022 / 12 / 12 - 23:13
المحور:
الادب والفن
لقد آنتشر في الثقافة العربية التدوينية التقعيدية القديمة الاعتماد على الشواهد النحوية واللغوية وما لف لفهما، التي يُؤْتَى بها عادة لتثبيت وتأكيد قاعدة ما ونقلها من السماع إلى القياس ثم إلى المعيار على غرار ما ألفنا سماعه هنا أو هناك من غريب لغة أو تعقيد تركيب يقف إزاءه غير المختصين موقف المشدوه أمام أشعار يراها لقلة خبرته تحفا معجزة لا مثيل لها.مثل هذا النزوع إلى منظومات الغريب والنادر آستدعته آنذاك ضرورة التأريخ والتوثيق والتدوين والانتقال من ثقافة السماع والمشافهة والرواية الى ثقافة التأليف والتصنيف والتقعيد بعد ان كان يمنع الرواية عن صحفي،أي الكاتب المدون في العصور المتقدمة لا يُأخذ عنه بضاعته اللغوية أثناء جمع الشواهد الشعرية لاحتمال اللحن والخطإ.فكان أساس أخذ اللغة المتوارثة هو الرواية الشفهية بشروط رواية الحديث الصارمة والمعروفة عند ذوي الاختصاص.لذا،لا يجب أن نستغرب أو نتعجب أو نرفض أو نستهجن مثل هذا النزوع عند المقعدين العرب، كما لا يجب الوقوف أمامه موقف الإعجاب المفرط بإعجاز شعري بلاغي، فهي لا تعدو أن تكون منظومات نظمها أصحابها لضرورة عقلية لا عاطفية، معيارية لا تعبيرية، تدوينية لا تخيلية، غائية لا وسيلة جمالية ماتعة مقصودة لذاتها.. ولك في هذا الباب الكثير من الأرجوزات والمشطورات والمصمطات والمثلثات والمربعات والمخمسات ولزوم ما لا يلزم وما شابه ذلك من صناعة قول الغاية الاولى والاخيرة منها حفظ المورث اللسني العربي، ولعلي أقف هنا هنيهة أمام مثال آعتباطي فقط من هذا القبيل، ولنا أن نقيس عليه باقي المتشابهات..قال الناظم
"ومدركل بالشنصلين تجوقلت عفص له بالفيلطوز العقصل ومدحشر بالحشرمين تحشرجت شرا فتـاه فخـر كالخزعبـل والكيكذوب الهيكذوب تهيعهت من روكة للقعلبـوط القعطـل تدفق في البطحاء بعد تبهطـل وقعقع في البيداء غير مزركلِ وسار بأركان العقيش مقرنصاً وهام بكل القارطـات بشنكـلِ يقول وما بال البحاط مقرطمـاً ويسعى دواماً بين هك وهنكـلِ إذا أقبل البعراط طـاح بهمـةٍ وإن أقرط المحطوش ناء بكلكلِ يكاد على فرط الحطيف يبقبق ويضرب ما بين الهماط وكندلِ فيا أيها البغقوش لست بقاعـدٍ ولا أنت في كل البحيص بطنبل"
الليث بن فازالغضنفري(كذا نسبت الأبيات إلى هذا الاسم)هي لامية مطلقة متداركة بمجْرَى كسر بأجزاء صوتية من بحر من الطويل فعولن مفاعيلن بوزن مضبوط على عادة العرب في آستعمالهم هذا البحر المركب.أما فيما يخص قائله، فلن أبحث في ذلك.أما عن غريب اللفظ، فالظن الراجح عندي أنه نزوع لحفظ الكلم الموروث عن السلف بجعله مرصوصا منضدا يحمل ما يحمل من آلمعاني المتعارف عليها في شعر تلك العصور.لقد آنتشرت عند النحاة وأهل اللغة مثل هذي المنظومات، وكي يتم قَبولها كشواهد في علوم الآلة وما ضارعها يعمدون إلى نسبتها الى ما تم الاصطلاح عليه آنذاك بمصطلحات ك:"مجهول"او"شاعر"أو"ناظم"او"أحدهم"أو"قائل"أو ... يخترعون آسما هكذا يلصقون به القول أو ينسبون منظوماتهم هذه الى أحد شعراء بادية العرب كي يتم قبولها في باب الاستشهاد الذي كانت له ضوابط صارمة معروفة عند أهل الحل والعقد في ذاك الزمن.وكم من نحوي أو صرفي أو لغوي نَسب الى مجاهيل الأسماء أو مشاهير الكلام منظومات نظموها بأنفسهم ومرروها في مصنفاتهم كشواهد تثبت قاعدة ما أو وجهة نظر لغوية أو بلاغية يتبنونها..ولعلنا نجد أمثلة مطروقة هنا وهناك من هذا المنحى، كمنظومة صفير البلبل للأصمعي وما نسب للأمير الضليل من مقطوعات تعلق قلبي فتاة عربية تنعم بالذيباج والحلي والحلل؛ بل وما نسب من أشعار للشياطين والمردة والجن، ولعلك تجد أمثلة كثيرة واضحة في رسالة المعري خاصة عندما كان يجوب زائره سعير هاديس العرب بحثا عن ذاك وتلك من المنشدين المعروفين أو المغمورين..في الحقيقة، هؤلاء نجحوا بهذه الطرق التربوية المنهجية في حفظ موروثهم الكلامي، وتسنى لهم نقله من الشفهي الى التوثيق الكتابي عن طريق النظم او شبه النظم مما سهل حفظه في الصدور أولا ثم في الكراريس والقراطيس ثانيا فنجحوا أيما نجاح فيما كانوا يرومون إليه من غايات ومرام... نحن آيت مازيغ آلمغرب في الأطالس الثلاثة والريف وآلبوادي وآلحضر في آلأعالي آلصافنات في آلمداشر في آلسهول في كل الأمصار، لم ننجز بعد مثل هذه المهمة التي أتقنها العربي منذ عصور خلت، فظللنا غاطسين في مورثات الشفة تموت بموت أصحابها، ظللنا في أحسن الأحوال نردد منظومات تشبه نوعا ما الأبيات أعلاه تحفظ تاريخا معينا أو حدثا حدَثَ وآنتهى أو كَلِمًا يحاول مقارنة اللسان الورايني(١)بنظيره من ألسن الآخرين من باب الدعابة وفكاهة آجي نتعلمو الشلحة تيسنتْ هي الملحة(٢) لو فقط آجتهدنا نصف ما آجتهده المختار السوسي في مصنقاته وتوثيقاته بسوسيته، فأنتج عسلا مصفى آسمه..المعسول..(٣)فمتى نكون نحلا تُخرج قلوبنا قبل قرائحنا عسلا مذابا مثل ذاك العسل..متى..تلك هي المسألة..علينا أن ننظر بجدية تفرضها الحاجة والضرورة إلى هذه الأمور التي يصادفها الشباب في هذا الافتراض فيتعاملون معها كمستملحات وطرف..لا..الأمر أعمق من كونه كذلك..بل أخطر، إنه يكشف ويا للأسف عورتنا العارية في العراء..نحن لم نفعل شيئا..هم فعلوا..آآه..كم يحز في النفس أن لا يكون عند أمازيغ آيت وراين(١)تأريخ لغوي لسني في شكل منظومات كما فعل أعراب بادية العرب بعربيتهم وكما فعل غيرهم من الأمم دخلوا التاريخ بفن الكتابة وضللنا نحن تالفين، لا أرضا قطعنا ولا ظهرا أبقينا.مثل المنبت تماما..فإلى متى...
☆إشارات: ١_اللسان الورايني:اللغة الأمازيغية التي يتواصل بها آيتْ وراين، الذين يطلق عليهم بالعربية(بنو وراين)، وهم مجموعة من القبائل الامازيغية المنتشرة في قمم وسفوح جبل بويبلان الذي يعد بداية الأطلس المتوسط بالمغرب.. ٢_آجي نتعلمو الشلحة تيسنتْ هي الملحة:إحدى المنظومات التي صيغت باللسان الدارج المغربي نظمها أمازيغ يسهلون بها تعلم الدارجة المغربية لغير الناطقين بها.. ٣_المختار السوسي:محمد المختار بن علي بن أحمد السوسي الإلغي الملقب برضا الله والمعروف بـمحمد المختار السوسي(1900/ 1963م) مؤرخ وأديب ورجل دين مغربي.كان يعتبر أن الوجه الصحيح لكتابة تاريخ الثقافة هو البدء بتاريخ رجالاتها وأسرها ثم مجتمعاتها، في كل منطقة على حدة، بدءا من القرية الى البلدات والمناطق والدولة،إيمانا منه بحتمية العودة إلى التراث للحفاظ على الهوية ومواجهة التحديات المستحدثة خصوصا من الثقافات الأجنبية..من مؤلفاته في هذا الصدد:(المعسول)في عشرين جزءا...
#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قِيَامَه
-
صَبَاحُ آلْخَيْر
-
إِدْمَان
-
الأَنَكُولُوجِيَا
-
اِرْتِقَاء
-
ثُمَّ تُورِقُ
-
وُجُوهٌ مُخْتَلِفَة
-
نَقَاهَة
-
اِنْتِشَاء
-
تْمَزْكِيدَا
-
شِحَاذَة
-
سَأكْتُبُني
-
وَفِي آلْأَجْوَاءِ بَقَايَا ذُبَاب
-
مقْصَلةُ آلأعْمار
-
عْلَاشْ؟!
-
رِسَالَةٌ إِلَى شَهْرَزَاد
-
كَبْوَةُ آلْحُرُوفِ
-
أَرَى مَا لَا يُرَى
-
بُوسِيضُونْ مََازيغِي
-
طَيْفٌ
المزيد.....
-
طالبتان سعوديتان ترحبان بسفير الصين باللغة الصينية.. وتشينغ
...
-
زاخاروفا تشير إلى شهرة الأغاني الروسية رغم محاولات الغرب -تغ
...
-
منسق اتحرك محمد العبسي لـ”صدى الشعب” المقاطعة بدأت تكرس ثقاف
...
-
-بنات ألفة- التونسي.. أفضل فيلم وثائقي في جوائز جوثام للسينم
...
-
لماذا تترسخ القضية والثقافة الفلسطينية في تشيلي؟
-
لماذا يفضل سكان موسكو مشاهدة باليه -كسارة البندق- في غرب سيب
...
-
إيران ودول منظمة معاهدة الأمن الجماعي تؤيد تأسيس -الأوسكار ا
...
-
-منشور قديم- يكشف عن العلاقة بين براد بيت وابنه بالتبني
-
أبوابٌ تُفتحُ لمرّةٍ واحِدة --
-
-الإمارات في معجم العين- معرضٌ للمصور البحريني عبد الله الخا
...
المزيد.....
-
عد إلينا، لترى ما نحن عليه، يا عريس الشهداء...
/ محمد الحنفي
-
ستظل النجوم تهمس في قلبي إلى الأبد
/ الحسين سليم حسن
-
الدكتور ياسر جابر الجمَّال ضمن مؤلف نقدي عن الكتاب الكبير ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال وآخرون
-
رواية للفتيان ايتانا الصعود إلى سماء آنو
...
/ طلال حسن عبد الرحمن
-
زمن التعب المزمن
/ ياسين الغماري
-
الساعاتي "صانع الزمن"
/ ياسين الغماري
-
الكاتب الروائى والمسرحى السيد حافظ في عيون كتاب ونقاد وأدباء
...
/ السيد حافظ
-
مسرحية - زوجة الاب -
/ رياض ممدوح جمال
-
الكاتب الروائى والمسرحى السيد حافظ في عيون كتاب ونقاد وأ
...
/ مجموعة مؤلفين عن أعمال السيد حافظ
-
أنهارٌ من زنبق: النهر السادس
/ دلور ميقري
المزيد.....
|