أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 30















المزيد.....

اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 30


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7162 - 2022 / 2 / 14 - 23:27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من الملاحظ ومن خلال الدراسة التي تم فيها مقارنة مجموعة من الكتابات سواء السومرية أو الأكادية وحتى الأشورية نحد أن هناك نمطين من الكتابة تبعا للكاتب وللغرض من الكتابة، النمط الأول هو النمط الرسمي والديني والأناشيد والأشعار التي تمثل ثقافة وتجسد القدرة المعرفية للطبقة التي كتبت أو تكلمت، تقريبا يمكن تشبيهها باللغة الفصحى التي تمثل أرقى درجات التواصل اللغوي المميز بالفخامة والأسلوبية المحترفة، هذه الكتابات تقدم لنا نماذج عالية الدقة في أستخدام الحروف والرموز الكتابية وتبتعد تماما عن البساطة أو التلقائية في الكتابة لأنها تمثل النخبة الحاكمة سياسيا ودينيا، وحتى في الترجمة تكون أقرب للسهولة منها عندما نترجم نصوص أخرى ولو في نفس الفترة الزمنية أو الرقعة المكانية.
أما النمط الثاني وهي الكتابات الشعبية أو التي تتعامل مع الطبقة العادية من المجتمع ومن صغار الكهنة أو رجال الدين الذين يتعاملون مع الناس مباشرة، هذا الأمر الذي يثبت مع ما قدمنا في الفقرات السابقة بأن الكتابة والقراءة كانت منتشرة بشكل عام وطبيعي بين الناس، ولم يكن هناك من أحتكار معرفي أو محدودية في التعليم، لذا لا نستغرب مثلا أن البعض يفسر وجود لغتين في آن واحد أو أستعمال مشترك، والحقيقية أن هذه الطريقة في الكتابة وخاصة في فترة التحول من السومرية للأكادية هي فترة التحول من الأستخدام العالي التقنية أسلوبا وحرفة إلى أستخدام اللهجة المحلية مع الفصحى لتكون محل نظر وتعليم ربما، أو حتى أحتمال أن ذلك يسهل على طبقات الشعب البسيطة فهم الأوامر الدينية أو الرسمية الصادرة من السلطة لتكون في متناول الجميع، ناهيك أن تكون معظم هذه النصوص تعليمية أو الغرض منها ممارسة الكتابة بالنمطين من خلال تدريبات عملية مباشرة، ولا داع لجعلها نصوص كاملة أو معبرة عن قضايا أساسية في المجتمع.
وبحلول عام 2400 ق.م. تم اعتماد الخط المسماري لكتابة اللغة الأكادية، بلهجتيها الآشورية الشمالية والبابلية الوسطى، كما تواصل استعمال الخط المسماري للكتابة في لغات البلاد المجاورة لبلاد ما بين النهرين مثل لغة الحطيين ( الحيثيين ) واللغة الفارسية القديمة، وكانت تستعمل اللغة السومرية مكتوبة بالمسمارية إلى نهاية القرن الأول الميلادي، ويوجد حوالي 130,000 لوح طيني من بلاد الرافدين في المتحف البريطاني وحده لم يترجم ولم يقرأ منها إلا القليل الذب لا يمثل يشكل عام وجه كامل لحضارة العراق القديم، بالرغم من أمه حتى طريقة القراءة والترجمة لدينها عليها تحفظات عديدة لكونها تنقل من لسان إلى أخر دون أن يكون هناك نوع من التألف والقدرة بين اللسانيين، وكانت الكتابة المسمارية لها قواعدها العملية والمهارية إبان العصر السومري حيث انتشر استعمالها بشكل واسع ليطغى حتى على بعض اللغات المجاورة أو المنافسة لتتحول السومرية إلى لغة العالم القديم الأولى في المنطقة، فدون السومريون بها السجلات الرسمية وأعمال وتاريخ الملوك والأمراء والشؤون الحياتية العامة كالمعاملات التجارية والأحوال الشخصية والمراسلات والآداب والأساطير والنصوص المسمارية القديمة والشؤون الدينية والعبادات.
ومن الأثار الحضارية المهمة التي كتبت بالنمط الأول من الكتابة (الفصحى) أنه في أيام حكم الملك حمورابي (1728 – 1686 ق.م.) وضع شريعة واحدة تسري أحكامها في جميع أنحاء مملكة بابل بهذه اللغة، لكونها تمثل الهوية الثقافية والمعرفية لمجتمع العراق القديم، وهذه الشريعة عرفت بقانون حمورابي أو مسلّة حمورابي الذي كان تضم نصوصا من القانون المدني والأحوال الشخصية وقانون العقوبات، وفي عصره دونت العلوم أيضا انتقلت الحضارة من بلاد الرافدين في العصر البابلي القديم إلى جميع أنحاء المشرق وإلى أطراف العالم القديم، وكان الملك آشور بانيبال، (668-626 ق.م.) بعد حمورابي بعشرة قرون كان من أكثر ملوك العهد الآشوري ثقافة وحب للمعرفة والعلم، فجمع الكتب من أنحاء البلاد وخزنها في دار كتب خاصة شيّدها في عاصمته نينوى، وكان البابليون والسومريون والآشوريون بالعراق يصنعون من عجينة الصلصال Kaolin (طين الكاؤلين) ألواحهم الطينية الشهيرة التي كانوا يكتبون عليها بآلة مدببة من البوص بلغتهم السومرية، فيخدشون بها اللوح وهو لين بعدها تحرق هذه الألواح لتتصلب.
سبقت الإشارة إلى أن أقدم الألواح التي تحمل علامات كتابية بطريقة تحريك قلم مدبب الرأس على الطين الطري ورسمت رسماً تقريبياً الأشياء المادية المراد التعبير عنها، منذ أواخر دور الوركاء (الطبقة الرابعة) وفي رقم الوركاء من الطبقة الثالثة وما بعدها ورقم جمدة نصر، حدث تغيير مهم في أسلوب كتابة العلامات على الطين، فبعد أن كان الكاتب يرسم العلامة بقلم مدبب الرأس غدا يطبع العلامة على الطين الطري وذلك بضغط نهاية القلم ذي المقطع قائم الزوايا وبشكل مائل تاركاً في كل مرة طبعة غائرة تتألف من خط مستقيم يمثل ضلع مقطع القلم قائم الزوايا، ومثلثاً غائراً يمثل طبعة زاوية مقطع القلم عندما يمسك القلم بشكل مائل ويضغط بزاويته على الطين، وبتكرار عملية طبع القلم تتألف على الطين وفق شكل العلامة المراد رسمها، تتشكل العلامة وتظهر مؤلفة من مجموعة من الخطوط الأفقية والعامودية والمائلة، ينتهي كل خط منها بمثلث صغير غائر ويظهر شكلها وكأنها مؤلفة من طبعة مجموعة من الأسافين أو المسامير، ويلاحظ أن الكاتب حاول اختزال رسم العلامة وتجاوز رسم المنحنيات والتفاصيل الدقيقة التي كان من السهل رسمها بأسلوب تحريك القلم كما نفعل الآن عند الكتابة بقلم الحبر أو الرصاص.
نعود للهجة أو النمط الثاني من الكتابة وقبلها طريقة تواصل كلغة محكية بين الناس والتي تتسم عادة بخلوها من التعقيد اللغوي البنائي وتحررها من الكثير من القواعد الملزمة، هذا النمط من اللغة العراقية القديمة أو ما يسمى باللهجة الشعبية العراقية بقيت مع التبدل التأريخي في أستخدام اللغة في المجال الرسمي والديني بقيت محافظة على شكلها ودورها في حياة الناس قديما وحديثا، فالتغير اللغوي دوما ما يطال الطبقات العليا من المعرفة أما القاعدة والهوامش قيلا ما يصلها التغير وحتى قد يصلها متأخرا جدا لا ينفع في تبديل المفردات والأصوات التي هي خصائص فسيولوجية أيضا، إن اللهجة العراقية وريثة تراكم عدة طبقات لغوية مرَّت في تاريخ العراق: السومرية والاكادية بلهجتيها الجنوبية البابلية والشمالية الآشورية، ثم الآرامية، ثم العربية، بالإضافة الى اكتساب مفردات كثيرة ومتعدد من مصادر كثيرة ومتعددة مرت على العراق وشعبه لكنها تركت مخلفات نتيجة التعامل والأستعمال الضروري لها مثل اللغات الكردية والفارسية والتركية وحتى الانكليزية.
ان هذه اللهجة تتميز عن العربية الفصحى، بالقواعد والبلاغة وقاموس المفردات:
1. ـ القواعد : من أمثلة بعض التمايز في قواعد العامية استخدام كلمة (اللي) وحدها بدلاً من (الّذي والتي واللذين.. الخ)، وهي حالة سائدة في جميع اللهجات العربية، كذلك استخدام النصب دائماً في المثنى، مثل (فلاحَين) والجمع (فلاحين)..
2. ـ البلاغة : أما الناحية البلاغية والتعبيرية، فهناك صور خاصة بالعامية العراقية لا يمكن أن تفهم لو ترجمت الى الفصحى، مثلاً : (أخليك على عيني ورأسي، بمعنى الاعتزاز والتقدير). (إتسّخَم وجهه / إسوَّد وجهه وهبطت قيمته). (الله بالخير / عبارة ترحاب ضرورية بالضيف بعد جلوسه). (وريني ظهرك / اترك المكان). (بعد روحي / أنت أغلى مثل روحي). (سوده عليَّه / للحزن على شخص). (طاح صبغه / فقد قيمته).
لهذا فأنه من الاخطاء الكبرى لدى مترجمي النصوص العراقية القديمة (السومرية والأكادية)، انهم لم يعتمدوا على بلاغة العامية العراقية في فهم النصوص القديمة مثلاً، عندما تقول عشتار (أصبحت أيامنا من طين)، فان هذه الترجمة تمت بصورة حرفية ومعناها يبدوا مبهماً، بينما لا زالت العامية العراقية تقول عن شخص (مطّيَن)، بمعنى انه (وضعه سيء) إذن كان من المفروض أن تترجم العبارة بـ (تطينت أيامنا، أي أصبحت تعيسة).
3. ـ المفردات وتلفظها : ان من خصوصيات اللهجة العراقية، ان كلماتها تحتوي على حروف لم توجد في العربية، هي : (گ) أي (ج المصرية) إذ يحَّول حرف (ق)، مثل: (قال) تتحول الى (گال). كذلك حرف (چ) أي حرف (H) الانكليزي. وعادة يحوَّل اليه حرف التملك المؤنث (ك) بالعربي، مثل: (كتابك) للمؤنث، تحول الى (كتابچ).



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن القبائل بدائية
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 29
- رغبة قهرية
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 28
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 27
- أنت فاسد
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 26
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 25
- وجه أخر لعالم جديد
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 24
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 23
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 22
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 21
- الغباء السياسي في عراق عصر بريمر...
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 20
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 19
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 18
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 17
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 16
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 15


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 30