أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - عميل















المزيد.....

عميل


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 6933 - 2021 / 6 / 19 - 21:49
المحور: الادب والفن
    


لم يستطع محسن أن يحتفظ بما سمعه عن صديقه حامد لنفسه بل كان يريد أن يفاتحه بما يتناقله الآخرون عنه وجاء الوقت المناسب حين دعاه الأخير إلى العشاء. جلسا يأكلان ويتسامران ودب الحماس في حامد فتناول آلته الموسيقية وراح يعزف ويغني...وكلما زادت السهرة ودية كلما كان يغلي محسن لينقل لحامد ما سمعه. وبعد مضي ساعات أصبح جاهزا للكلام الصريح فقال: هناك مسألة تؤرقني منذ فترة وهي تتعلق بك وترددت في نقلها من قبل ومع ذلك سأحكي لك عنها الآن. حامد صديقي، في غيابك، وفي أكثر من جلسة مع الأصدقاء الذين تسهر معهم وتدعوهم لموائدك وتغني لهم وتسمعهم الموسيقا يتهامسون أنك ومنذ الصغر لا تؤتَمَن! لا يستطع أحد أن يبقى مرتاحا في الكلام بحرية أمامك فقد بدأت الحكاية، حسب رأيهم، بأشياء صغيرة معك يوم كنت تلميذا ومن ثم أصبحت في كبرك تنقل معلومات للمخابرات...! صُعِقَ حامد بما سمعه...أراد أن يحكي ولكنه صمت. كرر له محسن يقولون إنك ومنذ كنت في الإعدادية كنت كلما انزعجت من شخص تقول له: "سأشكيك للموجه"، "سأشكيك للمدير" وبالفعل كان الموجه أو المدير يعاقبونهم. يكررون بانك كبرت ومعك عادة نقل الكلام والوشاية بكل من لا يروق لك... ويضيفون أنك كنت مصرا على السكن في المخيّم لتبقى قريبا من "الشباب" كي تعرف أخبارهم...! بعد صمت قصير تنهد حامد وقال: أما عن حكاية أنني كنت أشكيهم للموجه والمدير في المدرسة فهي صحيحة لأنهم كانوا يتجاوزون حدودهم في الكلام معي ويضغطوني ويسببون لي الاكتئاب وفي كثير من الأحيان يكون أساس مضايقتهم مبنيا على حقيقة أنني مكفوف فيوجهون كلامهم شرقا وغربا للتهكم والسخرية مني ومن عاهتي...وأما أنني كبرت على هذه العادة واخترت مكانا قريبا منهم فلا أقول إلا سامحهم الله فأنا أعمى وكيف لي أن أراقبهم أو أن أتتبع ما هم إليه؟ ثم إن عزائمي لهم هي بالمطلق لأنني أشعر بمحبة لكل أصدقائي...سامحهم الله على أية حال لقد ظننت أنهم كبروا ونضجوا...ثم توجه حامد بالسؤال لمحسن: "وهل أنت تصدق عني ذلك؟" فتأتأ الأخير قليلاً وراح يختار مفرداته وخرج بخلاصة قال فيها: "كنت أدافع عنك ولكنهم كانوا يصرون أنك تعمل لصالح المخابرات...". مضت تلك السهرة بدون استئناف العزف أو الغناء وإنما فقط بين الفينة والأخرى كان حامد يتنهد ومحسن يكرر أردت فقط أن أطلعك على ما يدور بخصوصك. في نهاية السهرة غادر محسن وأما حامد فقد بقي يفكر حزينا لما سمعه يحاول أن يتذكر لو أن حادثة واحدة جرت تدعّم من اتهاماتهم ولكن لا يوجد أساس لما يقولونه. مضى أسبوعان وحامد باق بدون تواصل مع أحد فقد قرر أن يقلص من علاقاته مع الأصدقاء.
بعيد ظهيرة يوم رن هاتف حامد وكان المتصل صديقه أبو النور الذي قال إنه سيأتي إليه بعد نصف ساعة. عند حضوره كان حامد دمثا مضيافا كريما وبعد مضي أكثر من ساعة قال لضيفه لقد سمعت شيئا ضايقني كثيرا.. هل تصدق أنهم يتهمونني بأنني عميل للمخابرات؟ لم يأخذ الأمر أبو النور طويلا ليحكي ما عنده حول هذه النقطة إذ قال: هذا ليس جديدا فمنذ سنوات أعرف أنك مثار الشكوك... انتفض حامد وسأل: لماذا؟ ماذا فعلت للناس؟ بعمري لم أعرف الإساءة لأحد بل كنت أدفعها عن نفسي؟ وما أذيت أحدا بعمري ولماذا هذه الاتهامات غير المسؤولة؟ قال أبو النور: مرات يقولون إنك غامض جدا...ويضيفون إن مشكلتهم معك أنهم لا يستطيعون النفوذ إلى داخلك من خلال عينيك فبما أنك ضرير لا يعرفون ردة فعلك حول أي شيء أو انفعالاتك أو ما شابه! بعد انقضاء زيارة أبو النور كانت حالة حامد تثير الشفقة إذ بقي حزينا يسائل نفسه عما فعله ولكنه لم يجد جوابا...!
بعد أيام جاء صديق ثالث لزيارة حامد وراح الأخير يحدثه عما سمعه ولكن الضيف لم يفاجأ بل أكد له أنه سمع هذه التهمة من قبل...! سأله ولماذا أنا تحديدا؟ أجاب الضيف لا أعرف بدقة ولكن كل ما أعرفه أن المرحلة جعلت الناس كلها تخاف من بعضهم البعض، والتجربة علمتهم أن الأخ يجب أن يخاف من أخيه!
لم يعد شيئا في الدنيا يشغل حامد أكثر من كيفية إزاحة هذا الشك من أذهان البشر...! راح يفكر بأن تهمة تعاونه مع النظام، ومن أصدقائه وبدون سبب، لبسته. جال في رأسه الكثير عما يجب أن يفعله ولم يصل لنتيجة...فكر في كل ما يمكن أن يخطر لإنسان في موضعه ما عدا فكرة واحدة لم يعطها من وقته أو تفكيره وهي أن يجعل التهمة التي ألصقت به تتجسد واقعا هو لا يستطيع الانسجام مع نهج الفئة الحاكمة أو أن يكون بينهم أو واحدا منهم. بقيت الهواجس التي أشعلتها شكوك الأصدقاء به تقتله، كان يحاول أن يتخيل كيف ينظر إليه الناس أو كيف يتحفظون أمامه بالكلام فازداد غمه ولم يعرف ماذا يفعل ليثبت براءته أمام الناس أو كيف يزيل التهمة عنه! بقي يحاول أن يتناسى ما حصل معه ويتابع سلوكه لكنه لم يستطع أمام تساؤلاته الداخلية كيف؟ ولماذا؟ أهي حقا مسألة أنهم نادوني أعمى ونحن في الإعدادية وشكيتهم لإدارة المدرسة ما جعلتهم يظنون أنني أعمل مع المخابرات أم أن هناك أشياء أخرى لا يبوحون بها!؟ فكر لنفسه في أنه لم يتسبب في إيذاء أحد وأنه واحد من هؤلاء الناس ويحبهم ولماذا الشك به؟ أهم يستسهلون التهمة له لأنني مكفوف أم أن هناك شيئا آخر!؟
مضت أسابيع وهو منعزل في بيته يحاول الابتعاد ولكن الهواجس كانت أكبر من مقدرته على التحمل. ذات مساء وهو مستلق على فراشه راح يفكر أن الحل الوحيد لإثبات أنه لا يعمل لصالح السلطة الحاكمة هو في زيادة الانتقاد وفي كثر الكلام عن السلطة والفساد أمام الجميع، في اليوم التالي خرج من بيته بمصاحبة أحد الأقرباء الذي أوصله لمقهى يلتقي فيه عادة المهتمون بالثقافة وبالشأن السياسي، وما أن جلس حول طاولة حتى خاطبه أكثر من شخص ممن كانوا يجلسون في المقهى من قبل ويعرفونه فدعاهم للجلوس معه. لم يطل الوقت حتى بادر بالكلام عما تحمله أخبار البلد الداخلية وراح يحكي بصوت عال...وكأن لسانه انطلق وراح يحكي أكثر ويذكر أسماء مسؤولين من الحلقة الثانية في دائرة السلطة، وطغت طبيعته التي تحمل المبالغة المشهور بها فحين كان يعزم الناس لموائده كان يبالغ في ما هو موجود وفي تكرار العزائم للأصدقاء وهنا حين قرر أن ينتقد راح يصعد من انتقاداته... من كانوا يجلسون معه حول الطاولة اعتذروا وانسحبوا مسرعين وبقي بمفرده حول الطاولة. ابتعد الجميع عنه ونظراتهم توحي بزيادة الشك به وبدوافعه في الكلام إذ ظنوا أنه يتكلم هكذا لكي يوقع بهم حين يشركهم في الكلام. كان حامد مغتبطا في داخله لأنه استطاع أن يحكي ضد سلطة قمعية ولم يكن يدري أن تلك كانت هي الحد الفاصل الذي راح معه الجميع يفكر أنه، فعلا، عميل. ولكن ما حدث في اليوم الذي تلى كان مختلفا عن شكوك البشر فقد داهمت دورية مخابرات شقته في المخيم واقتادته معهم. في داخله كان يتمنى ألا يكون الأمر مجرد سؤال وجواب وإنما أن يكون هناك سجن حقيقي ليتأكد للجميع مكانه وأنه بريء من تهمة العمالة. وبالفعل قبع في السجن لفترة طويلة...من ناحيتهم الأصدقاء تأكدوا أنه مظلوم وأن لا أرضية لما اتهم به...عندما خرج من السجن بعد بضع سنوات لم يكن مكترثا لأخذ شهادة براءة من أحد ولم يكن حريصا على اللقاء بأحد. وراحت طبيعة الإنسان الطيب المهذب تطغى على شخصيته.

....................................................
[ملاحظة: لاعلاقة للمادة المنشورة أعلاه بأي شخص على أرض الواقع]



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هبلة
- خيبات
- حقيبة
- كارل ولغز الورقة
- غيرة آدم
- ولكتبي الضائعة حكايات
- رشيد
- نسوية، ونسوية خاصة
- عشق القيود!
- هناك تأتيه الأفكار!
- بر الأمان
- انتبه فجوة (Mind the gap!)
- أما كفانا موتاً ودماراً؟
- طال التفكير
- هروب معنون بالأخلاق العامة
- من يستحق المساعدة!؟
- وجاء الفارس
- دنيا ودين!
- هلوسات وحدة ووحشة
- هل تغلبت العاطفة في نظرة سعيد !؟


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - عميل