أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - عشق القيود!














المزيد.....

عشق القيود!


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 5638 - 2017 / 9 / 13 - 00:58
المحور: الادب والفن
    


بأمنياتنا المشروعة ولكن الخوف يجعلنا نراها تفوق إمكانيات واقعنا، بحركاتنا المرتعشة لعدم الثقة حيناً والمنضبطة بحذر حيناً آخر، وبأحوالنا المتخبطة نبدو وكأننا نقوم بدور مسرحي تتناهى حدود الفصل فيه ما بين الحياة كواقع نعيش فيه وما بين الأدب بمقاييسه وأدواره لدرجة لو أننا استطعنا أن نتصف بالمحايدة والموضوعية للحظة لاختلط علينا الأمر ولما عرفنا إن كنا نعيش حياتنا واقعاً أم أننا نلعب أدواراً مسرحية لشخوص بيكيت! هكذا نحن، وبقدر ما يبتعد بعضنا عن الدقة في الملاحظة أو التعالي على الواقع ليرى أن شخوص بيكيت ممسوخة مسخوطة من نواميس وقواميس هذا العالم ولا تمت لنا أو للعالم بصلة، بقدر ما هي تمثلنا في هذا العالم، بل وهي أفضل من يروي حكايتنا والعالم!
تبدأ شخوص بيكيت كلامها بما يدل على استمرارية لحوار شرعت به من قبل، وتنتهي بما يشبه ما بدأت به وتترك مجالاً لتخميناتنا أن الحوار سيتكرر ويلاك مراراً، ولن يخرج عن ذلك النطاق فلا البداية جديدة ولا النهاية تشير إلى ما يسدل الستار على ما بعد البداية. هكذا نحن لم نبدأ حين ولدنا وجئنا للحياة بل حكايتنا بدأت قبل والولادة وتستمر بمشاهد وفصول تتكرر؛ لقد أعدت قصتنا من قبل ولم نختر أي شيء في تفاصيلها مهما كانت، هويتنا موجودة إذ أن هناك من أعطانا الاسم وأورثنا اللون والحجم والطول بل والمرض، والأنكى أنه أعطانا العقيدة التي لا خيار لنا إلا بقبولها ولعب دور المدافع عن كل ما فيها ـ حب كان أم كراهية ـ بعالم واقعه ترقية نفسي وعدم قبول الآخر. من هنا فالولادة والموت وما بينهما ليسوا إلا مشاهد من أدوارنا في مسرحية الحياة نلعبها وليس لنا، بكل ما فيها من مرارة، أي هامش للتفكير في الدور. وحقيقة أننا شخوص تؤدي أدوارها يجعل من تساؤلاتنا أو تطلعاتنا أو طموحاتنا للتغيير إما محدودة ومقيدة أو أنها، وإن سبحت في فضاءات كونية، فإنها مرتهنة بقيود ذاتية مغروسة فينا بحكم كل شيء: العقل، المُقَولَبْ، الخاضع، المذعن أكثر من الواقع والحجم الذاتي والمحدودية في مقدراتنا. وكما شخوص بيكيت تتكلم عن الأمنيات ولكنها مسلوبة الإرادة نحن كذلك نتمنى الأفضل ونخرج أمنياتنا كلاماً وأشعاراً حزينة حتى ولو أردناها فرحة ـ ولكننا لا نستطيع أكثر من ذلك أو القيام بأي عمل حيال مرارة وبؤس ما نحن فيه وتنقصنا الإرادة بفعل الخوف الذي شربناه وارتضينا أن نعيش عليه! وإن كانت حركات ومضمون حوارات شخصيات بيكيت ليست إلا عبثية إذ تتفوه بالكثير وفي المحصلة النهائية تبدو وكأنها لا تنطق شيئاً، نحن كذلك نحكي ونحكي وتبقى أقوالاً أعجز من أن تجد طريقاً لتكون أفعالا أو أن تقوى على أكثر من النطق بالأمنيات.
وحين تبدو أهداف شخصيات بيكيت بلا معنى أمام محدودية مقدراتها ـ كما في معظم مسرحياته ـ وأمام افتقارها إلى استنباط الجديد بفعل توضّعها داخل دوامة لاهي تعرف ما بخارجها ولا هي تستدل على ما يخرجها منها، فتنحصر اهتماماتها وتضل طريقها وتعجز سبلها، تتحدث بادئة بما انتهت به ومنتهية بما بدأت به...تحلم بالجديد وتبقى قديمة، تنتظر ولكن المنتظَر(بفتح الظاء) لا يحضر فتنتظر وتنتظر حتى نسيت لماذا تنتظر بل وأصبح الانتظار يبدو هدفاً بحد ذاته لديها. هذا هو حالنا، نتمنى الخلاص ونرتهن لقيودنا، نثرثر عن الحرية ونقتل غرساتها لأنها ستأتي بما لا نعرفه، نريد أن نتقدم ونحجز لأنفسنا مكان في حافة البشرية ولكن سبيلنا إلى ذلك هو العودة لأفكار الماضي، نتغنى بأمة لا كانت يوماً ولا هي ستكون ـ وفقاً لكل المعطيات، نجرح الآخر بشتائمنا ولكننا لا نقبل من أحد أن يرينا ولو بلطافة الثقب الذي تتسرب من خلاله المياه إلى قاربنا، نتكلم عن الحب ونمارس الكراهية، نريد أن نسير والدروب أمامنا لكننا وضعنا لكل واحد منها معوقاته التي لم نرها ولم نعرف عنها ولكننا أقنعنا أنفسنا بأن المعلوم خير من المجهول وما نعرفه أفضل مما نتعرف إليه؛ نريد الحياة ولكننا لا نقدر على مفارقة هواجس الموت، لقد أصبحنا أسرى لهلوساتنا عن الماضي والحاضر والمستقبل، عن الصداقة المفقودة والعداوة الدائمة، عمن نحن من عالم لسنا جزءاً منه بل يجب أن نجد حلولنا ليكون ذلك العالم جزءاً منا! ننتظر وسننتظر الحل ولكن الحل لا، ولن، يأتي. نشتكي ونتذمر وننسى أن ما ننتظره هو ما سنصنعه أو، بالأدق، ما لن نصنعه بسلبيتنا وغيابنا؛ نتمنى ونتمنى وتنتهي أمانينا بكلام يتلاشى فور نطقنا به؛ نتمنى التغيير ويبقى ذلك حلماً لن يتحقق بفضل وسائل عملنا؛ فننتظر وننتظر إلى ما لانهاية ونعبث بكلامنا مثل شخوص بيكيت، بل نتفوق عليها في العبث ونوغل أكثر منها في السلبية لأن حركتها وحواراتها ومحدودية أفقها ودوّامتها تبقى، ببساطة، حصيلة هندسة وتصميم كاتبها وأما ما يناظر ذلك لدينا فهو من داخلنا وليس بفعل كاتب يضبط خطواتنا وتفكيرنا، فالعقم يبقى، إلى أبعد الحدود، مسؤوليتنا، ونساهم أكثر من غيرنا بخلق "حبسنا" الذي نعجز ليس فقط عن كسر جدرانه والخطو بعيداً عنه بل وأيضاً نفشل في رؤية أو تخيّل ما يجري خارجه. لقد حصرنا أنفسنا في دوامة تبدو أبدية ما دمنا ننشد ما قد تجيء به الرياح! بل وسنقاوم من يحاول مساعدتنا على كسر حواجز وقيود نشتكي منها كلاماً ولكننا نعشقها ولا نقوى على العيش من دونها حقيقة! سنبقى نشتكي محاولين جهدنا أن تبدو مشكلتنا تكمن في التضاد الحاد بين الموجود وبين المنشود ولن تنكسر أطر عبودية ارتضيناها ولن تتصدع دوامة الخوف من المستقبل المجهول!



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هناك تأتيه الأفكار!
- بر الأمان
- انتبه فجوة (Mind the gap!)
- أما كفانا موتاً ودماراً؟
- طال التفكير
- هروب معنون بالأخلاق العامة
- من يستحق المساعدة!؟
- وجاء الفارس
- دنيا ودين!
- هلوسات وحدة ووحشة
- هل تغلبت العاطفة في نظرة سعيد !؟
- الرجل المناسب
- لو كان له جنّته!
- لقد فاتني أنه وقت دفن الموتى!
- لعله يأتي من المجهول!
- رحلة في البحث عن الدفء والحنان
- عروس وعريس
- عالمه الكبير
- رماد
- ليتها كانت حبيبة شاكر!


المزيد.....




- دعوات من فنانين عرب لأمن قطر واستقرار المنطقة
- -الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال ...
- ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل ...
- صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...
- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - عشق القيود!