أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - انتبه فجوة (Mind the gap!)














المزيد.....

انتبه فجوة (Mind the gap!)


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 5597 - 2017 / 7 / 31 - 00:14
المحور: الادب والفن
    


قبيل العصر ختم سليم تسكّعه في الشوارع والمحال التجارية ونزل الدرج المؤدي لإحدى محطات قطار الأنفاق في لندن وتوقف على الرّصيف محدّقاً في عيون الناس والأفكار السريعة تتقاذف رأسه بين من يريد أن يظفر بابتسامة من عيون الذين يراهم من حوله، فهم يوزعون الابتسامات بمناسبة أو بدونها، وبين من يريد، لسبب أو لآخر، أن يقارن نفسه بأي منهم. أخذ يسترسل في سرّه أكثر:
ــ يبتسمون ولكن قلوبهم لا تبتسم مثل وجوههم وإلا لشعرت أنني واحدٌ منهم فقد جئت هذا البلد قبل عقودٍ، عشتُ غريباً وسأبقى غريباً كما يبدو لي...! كلّهم لديهم وظائف وهناك ما يعملون به إلا أنا، وجميعهم يعيشون الحياة التي تليق بالبشر إلا أنا، لا أعمل وأعيش بدون زوجة أو حبيبة أو حتى صديقةٍ عاديّة...! هذا موظف في مصرف كما يبدو من قبعته وربطة عنقه كان ينزل الدّرج مسرعاً لعلّهُ يريدُ أن يصل بسرعةٍ إذ لا بدَّ وأنّ هناك من تنتظره في البيت على نار وهو يسرع للقائها، وذاك يقرأ في جريدة لأنه لن يجد الوقت الكافي في البيت إذ أن هناك من ستملأ وقته فور وصوله، وتلك المرأة فرحةٌ لأنّها ستكون بين أحضان من تحب، وتلك، يا لها من...! كم هو محظوظ من يرى تلك الغزالة في وجهه! أما أنا فسأذهب إلى مكاني الوضيع، أدير التلفاز وبعد قليلٍ أنامُ! لقد خرّبتُ حياتي بنفسي؛ كنت جاهلاً حينما أتت تلك التافهة لبلدي، لم تكن أجمل وجهاً من أيٍّ من الفتيات اللواتي كنَّ يتمنين الزواج مني في تلك الفترة ولكنّني أردت أجنبية لأنني ظننتها أفضل من بنت البلد، كنت أعمى ولم أفكر أنها تكبرني بعدة سنوات، كنت أحمق عندما تركت بلدي في سبيل أن أكون معها! كيف لم أفكر بأن لا أمان منها أو معها؟
جاء القطار وتوقف وسمع من مكبّرات الصوت ما ينبه للحذر من الفجوة بين الرصيف وبين عتبة النزول أو الصعود للقطار (Mind the gap!) صعد إلى العربة المقابلة ورأى عدة أماكن شاغرة فجلس في واحد منها. على الجهة المقابلة جلس عدة ركّابٍ معظمهم كانوا يقرؤون الجرائد أو الكتب وفي الوسط كانت تجلس فتاة لا تتجاوز السابعة عشر من العمر بيدها كتاب. نظر سليم إليها وراح يتأملها ويراقبها وهي منسجمة في قراءتها، تمعّن في شعرها الأشقر الناعم، جبينها الجميل بشرتها الصّافية...قال لنفسه: "ما أجملها!" ثم راح يتأمل شكل جسمها وكيف يبدو بـالبنطال الأسود الضّيّق وكيف تجلس خفيفةً أنيقة جميلة، كرّر في نفسه: "ما أجملها! رباه لماذا حرمتني من مثل هذه الفتاة في حياتي؟ لماذا رأيت فقط تلك الشمطاء التي كرهتني فور انتهاء عقد عملي وعدم رغبة الشركة المشغِّلة في تجديده؟ فجأة رفعت الفتاة عينيها عن الكتاب فرأته ينظر إليها والتقت عيناهما ابتسمت الفتاة ثم عادت إلى القراءة، شعر بالارتياح وقال لنفسه: هذه أوربية تفهم الحياة وليست مثل تلك العربية التي كرهت نفسي بسببها، لقد كانت وقحة حين نظرت إليها وهي جالسة فوقفت وقالت: "عمو اتفضل قعود محلي!" كانت هي المرة الأولى التي أشعر بها أنني كبرت في السن، أما هذه الفتاة فهي تبتسم، إنها راقية. من جديد رفعت الفتاة عينيها عن الكتاب ونظرت إليه نظرةً عابرة ثم عادت لقراءتها. شعر بالانتشاء وكرّر في سرّه: "ما أجملها! ربّاه لماذا حرمتني منها ومن أمثالها؟" راح يفكّر لو أنه يستطيع أن يختلي بها ويشبع من الابتسامة الجميلة التي علت وجهها حين نظرت إليه! لو أنه يستطيع فعل أي شيء ليتمتع بأكثر من مجرد ابتسامة، لكنّها صغيرة وأنا أكبرها بعقود وليس بسنواتٍ فقط! فكر في نفسه. لو أنني أٍستطيع أن أختفي ولا يراني أحد عندها أستطيع أن أتسلل إلى حيث تكون فأكون وحيث تعيش فأعيش وأراقبها في كل شيء فأكون معها في سرّها وفي خلوتها بنفسها، وحين تستحمّ أستحمّ معها ونستحمّ ببعضنا دون أن تراني، ولكنها رقيقة ولا تستحق أن يباغتها من لا تراه ولا تعرف من هو! لو تحصل معجزة لتكون لي ومعي! لو أني أستطيع أن أسترق خيطاً مما تلبسه ويستحسن شعرة من شعرها لآخذها إلى الشيخ المغربي الذي يسكن في أحد ضواحي لندن فيكتب لها الحجاب ويصنع سحره فتأتيني راكعةً كما أتت تلك الفتاة العربية إلى زيد! ولكن ربما لا يكون للسّحر مفعوله مع الأوربية كما مع الفتاة العربية! راح ينظر إلى الفتاة أكثر فأكثر ومخيّلته تعمل مرة على حملها بين يديه وأخرى على تعريتها. راح يفكر أكثر لو أنه يعرف السبيل إلى مكان عيشها أو دراستها وفي لحظة مواتية يضع بضعاً من محلول القطرات الاسبانية وهي ستهجم عليه وسيرتوي! لو أن معجزةً تخدمه كأن يكونا على متن سفينة تتحطم وتغرق بمن فيها ويكونا الناجيين الوحيدين ويساعدها ليسبحا إلى جزيرة ليس بها من مخلوق سواهما. تابع يحدث نفسه "لن أفعل شيئاً في البداية وسأتركها تعيش بالقرب مني دون أن أشعرها أنني أفكر بأي شيء مما يدور في رأسي، ولكنها كشابة صغيرة ستتحرك غريزتها وتقترب مني وسنفعل كل شيء. لو أنني أنفرد معها في أي مكان! لو أن زلزالا يضرب المنطقة ويموت الجميع ونكون هي وأنا بمأمن بعيداً عن كل شيء عندها ستلتصق بي طلباً للأنس! لو أن حرباً نووية تنشب ويموت الجميع عدانا...ما أجملها! قال لنفسه من جديد. رفعت الفتاة عينيها عن القراءة من جديد ولاحظت أنه يراقبها فلم تكترث له. تباطأ قطار الأنفاق وتوقف في المحطة التالية، نهضت الفتاة من مكانها وهي تغلق كتابها واضعةً العلامة التي تشير لمكان وصولها بالقراءة ومشت باتجاه باب لقطار لتهمّ بالنزول تراقبها عينا سليم متمنياً أن يتبعها قبل أن تنزل وتغيب وسط الجموع من الصاعدين والنازلين. من جديد انطلق الصوت المسجّل محذّراً الرّكّاب بأن ينتبهوا للفجوة. (Mind the gap!)



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أما كفانا موتاً ودماراً؟
- طال التفكير
- هروب معنون بالأخلاق العامة
- من يستحق المساعدة!؟
- وجاء الفارس
- دنيا ودين!
- هلوسات وحدة ووحشة
- هل تغلبت العاطفة في نظرة سعيد !؟
- الرجل المناسب
- لو كان له جنّته!
- لقد فاتني أنه وقت دفن الموتى!
- لعله يأتي من المجهول!
- رحلة في البحث عن الدفء والحنان
- عروس وعريس
- عالمه الكبير
- رماد
- ليتها كانت حبيبة شاكر!
- بقع سوداء على القميص الأبيض
- لعب في العالم الافتراضي
- وتاريخها يبدأ بظهوره


المزيد.....




- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - انتبه فجوة (Mind the gap!)