أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الانقلاب المبارك














المزيد.....

الانقلاب المبارك


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6789 - 2021 / 1 / 15 - 21:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إياك أن تصدق أن الضباط الأحرار كانوا يجتمعون سراً حول مائدة مستديرة داخل غرفة معتمة ويخططون لثورة تقلب نظام الحكم الملكي إلى جمهورية اشتراكية. بروباجاندا. كل ما في الأمر تمرد، "حركة مباركة"، شكل من أشكال الاحتجاج متعدد الوسائل. كان المجتمع المصري كله آنذاك على صفيح ساخن، ملتهب. جل الأحزاب السياسية، الحركات السلمية والعنيفة، النقابات والاتحادات المهنية، حتى الطوائف الدينية كانت جميعاً تتلظى وتنتفض من فوق هذا الصفيح الساخن، لدرجة أحرقت معها القاهرة كلها في يناير 1952، قبل بضعة أشهر فقط من انطلاق الحركة المباركة. مثل غيرهم، كان الضباط المصريون في الجيش الملكي يشتكون الغبن، واحتجوا مثلما احتج الآخرون، وتمردوا. وكل تمرد بوسائله، وكان السلاح وسيلة الضباط الأساسية. وهكذا فعلوا، حملوا أسلحتهم وانطلقوا.

الأقرب إلى الصدق أن "حركتهم المباركة" تلك ما كانت تنشد أكثر من تقويم لشكوى مهنية، مثل تخطيهم في الترقيات لحساب الضباط من أصول ألبانية وتركية وأجنبية، أو طلباً لزيادة رواتبهم ومعاشاتهم، أو على أقصى تقدير إعطائهم العرفان والتقدير الواجب أسوة بالنخبة العسكرية ذات الأصول الأجنبية. مجرد مظالم مهنية. والأقرب إلى الصواب كذلك أن النفسية والعقلية العسكرية الاحترافية يتم تنشئتها عادة بعيداً عن خطوط التماس المباشر مع جموع الشعب ومشاكله وهمومه وقضاياه. لذلك، كانت العقلية العسكرية الاحترافية ولا تزال قاصرة عن بلورة تصور جامع ومتماسك ومعقول عن هموم وقضايا مجتمعها، حتى وهي تعيش في قلبه. هذه مهمة الساسة المدنيين، والضباط المحترفين المنضبطين ليسوا كذلك.

حتى هذه النقطة، نحن في قلب انقلاب عسكري بمعنى الكلمة ولا وجود على الإطلاق لفكرة الثورة، أو إلغاء الملكية وإقامة الجمهورية الاشتراكية أو العدالة الاجتماعية أو الكرامة أو التحرر أو أي شيء من هذا القبيل. كل ذلك دعاية، أضيفت تالياً وتدريجياً وببطء لخلق صورة وتجميلها. في الواقع، تحرك الضباط حاملين أسلحتهم، قاصدين مفاصل ومراكز السلطة المركزية، وليس في مخيلتهم أكثر من الاحتجاج وجبر الغبن الواقع بحقهم. لم يدر بخلدهم إطلاقاً أن يطيحوا بالملك، وما من مستندات موثوقة بتاريخ سابق على 23 يوليو 1952 تثبت أنهم كانوا قد تباحثوا أو تداولوا في مثل هذه الأمور من قبل. كل المستندات ظهرت فيما بعد، بتواريخ متأخرة. حتى بعد نجاح الحركة المباركة، لم يطالبوا بإسقاط الملك؛ وحتى حين أجبروه على المغادرة، نصبوا مكانه وريثه الشرعي، ابنه، ملكاً عليهم. هذا، يقيناً، يؤكد أن فكرة الجمهورية أو الاشتراكية أو الثورة أو غيرها من شعارات ومبادئ ثورة يوليو لم تخطر لا على بال الضباط الأحرار ولا على بال أي أحزاب أو مراكز قوى أخرى في مصر خلال تلك المرحلة المبكرة. كل ذلك تشكل تدريجياً وببطء، بمرور الزمن وتفاعل الأحداث والمعطيات المحلية والاقليمية والدولية.

هكذا، من دون خطة مسبقة، وجد الضباط الأحرار أنفسهم وجهاً لوجه أمام حكم دولة، دولة كبيرة ومهمة ومؤثرة، عربياً وإقليمياً ودولياً. مأزق. ماذا أنتم فاعلون، حتماً تساءل الضباط فيما بينهم في ذهول. الانقلاب العسكري يستطيع أن يوصلك بسهولة إلى سدة الحكم، لكنه لا يستطيع وحده أن يبقيك فيها أكثر من ربما بضعة أسابيع أو أشهر. صحيح أن أغلب أنظمة الحكم عبر التاريخ قد وصلت إلى السلطة ووطدت حكمها وسيطرتها عبر وسائل القوة، لكنها لا تستطيع أن تعمر طويلاً باستعمال القوة الخام فقط، بل يتعين عليها إعادة تصنيع القوة وتعبئتها وتغليفها في منتجات أخرى متنوعة وعلى درجة من الجاذبية والتماهي مع الذوق العام حتى تؤمن لنفسها درجة معقولة من القبول والرضا العام ومن ثم عدم التمرد ضد حكمها. نحن أمام ما يمكن أن نسميها "مسألة الشرعية". في تثبيت الشرعية، تلعب القوة الغاشمة عنصراً بالغ الأهمية في مراحل النشأة الأولى على الأقل، مع ذلك لا توجد ولا يمكن أن توجد شرعية تعتمد فقط على القوة الغاشمة. حينئذ، ستتمكن قوة أخرى أشد غشماً من طرد النظام الجديد من الحكم بنفس سرعة وصوله إليه وتبدأ لعبة الانقلابات، انقلاب ضد انقلاب. لكن الشرعية، من نوع أو آخر، هي وحدها القادرة على أن تضع نهاية لهذه اللعبة الجهنمية. وكلما اتسعت رقعة الشرعية وتنوعت روافدها كلما تمكن نظام الحكم من توطيد أركانه أعمق في مجتمعه، بسهولة أكثر وثمن أقل.

وماذا تعني الشرعية؟

ببساطة شديدة جداً، معنى الشرعية يكمن في الإجابة على السؤال التالي: "لماذا تحكمنا؟"
إما أن تكون:
- ابن الملك الشرعي وولي عهده الشرعي، ومن ثم قد ورثت منه الحكم وفقاً للأصول المرعية في هذا الشأن؛ أو
- الرئيس المنتخب في انتخابات حرة ونزيهة، ومن ثم انتقلت إليك السلطة والحكم من الرئيس السابق المنتهية ولايته؛ أو
- نائب الزعيم والقائد، خليفته الشرعي والوحيد بناء على تعيين وتذكية شخصية منه قبل وفاته، ومن ثم آلت إليك السلطة والحكم.

إذا لم يكن أي مما سبق، لماذا تحكمناً إذن، ولماذا تنتظر منا أن نطيعك، مع العلم أن ادعاء امتلاك القوة وحدها لا يكفي.

عند هذه النقطة، إما أن يتحول الانقلاب العسكري إلى ثورة شعبية، أو يصبح الأمر مسألة وقت حتى يدبر انقلاب جديد لإزاحة الأول عن سدة الحكم.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمال وثورته
- الأنبياء المؤسسون
- ابن الله
- وطن عربي حقاً؟
- وما نيل الأوطان بالتمني، لكنها تؤخذ غلابا
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُُ حياة 7
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُُ حياة 6
- وحي السماء
- قول الصدق
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُُ حياة 5
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُُ حياة 4
- سلام على إسرائيل
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُُ حياة 3
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُُ حياة 2
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُُ حياة 1
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُ حياة
- أنا الإنسان، أنا الوطن: خَلْقُ حياة
- كل شيء هادئ على البر الغربي للأحمر
- مقاربة جديدة إلى النكبة الفلسطينية في ذكراها السبعون
- الانتحار العربي في سماء نيويورك


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الانقلاب المبارك