أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - علماني … ولكن ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

علماني … ولكن ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 6778 - 2021 / 1 / 4 - 11:56
المحور: الادب والفن
    


انا شاب متحرر ، وعلماني الهوى ، والثقافة حتى النخاع .. هكذا كنت أُقدم نفسي ، وأصفها امام اصدقائي ، ومعارفي ، وهكذا عرفني الناس رغم اني لم اختبر صدق ، وثبات علمانيتي ، وتحرري على ارض الواقع … خطبت الانسة رجاء ، وبعد حصول الموافقات ، وانتهاء الترتيبات التقليدية بمثل هكذا مناسبات .. سمح لنا اهلها ان نخرج في سهرة بسيطة على العشاء لوحدنا ، وهي فرصة لنا لنتعارف … !
كانت مناسبة جيدة لاختبر نفسي ، وآرائي ، واضعهما على المحك ، وكانت الخطوة الاولى عندما اخذت رجاء رأيي في نوع الملابس التي تنوي ان ترتديها في السهرة ، وما اذا كانت ثمة ملاحظات عندي او تحفظ معين … اعتبرت هذا اهانة لمبادئي التي تصورتها ثابتة .. فقلت لها بانني اترك لها كامل الحرية في ان تلبس ما تريد ، ولا احب ان اضغط عليها في أمرٍ بسيط كهذا … فرحتْ ، وذهبت لكي تجهز نفسها !
الستُ علمانياً حتى النخاع ؟!
اطلّت عليَّ ، وهي في كامل اناقتها ، وجمالها ! ترتدي ثوبا صيفيا موشى بالازهار يكشف عن ذراعيها ، وجزء غير يسير من نحرها ، ومفتوح ببذخ من الامام في منظر بدا لي خليعاً … انا المدعي العلمانية ، والانفتاح ، فكيف بالناس الاخرين .. الرجعيين ، والمنغلقين كما نطلق عليهم ، وعلى تراثهم ، وهم السواد الاعظم من المجتمع … ونحن بالتاكيد لسنا وحدنا على هذا الكوكب ؟!
ذهبنا الى مطعم اقترحت اسمه رجاء بتوصية من صديقتها ، كما تقول ، يرتاده الناس من كل الطبقات تقريبا ، لكنه بالعموم يصنف درجة اولى … اخذتْ مكانها مقابل كرسيي ، وهي لا تكف عن التحديق فيّ ، وبالزبائن من الجانبين ، والابتسامة لا تغادر شفتيها ، والسعادة تكاد تفر من عينيها … كل شئ كان رائقاً كأننا نقف على حافة حلم جميل … 􏰫يرفع الزبائن رؤوسهم ، ويرمقوننا بنظرات خاطفة يعودون بعدها للمضغ ، والتهامس ! نختار مكانا بعيدا نسبيا عنهم .. كنا لا نرغب في ان يستمع الى حديثنا احد … جاء نادل ممسكاً بقلم ودفتر .. تلقى الطلبات .. اشعل شمعة في وسط المائدة ، وانصرف .. تأملتها مسحوراً ، واحتضنت يديها بيديي … شعرت بمدى رقتهما ، وبمدى الكنز الذي فزت به … فتاة تبدو مثل زهرة متألقة غاية في الجمال ، والرقة ، والثقافة …
كنت بدون شك في غاية السعادة .. حاولتُ تناسي مسألة الملابس المتحررة ، والتي تُظهر مفاتن خطيبتي ، وزوجة المستقبل … قالت بانها تؤمن بحق المرأة في الحرية ، ولا تؤيد مصادرة حريتها بأية حجة … قاطعتها بادب جم ، وكأنني أُكمل ما بدءت :
المسؤولة ، والمنضبطة …
اومأت برأسها تأييداً لما قلت ، واسترسلت :
فرحت عندما عرفت بانك علماني منفتح ، وليس لديك عقدة الماضي في حجر المرأة في قفص ذهبي ، وتسيير حياتها بعقلية الذكر ! أومأتُ برأسي مستعذباً كلماتها ، ومتمتعا بآراءها …
الستُ علمانياً حتى النخاع … ؟
تأخذ راحتها في الجلسة ، وكأنها قد اعتادت على تلك الاجواء .. عكس ما كانت تقول بأن اهلها لم يتركوا لها حرية الخروج ، واختيار نمط الحياة التي ترغب … اما الان ستكون على ذمة رجل متحرر ، وهو اقصى ما كانت تريد ، وتتمنى … ثم أكملت ، وهي تبتسم في انشراح … انا سعيدة ، بل بغاية السعادة …
لا أُخفي سرا اذا قلت بانني قد تضايقت كثيراً من حماسها المفرط ، وتحميلها علمانيتي المسكينة مسؤوليات قد تنوء بحملها … سألتها :
هل سبق وان جئتِ الى هنا ؟ لا تنتبه لسؤالي او لعلها تجاهلته ، ولما لاحظتْ بأنني استمريت محدقا بها بانتظار الرد اجابت باقتضاب ، وبنبرة فيها شئ من التردد ، والبرود :
لا …
تجلس مقوسة الكتفين الى الامام قليلا ، ومرفقيها مرتكزين على المائدة … ومن خلال فتحة ثوبها الامامية تظهر منابت نهديها بوضوح في مشهد مثير للغاية … تتولد داخلي رغبة عابرة سرعان ما تنطفئ … اشعر بعيون الجياع من حولنا ، وقد بدءت تُحدق … شعرت بالتوتر ، والضيق ، واحسست بان معتقداتي في خطر ، وكم بدت لي في تلك اللحظة متداعية ، وهشة ، وعلى وشك الانهيار !
بقيتْ هي ساكنة غير مبالية بما يدور حولها ، ولا بنار الغيرة ، والغضب المشتعلة في داخلي … اتأملها من خلال ضياء الشمعة امامنا ، ارى وجهها الجميل هادئاً مسترخياً سعيداً … اقابلها بدوري بابتسامة مشجعة حاولتُ ان تكون مسالمة ، ومهذبة … اردت منها ان انال بها رضاها ، واحضى باعجابها … !
حدثتُ نفسي .. هل ادعيتُ أشياءً غير موجوده عندي ، وهل انا فعلاً منفتح ، واتقبل ان تلبس زوجتي ما يحلو لها دون تدخل مباشر مني ، وهل ساتقبل خلاعتها هذه بعد الزواج ، واتجاهل المجتمع المحافظ الذي نعيش فيه … ؟ لا ادري لحد الان … لكني شعرت بخيبة امل من اول اختبار يبدو انني قد فشلت فيه … ! وتوصلتُ الى قناعة بان التناقض في الاراء بين النظرية ، والتطبيق ، لا يمكن ان يوَّلد سلاماً داخلياً ! كما قررت ان لا أُقيم ميزان حياتي على الاحلام … !
بدءتُ اتضايق اكثر عندما لاحظت شابا يجلس مع صديق له قريباً منا … مدعياً بانه ذاهب الى الحمام ، وهو يختلس في طريقه نظرات مفترسة بعينيه المتحفزتين على نهدي رجاء ، وجسدها الابيض البض اللذان اصبحا منظراً مشاعاً للجميع … تلقيت وقتها دفقة من انفعالات مفاجئة … تسري في بدني رعدة هزتني كأنما مسني تيار كهربائي … ! حدجتهم بنظرات استنكار من عيون منكسرة …
تسائلت : هل هذا هو مفهوم الحرية عند المرأة الشرقية ، ان تتعرى امام الجميع بهذه الطريقة المبتذلة … ؟
عاد الشاب من الحمام ثملا باستهتاره ، وكأنه قد همس في اذن صديقه الذي قام هو الاخر ، وكرر ما قام به الشاب الاول ، وكأننا قد اصبحنا مشهداً لا يفوَّت للجياع من رخيصي الشهوات … تضايقت كثيراً ، وكنت على وشك ان اقوم بعمل يتناقض مع ما ادعيته من تحرر ، وانفتاح ! روحت عن انفعالاتي بضربات خفيفة رتيبة على اطراف المائدة … عاجلتني : متوتر … ؟ حركت رأسي نافياً … !
والمفاجاة الكبرى حدثت عندما انتصب امامنا فجأةً شاب وسيم انيق ، والقى التحية ، وهو يبتسم ابتسامة ذات معنى ، ووجه كلامه الى رجاء مباشرةً ، وكأنه يعرفها منذ زمن ، ثم عرفتني به بصفتة زميلاً كان معها في الكلية … تبادلا الابتسامات ، وعبارات المجاملة ثم غادر … تسري في داخلي رعدة خفيفة ، وكأن بهجتي قد فَسُدت …
لم استطع ان أُمسك نفسي فسألتها اذا كان بينهما شئ ما … تضايقت من سؤالي ، وتغير لون وجهها الواضح امامي تحت نور الشمعة التي تطلق شعاعها بوجهها فتعكس جماله ، وروعته … نفت ذلك .. ثم انطلقت بدفقة توصيات ، وهي تحاول ضبط انفعالاتها : مجرد زماله … لا اريدك ان تتصور اشياء لا وجود لها ، ولا تحفر في الماضي ، ولا تسمي الاشياء بغير اسمائها !
أدركت بأن الشك قد وجد ثغرةً بيننا ، ونفذ منها … !
فجأةً.. أخذ وجهي شكلا جامداً متيبساً ، وساكناً … ثم توقف سريان الكلام ، وساد صمت ثقيل على الجلسة التي يبدو ان التوتر ، والبرود قد بدءا يسيطران عليها ! تناولنا عشاءنا بصمت ثقيل ، وانشغلنا عن بعضنا بالطعام … كان عقلي خلالها مشغولاً ، دائم التفكير … بحثا عن قرار نهائي لا رجعة فيه !!



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إستعادة الحب من مخالب الكبرياء … ! ( قصة قصيرة )
- دعوني لأحزاني … ! ( قصة قصيرة )
- إمرأة بمئة رجل … ! ( قصة قصيرة )
- زوجة نائمة في العسل … ! ( قصة قصيرة )
- ما وراء الشمس … ! ( قصة قصيرة )
- من قتل فائزة … ؟ ( قصة قصيرة )
- الظاهرة الترامبية العابرة … !
- انتفاضة تشرين … مخاض أملٍ جديد ! ( قصة قصيرة )
- غرباء في هذا العالم … ! ( قصة قصيرة )
- حُلمٌ … مخجِّل ! ( قصة قصيرة )
- من هنا مرّت فاطمة … ! ( قصة قصيرة )
- القمار ، وعواقبه … ! ( قصة قصيرة )
- التطبيع خيار سلام … ام مشروع فتنة ؟!
- جنون ، وضياع … ! ( قصة قصيرة )
- الشعوب العربية … آخر من يعلم ، وآخر من يهتم !
- المصالحة الفلسطينية … الحلم !
- هل اصبحت الحرب مع ايران قدرا … لا مفر منه ؟
- عودٌ على بدء … !
- هل يمكن ان يعيد التاريخ نفسه في 2024 ، ويفوز ترامب !
- هل يمكن ان تكون الانتخابات الأمريكية … مزورة ؟


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - علماني … ولكن ! ( قصة قصيرة )