أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - أبو العلاء المعري وخليلهُ المتعري في رواية القرنفل التبريزي...















المزيد.....

أبو العلاء المعري وخليلهُ المتعري في رواية القرنفل التبريزي...


احمد جمعة
روائي

(A.juma)


الحوار المتمدن-العدد: 6712 - 2020 / 10 / 23 - 16:29
المحور: الادب والفن
    


عندما تهبط من سماء الواقع وتصادف ما يجري خيال، انتبه فقد يكون ذلك في مدينتك أنت، مثلما وقع في معرّة النعمان بإدلب، وقد اختلط عليك الوقت ومعه اختلطت أوراق الزمن وتشابكت الوقائع بين زمن أبو العلاء المعري، وزمن خليل مطر...التقريبية حالة نادرة بين زمنين، عتيق وحديث...بين حقبة رفعت الرؤوس للعلاء وحقبة جزرت الرؤوس بما فيها رؤوس التماثيل!! ما جرى بإدلب وتلاه من تداعيات وُلدت رواية كسرت المألوف ومعه المسكوت عنه في الثالوث المحرم...الدين، الجنس، السياسة...رواية فلسفية تهبط من سماء المحرم بالاقتراب إلى استعراض المسكوت عنه بلا حدود... ماذا يختلف عنه الأعمى عن البصير، إذا ما أغلق العقل؟ هناك أعمى يرى كلّ شيء وبصير لا يبصر أمام قدميه حتى لو شبت النار...بذيل ثوبه.
رواية "القرنفل التبريزي-أبو العلاء المعري" تروي ما خفي أعظم من حولنا...وكيف قطعت رؤوس وانتزع الحب وسقط العالم في معرّة النعمان...وصمت الجميع...اكتفوا بالفرجة بينما كان من شأنهم التدخل لوقف الانحطاط الحضاري!!
تقع الرواية الصادرة عن دار الفارابي بيروت في 646صفحة حجم الوسط، تتناول مقاربة بين أبو العلاء المعري وخليل مطر، الشخصية العصرية التي تزور المعري في مسقط رأسه بمَعّرة النعمان، حيث انتزع رأسه عن تمثالهُ في اسقاطٍ رمزي على واقعٍ سريالي يقارب ما بين وجودية المعري من الكونِ والعدم، والشكّ والمرأة مع الشخصية العصرية خليل الذي درس الأدب بجامعةِ حلب واقترن بامرأةٍ حلبية وعاد بها للديار، لتكون محوّر حياته هي والمعري الذي لهُ موقفه من المرأة.
شخصيتان رمزيتان متصادمتان مع العالم، شخصية المعري في عزلتهِ الكونية، الأزلية، وشخصية الآخر الوجودية المنسلخة عن واقع الحياة اليومي عبر رحلة خيالية إلى حقبة المعري ليكتشف هناك أنهُ لا فرق بين ذلك الواقع الذي كفر ونبذ المعري، وهذا الواقع الراهن الذي قطع رأس تمثال المعري.
يعبر الاثنان طريق، شائك بالحصار الفكري والروحي والعزلة التي تقود إلى محاولةِ الوصول إلى مرفأ في الصراع بين الشكّ واليقين، فالأول تصدمه رؤية الظلم والجهل فيلجأ إلى العزلة النهائية، والثاني يظل في صراع بين الشكّ واليقين، بين الانفتاح الذهني والقبو الديني.
يرتبط الاثنان بعلاقةٍ غرائبية مع المرأة، تقودهما لمغامرة، كره الأول لها واستسلام الثاني لها، في موازاة عالم يضج بالصراع الدموي الذي دمر روح الإنسان ودفنه في غربة حتى وهو داخل الوطن، لأن الضياع كان في الذات قبل أن يكون في العالم الذي حوله.
من الرواية

- قصائدي محظورة، وفراشات حديقتي التي كانت تضفي رونقاً، ممنوعة، وكتبي أضرمت، وتريد مني أن أرقص جذلاً؟ لأي شيء نرقص ونغني؟ للخوف؟ أو للجهل؟ أم للعزلة التي نحن فيها؟
كانت تلك آهاته قبل أن أَصلهُ، كنت اسمعها تترنم في فضاءٍ زمني وما زلت بطريقي إليه. عندما بلغت دار المَعّرة شَمّمتُ رائحة الورق القديم تنبعث من حولي فأيقنتُ أنّي اقتربت من صومعة أبي العلاء المعّري...
- رأيتك أبي العلاء، من نافذة الزمن تتأمل مبتئساً وكأن الحال واحدةٌ، هنا وهناك، هنا الفقراء لا يأكلّون الكرز والأغنياء يزرعونه، الفقراء لا يدخلون الجنة لأنهم يؤمنون فيها والأغنياء يدلفون الجنة لأنهم اشتروها، رأيتك تتحدى السماء وتحطم الأصنام وتشكّ بالمرأة وتزهد بالحياة، ورأيتُ ذاتي مثلك حطمها جحيم الآخرين، ونبشوا جثة الزمن واستخرجوا أحشاء الحقيقة، رأيتُ الكثير فقررت المجيء إليك.
ابتسم المعّري لأول مرة منذ سنين، وقهقه لوهلةٍ وقد تكون الأخيرة، زَفَرَ وتنهّد واستلقى بجسمه على كنبةٍ مجوسية، مطرزةٌ حواشيها بالأزهار، وأسند رأسهُ على الجدار، وقال بنبرةٍ ملئها السخرية:
"من ليَ أن أقيمَ في بلدٍ أذكرُ فيه بغير ما يجبُ، يُظَنّ بيّ اليُسرُ والديانة والعلمُ، وبيني وبينها حُجُبُ، كلّ شهوري عَلىّ واحدةٌ، لا صَفَرُ يُتّقى ولا رجبُ، أقررْتُ بالجهل، وادّعى فهَمي، قومٌ، فأمري وأمرُهم عجَبُ، والحقّ أني، أنهم هدرٌ، لستُ نجيباً، ولا همُ نجُبُ، والحالُ ضاقتْ، عن ضمِّها جسدي، فكيف لي أن يضمّه الشّجَبُ؟ ما أوسعَ الموت، يستريح به الجسم المعنّي، ويخفتُ اللجَبُ"
نادى على صبيّهِ حمزة وأمرهُ بإيقاد الشموع، لم يسأله عن الوقت، وقال حين وَلَجَ الفتى.
- أنر الليل فقد فتكت الظلمة بنا...
أحدسُ أنه التفتَ نحوي عندما أرْدَف بنبرةٍ مستهزئة وقال:
"ولا تُصدق بمّا البرهان يُبطلهُ فتستفيد من التصديقِ، فشاور العقل واترك غيره هـــدرا، فالعقلُ خيرُ مشيٍر ضمّه النادي، في كلّ أمرك تقليدٌ رضيتَ به حتى مقالك ربي واحدٌ، أحدُ، وقــد أُمرنا بفكرٍ في بدائعه وإن تفكر فيه"
استحضرتُ نشرة الأخبار التي نقلت نبأ قطع رأس تمثالهُ بالشام، فقد قطعوا الرأس مرتين، هنا هناك، اقتربتُ منهُ، شَمّمتُ رائحة الشمع تنفث زيتًا أشبه بدهن الحوت، وشعرت بكومة غبار تسدُ أنفاسي، كان الطقس دافئاً ولكنه بدا خانقاً وهو يطلق سيلٌ من الغبار، أدركت بحسيّ إنه غبار خريف الشام الذي تنشقت وتنفستُ بحلب حين كنت أدرس هناك، لم أستطع كتم الخبر المستعر بداخلي عنه، فدنوت منهُ أكثر وقلتُ وأنا أتعمد ألا أرفع صوتي:
- رَأْسك قُطع بالشام يا سيدي، وامرأتي فَتَرَ حبها لي، والناس خبا وُدّهم، باتوا مثل أسنان المشط متساوين، تشابهوا حتى لم تعد تُصْنف بعضهم عن بعضُ، وما لي سواك أبي العلاء ألجأ إليه أشكو زهدي وعزلتي.
لم أسمع صوتًا ولا نفسًا، فاعتقدتُ أن الرجل انصرف وتركني مع الشمع المتقد وطبقة الغبار، تعبر من الشقوق وتُداهم الدار، كما الحال، هناك...
- هل أنتَ هنا أبي العلاء؟
- وأين أذهب بظنك؟
خيم صمتٌ رتيب وكأن الكلّام بيننا نفذ...
- ماذا تريد أن تسمع من أعمى لأعمى جاء يشكو حاله؟
- بل جئت أشكو دهري...
- إذن اسمع قسماً يسيراً من قصتي الخرافية واستخلص عِبرةً واهيةً!
وقبل أن يبدأ الكلّام دخل الفتى حمزة وأخبرهُ بأنه سمع للتو أن الخليفة ببغداد أصدر قرارًا بمصادرة رسالة الغفران، وأنه هدَّد من لا يُسلم أي مما ورد فيها من هذيان، سوف يُحاكم ويُسجن وينفى، أمرهُ المعّري بإعداد كأسين من شراب القرنفلية، ما كاد يلفظ العبارة حتى كدت أستلقي على قفاي من موجة ضحك انتابتني، فقد كان القرنفل هناك أيضاً، تجاهلتُ التعليق وتركت له السرد ...
- رأيت النور، وليتني لم أرَ، حتى لا أعرف الفرق بين الظلمة والضياء، شهدت مولدي قبل أن أولد، رأيتُ في الحلم انزلاقي من مَشيمة امرأة عانت من ألمٍ لتأتي بي إلى هذا العالم، إن سألتني عن موقع ولادتي فهي مدينة أسطورية التكوين تدعى مًعَرة النعمان في الشام بمحاذاة مدينة إدلب، وعلى خطٍ لمدينة حلب في ديسمبر سنة 973.
سمعتُ وشوشة أوراق، يبدو أنه يعصرها بين يديه ليتحسس مضمونها، سحر القراءة لدى الأعمى يُذَكرني بكلّ ورقة خطتها أصابعه، أصْغَيتُ لأنفاسه وأدركت أن الغبار الكثيف الذي ملأ الصومعة سوف يصرعه.
- كانت تلك الحقبةُ خياليةً، حديقةٌ تزهر بالأفكار والرؤى، ترقصُ كغانية، ملئها الموسيقى والغناء وقصائد الشعراء، بلدة زاهية لا تنتمي للخلافة العباسية، إلا بالاسم فحسب، وليتها لم تكن بالمطلق ذيلٌ للخلافة الإسلامية لأنها أفقدتها بريقها الأدبي.
تنهد واستأنف السّرْدُ بذات النبرة الودية تجاهي.



#احمد_جمعة (هاشتاغ)       A.juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يسرا البريطانية (22) الأخيرة
- خريف الأخبار الغامضة!!
- يسرا البريطانية (21)
- يسرا البريطانية (20)
- يسرا البريطانية (19)
- يسرا البريطانية (18)
- كعبة الشمس البرتقالية...!
- يسرا البريطانية (17)
- أنا والله وتغاني ...
- يسرا البريطانية (16)
- يسرا البريطانية (15)
- أي نحس ثقافي؟!
- يسرا البريطانية (14)
- رؤيتي المغايرة لأيلول الأصفر....!!
- يسرا البريطانية (13)
- يسرا البريطانية (12)
- يسرا البريطانية (11)
- يسرا البريطانية (10)
- نيويورك تايمز كذبت ضد صدام حسين...
- يسرا البريطانية (9)


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - أبو العلاء المعري وخليلهُ المتعري في رواية القرنفل التبريزي...