أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - يسرا البريطانية (13)















المزيد.....


يسرا البريطانية (13)


احمد جمعة
روائي

(A.juma)


الحوار المتمدن-العدد: 6668 - 2020 / 9 / 5 - 23:40
المحور: الادب والفن
    


"ولادتي كانت وسط مناخ تشع منه رائحة النفط ودخان سعف النخيل المحروق، يتعمد الفلاحون في بساتين البصرة حرقها لينبعث منها الدخان الرصاصي، متعمدين ذلك لقتل الحشرات الضارة التي تفسد الشجر، ما زالت محفورة في ذكرياتي ولا أنساها، ولا أعرف ما ذكرني بها الليلة"
كانت مستلقية على الفراش لا ترتدي سوى قطعتي ملابس داخلية، حمالة الصدر والسروال الأزرق الفاتح الضيق، فيما كان مايك الباكستاني مستلقياً على ظهره وتفصل بينهما الوسادة الحريرية المزخرفة برسوم قطع الفستق بألوان فاقعة، كان يستمع إليها وهو يتأمل السقف وما أن انتهت من جملتها حتى التفت إليها قائلاً وما زال مهتماً بالتفاصيل.
"ما مناسبة تذكرك هذه الصورة الليلة؟"
ضحك ثم استرسل بنبرة تسعى للتفصيل.
" ذهبتِ بعيداً في الزمن كأنك تهربين من الحاضر"
كانا بالغرفة المطلة على فناء المنزل، برزت بعض الأشجار تتدلى من وراء النافذة الواسعة، بقربها السرير الخشبي المطلي بالوارنيس والمصنوع كما يبدو من خشب الورد يحتويهما وظهر لون الغرفة مائل للأزرق السماوي والسجاد من القطع الفارسي المنسوج يدوياً، علقت لوحتان على كلا الجدارين المتقابلين، إحداهما لفتاة ريفية من الريف الأوروبي وبدت أصلية وباهظة الثمن ودلت على ذوق راقٍ صعقت منه وهي تتأمل اللوحة وتستعيد فكرتها عن شخصية الرجل الذي ظنت أنه غجرياً ومنعدم المشاعر والذوق، اللوحة الثانية كانت لجرة تقليدية تضمنتها نقوش برتقالية اللون على الجانبين فيما توسطها شرخ عند الأعلى انبثقت منه زهرة اللوتس باللون الأحمر القاني القريب من لون الورد المحمدي السلطاني، وأسفل الجرة برزت بضع بتلات ورود حمراء صغيرة، سرحت في اللوحة وتنقلت عينيها بين كأس النبيذ الأحمر المركون على طرف الطاولة المحاذية لطرف السرير من جهتها، وبين زهرة اللوتس على رسم الجرة في اللوحة المعلقة على الجدار، تنفست ببطء ونظرات نحو مايك قائلة.
" من أين اقتنيت هذه اللوحة، أشعر بأنها تشبهني، مشروخة وجميلة، أعني الجرة"
" أنت كذلك جميلة، لكن لا فكرة لدي عن الشرخ"
قالها وامتدت يده وأمسكت بيدها وضغط عليها برفق، كان هادئاً وبارداً ولا توحي ملامحه عن رغبة في مطارحتها من جديد، أحست فيه يبدي بعض التودد لمجرد أنه انتهى منها للتو ولا يريد أن يلوذ بالفرار، حفرت السنوات المنصرمة أخاديد من الشكوك والهواجس، كل شيء حولها وكل حركة وكل علاقة، خاضعة للتحليل الصارم الذي ينتهي بالشكوك " لن أعرف الحقيقة أبدأً"
فوجئت به ينهض من السرير ملتفاً في الملاءة من ذات القماش المزخرف للوسادة، اتجه نحو الحائط ونزع لوحة الجرة برفق من على الجدار ووضعها على الكنبة المحاذية للسرير، عاد للسرير واستلقى قائلاً من دون أن يشعرها بقيمة اللوحة مستخدماً نبرة ساكنة.
" تستحقينها ما دامت تشبهك"
كان رد فعلها الأولي الصمت المطبق، إلى أن استوعبت العبارة فاعتدلت في وضعها على السرير وردت بشيء من الاستحياء والرفض.
" لا يمكنني قبولها فاللوحة ثمينة بالإضافة إلى أنك تقتنيها"
كانت الصدمة مباغته لها ونسفت كل أفكارها عنه وعدم رغبته فيها " لو لم أسعده ما أهداني لوحته الثمينة" أدركت لحظتها رغبتها فيه هذه المرة، فقد مارست المضاجعة معه من دون رغبة ولم تصل لنشوة أو حتى لذة عابرة رغم أنها أشعرته باستمتاعها، كان جسدها أشبه بكتلة لحم وضعت في البراد لسنوات طويلة فتجمدت الخلايا فيها وجفت المشاعر والأحاسيس من أي تذوق للاحتكاك بأجساد أخرى، لم تمر في حياتها منذ غادرت الطفولة مروراً بالمراهقة برغبة أو حتى مجرد شهوة لجسد رجل وكادت تشك في غريزتها حتى تجاه جنسها، كانت الأحداث والوقائع الشنيعة التي تعرضت لها نزعت عنها الأحاسيس، وحدها اللحظة الحاضرة على ضوء الغرفة ولون النبيذ وشعاع اللوحة الزيتية حركت مشاعرها وشعرت بجسدها ينبثق من رماده "سأختبر هذه المرة وضعي" مدت يدها ولامست صدره المكسو بالشعر، نظرت في عينيه وهمست مبتسمة.
"لا أود أن أحرمك من اللوحة"
امتدت يده بدوره وانزلقت على بطنها بتلقائية وتأمل عينيها فيما رأت هي بريق أزرق ينبعث من عينيه، بادلها الابتسامة قائلاً كعادته ببرود تلقائي.
" فقط للعلم حتى لا يخدعك أحد في المستقبل، اللوحة تساوي ثلاثين ألف جنيه، اعتبريها استثماراً، منذ الآن لا ترفضي شيئاً مادياً، لن تطول فترة العطاء خذي كل ما يقدم لك"
تصاعدت رغبتها فيه، اكتشف هو بغريزته الفطرية الثاقبة للنساء هذا التحول في نظراتها إليه، امتدت يده وسحبت كأس النبيذ من جهتها وكشف عنها القميص ثم انحنى وراح يسكب النبيذ بقطرات متلاحقة على صدرها وسرتها، ثم بدأ يلعق الشراب وسط تنفسها المتصاعد، أطبق الصمت على الغرفة قطعه مايك وهو يهمس لها.
" تدينين لي بمرة أخرى"
****
" مايك محق في كل ما يقوله، إنه فيلسوف هذا الكاريكاتير، كيف خدع الجميع بوحشيته؟"
منذ أن غادرت منزله قبل ظهيرة اليوم التالي، تحولت الأيام التالية إلى أميرة لا يكف رجاله عن السؤال عنها وتلبية طلباتها رغم تأنيها وعدم انزلاقها في المتطلبات، ظلت قانعة ومترددة وغير راغبة في شيء مكتفية بوظيفتها بالفندق الذي بدأت العمل فيه متجاهلة عرض مايك بترك وظيفة خدمة الغرف واعداً إياها بتوفير وظيفة لائقة مستغرباً من امتلاكها لشهادة الماجستير في البزنس، لم تره بعد تلك الليلة واكتفى باتصالين يطمئن عليها وأوعز لرتشارد وستيفن متابعة أخبارها والسؤال عنها، وترك موضوع الجنسية بيد المحامية نهى الزيني التي أبلغتها بأن إجراءات القضية توشك على الانتهاء وضربت لها موعداً بنهاية الأسبوع لمراجعة الوضع النهائي، ودت لو حملت مشاعرها بالارتياح لمايك لكنها تعرف مشاغله وارتباطاته الغامضة وسفراته السرية ولم تفكر لحظة باعتبار ما جرى تلك الليلة الصاخبة في منزله علاقة من نوع ما، وضعت ما جرى في خانة الليلة العابرة وقبضت ثمنها مع شعور بالامتعاض من التفكير في أن اللوحة كانت الثمن، اعتبرتها عربون صداقة ورمز للحظة حميمة مرت وقد لا تتكرر "أريد تكرارها" ردت بشغف في داخلها مع شعورها بتأنيب الضمير، مع الوقت تصاعدت رغبتها في لقائه وكان ذلك مثار دهشتها، شعرت بأن جسدها يتبلور من الداخل وتتفاعل فيه الشهوة للمرة الأولى، وكلما مر شريط الليلة الزرقاء التي قضتها معه وطفت بعض التفاصيل إلى السطح زاد اشتعال الجسد، خشيت إن استسلمت لهذا الإحساس أن يطغى ويتحول لآسر وهي التي بينها وبين القيود أي كانت كراهية مزمنة، احتفظت بتلك المشاعر وأغلقت عليها المنافذ بالإغراق في العمل، إذ بدأت مشوارها الجديد في "كينغستون" الهوليدي إن بالعمل كمشرفة مناوبة بخدمات الغرف، وبين مشوار الشقة والفندق قضت الوقت بين العمل والنوم وهواية جديدة انخرطت فيها مؤخراً هي الرياضة، عن رغبة وعنفوان في استعادة حيويتها ومحاولة لاكتساب رشاقة لجسمها الذي بدأت تعتني به بعد الليلة الوحيدة الساخنة، بدأت الجري يومياً لمدة ثلاثين دقيقة، تزيد وتنقص بحسب الوضع، ترتدي سروال الرياضة القطني الداكن وجاكيت رصاصي هو الوحيد الذي ابتاعته في البداية وراحت تهرول على رصيف الشارع الرئيسي المطل على النهر من بداية محطة الوقود القريبة من الفندق وحتى نهاية الشارع لتستدير وتعود، تضاءل اهتمامها بنظرات ستيف الذي دأب على انتظارها لدى نهاية دوامها في الرابعة مساءً عند ردهة الفندق الخارجية، أو عند نهاية خط العودة من الجري في السابعة وكانت حجته مراجعة بعض الأوراق معها بشأن الجنسية أو مبعوث من قبل مايك يطمئن عليها، أحست بطيف من السعادة يطوقها تدريجياً وينزع من ذاكرتها بعض صور الماضي المحفورة في قاع الذات أبان الملاجئ والأسوار الشائكة والمجاعات والهروب عبر الحدود والتيه في قاعات الترانزيت بالمطارات " ساعدني مايك كثيراً على نزع هذه الصور من رأسي" وحتى لا تستغرق كثيراً في التفكير بالرجل الغائب وراء الأسرار، انتزعته من رأسها وانخرطت في العمل دون التركيز على تلك الليلة الساخنة "سأعتبرها جائزة استحققتها بعد الصبر الطويل من العفة".
في فندق "كينغستون" اختلف الوضع عنه في لندن داون تاون، بدا المساء في "كينغستون" استثنائياً بعد سنوات لندن العجاف، طرأت حياة هادئة مختلفة يكتنفها الهدوء والانسياب في كل شيء بما فيه الطقس والوجوه، كانت الهوايات الجديدة قد انبثقت من الارتياح الذي سكبته المنطقة على مزاجها اليومي، الجري والعمل والسير بمحاذاة التايمز والمشي في الإجازات نحو محطة "سيربيتون" والتسوق من مارك سبنسر السوبرماركت، كل ذلك قد ضخ فيها ما يشبه الدماء الجديدة بعكس ما كان عليه الوضع في لندن، كان الزحام والضجيج في منطقة مايفير بالقرب من شارع ريجنت يفزعها رغم كونها بعيدة عن الاختلاط في المستنقع البشري الهائج هناك، الخوف من الزحام قد تحول مع الوقت والقلق بشأن الإقامة إلى رهاب دائم، فقد كانت الحياة بقرب محطة مترو جرين بارك مفزعة وخاصة بالليل، لا تعرف كم مرة تعرضت للذل من تلك الوجوه القاطنة تلك الضواحي، هالها الكبرياء اللندني المصطنع حتى لدى الحثالة، فكانت تسرع بالهروب من الفندق إلى القطار، تجري بسرعة خارقة وما تكاد تصل "كينغستون" حتى تلتقط أنفاسها بعد المعاناة مع زحام الداون تاون، حاولت في الأيام الأولى التأقلم مع الحياة الصاخبة عن طريق الخروج وقت الإجازات إلى محطة مترو جرين بارك وهي قريبة من حديقة الهايد بارك خلال الإقامة بلندن،إلا أنها وجدت نفسها قد استهلكت طاقتها وولد فيها ذلك كآبة وشعور بالانزواء عن العالم ليتحول إلى انطواء طوال السنين الأربع المنصرمة، كان العبور إلى شارع إكسفورد ومنطقة عين لندن رغم سهولته إلا أنه تحول إلى كابوس، وتحول الآن لذكرى ساخرة بعد الانتقال إلى "كينغستون".
"شكراً فلين رغم بشاعتك"

****
تلقت الاتصال ذلك الصباح في الحادية عشرة وسبعة وثلاثين دقيقة بالتحديد من نهى الزيني فيما كانت تقوم بمسح مرآة الحمام بالغرفة 214، نيابة عن إحدى العاملات المتغيبات، فكان ذلك إيذاناً بتحول دراماتيكي في حياتها، جاء صوت المحامية الليبية هادراً كأنه النهر ساعة الفيضان يكتسح كل ما أمامه.
" مبروك يسرا القرمزي"
لم تسمع بقية العبارات،حتى أنها بعد انتهاء المكالمة لم تستوعب بقية الكلام ولا تذكر ما طلبته منها المرأة الليبية سوى أنها خرجت من صفائح النسيان إلى فضاء الكون، سقط الجدار السميك الذي يفصلها عن الدنيا وذاب جبل الجليد الهائل الذي كان يسد رؤيتها عن الحياة، خرجت من الحمام وجلست على السرير وراحت تتأمل أرجاء الغرفة، لم تر ما يلفت النظر في سكن النزيل سوى أعواد قطنية منثورة أسفل السرير وملوثة ببقع بنية، خمنت تكون من تنظيف الآذان أو شيء آخر لم يسعفها الفضول بالتدقيق فيه، راحت نظراتها تجول في الغرفة، وساد الصمت حولها وكادت تسمع رنين الحشرات وتلتقط صورة الذبذبات حولها، بدا كل شيء دقيق وواضح وكأنه تحت ميكروسكوب يفضح الأشياء، دهشت من رؤيتها للأشياء بهذا الوضوح كما لو أنها كانت طوال الوقت تعاني من العمى، ساد الهدوء من حولها وركزت فيما حدث للحظة، ابتسمت وتذكرت أنها موعودة بحفلة بفندق لندن بعد تركه، من قبل العاملين هناك ولم يسمح الوقت لتحديد موعدها، قررت أن تخبرهم الآن "أريد ليلة أسكر وأرقص فيها حتى أسقط من طولي" طوقها شعور جارف تجاه مايك الذي لم يبتزها كما كانت تتوقع وخيل لها في بداية الأمر، بل بدا لها أنها هي من استغلته، نهضت من السرير وأنهت العمل بالغرفة وقبل أن تخرج عرجت على الحقيبة التي بدت غير مقفلة، سحبت الجرار بسرعة وفتحتها، كانت بعض المجلات الخلاعية وأحذية كعب نسائية جديدة، وبعض علب رقاقات البطاطس "مارك سبنسر" بالإضافة لملابس نسائية داخلية مستخدمة، سحبت إحداها وراحت تشمه ثم وضعته مكانه، وبحثت وراء غطاء الحقيبة من الداخل فوجدت جواز سفر كحلي اللون وتصفحته وبرز لسيدة استرالية تدعي ج. البيرت من مواليد 17يونيو1979، شقراء الشعر ذات بشرة وردية ظهرت من الصورة، وضعته مكانه ولم يلفت نظرها سوى ورقة مطوية بجانب الجواز وجدتها وهي تعيده مكانه، فتحتها ووجدتها عبارة عن تقرير طبي مختصر من أحد المستشفيات للسيدة المذكورة يتعلق بإصابتها بالسرطان، صدمت واجتاحتها نوبة حزن عميقة خدشت حالة الارتياح التي صاحبت مكالمة نهى الزيني، تمنت في داخلها لو لم تعبث بالحقيبة، أنهت كل شيء وخرجت تستنشق الهواء.
بردهة الفندق الخلفية، خرجت مع المدعو الين في السادسة والستين من عمره وهو مقيم دائم بالفندق وراحت تدخن سيجارتها الثالثة في هذا اليوم.
"تبدين سعيدة اليوم"
تذكرت رائحة خشب السيجار الكوبي وهي تستنشق سيجارة الين الملفوفة، انتابتها في تلك اللحظة رغبة في تناول قرص زناكس الذي انقطعت مدة عن تناوله، أرادت الاحتفال بالحدث وبذات الوقت نسيان وجه المرأة في الجواز، ظلت الصورة تلاحقها" ج. البرت، لماذا فتحت الحقيبة؟"
" نعم الين، رغم لقائي بامرأة جميلة أصيبت للتو بالسرطان"
تكور الرجل الضئيل بسرعة وقال بنبرة منقبضة.
" آسف، هكذا الحياة.. الكــــــلام يشبه النحل فيه العسل والإبر"
"صدقت الين"
نظر لها مبتسماً وقال بصوت من يريد تغيير نبرة الكآبة من نبرتهما كلاهما.
"تعجبني ملامحك الشرقية يسرا"
كان هناك خيط يتدلى من كتف قميص الرجل، أمسكت به وقطعته بوضع طرف السيجارة عليه وسط ابتسامة الآخر.
"شكراً يسرا .. كم أنت لطيفة"
أخذت نفس أخير من السيجارة ثم ألقت بها على الأرض ولم يبق منها سوى العقب، داست عليه بحذائها ودلفت إلى الداخل.
بحلول المساء تناولت قرص الزناكس وتجرعت بعده كأس فوكا صغيرة واستلقت على السرير بعد أن أطفأت الأنوار وراحت تبحث في القنوات المجانية، توقفت عند قناة تعرض منتجات زراعية ثم تحولت لقناة البرلمان وأخيراً خفضت الصوت وأجرت اتصالاً بستيفن الذي اندلق صوته ودوداً للغاية وكأنه ينتظر الاتصال، حينما سألته عن مايك رد بنبرة فاترة بأنه في ويلز وسيعود في الصباح وسألها أن أرادت أي شيء فأجابت وهي تختبر رد فعله.
"صدرت الجنسية"
لم تبد عليه ردة الفعل المتوقعة منها وجاء صوته باهتاً بدا منه الإرهاق.
" علمت من نهى أنك أصبحت بريطانية"
ضحكت كردة فعل عفوية وقالت بنبرة مختصرة حتى لا تطيل الحديث.
"أخيراً"
" ماذا تنوين فعله ألآن؟"
عادت تضحك
" سأبحث عن زوج"
بدأ مفعول الزناكس يسري بتسلل الخمول إلى صوتها وشعور بالاسترخاء يطبق عليها، لا تود استمرار الحديث، كل ما أرادته أن تسمع صوت مايك بعد تلقيها الخبر " أهو شوق له أم رغبه جسدية بعد تلك الليلة التي بدا وكأنني لن أنساها؟"
أنهت الحديث مع ستيفن، نهضت بتثاقل تشوب خطواتها واتجهت نحو لوحة الجرة الفنية فوق طاولة المطبخ وبدأت تتلمسها بيدها في رقة متناهية وكأنها جسد بشري تتحسس تضاريسه، تبدت لها اللوحة كائناً حياً ينبض بالحيوية فيما تمرر يدها على عليها " ثلاثون ألف جنيه، ستحل مشاكلي كلها وتساهم في عملية تجميل وجهي وكامل جسدي" دارت الأفكار في رأسها وكلما تأملت في اللوحة كلما زاد شغفها بالرجل الغائب منذ تلك الليلة " كأنه ترك اللوحة عمداً ليأسرني بها" كلما أوغلت في التأمل كلما زادت دقات قلبها تخفق، دهشت من أنها لم تطلب رقم هاتفه النقال، كما أنه لم يبادر بإعطائها إياه " لماذا يخفيه؟" كانت الساعة تشير للتاسعة ودقيقتين، عادت للسرير وبسرعة حاسمة أدارت رقم ريتشارد الذي جاء صوته جهورياً كالمعتاد.
" مبروك يسرا، أصبحت من رعايا الملكة، وددت أن أتصل لأهنئك غير أني لا أعرف ظروفك"
ردت عليه بود وهي تضحك.
" أشكر شعورك ريتشارد، أريد خدمة منك لو لم يكن فيها إحراج لك، رقم هاتف الرئيس"
هذه المرة الأولى التي تستخدم كلمة الرئيس التي يرددها الجميع من حولها كناية عن مايك، قالتها بسرعة واختصار كي لا تطيل المكالمة، كان رأسها مثقل وشعور الخمول يطبق عليها ولسانها محبوس بالكلمات وهي تخرج كأنها حجارة تلفظها بصعوبة.
خيل لها إثر لحظة الصمت التي سادت أن الرجل متردد في الاستجابة للطلب فما كان منها إلا أن قالت معتذرة.
" آسفة ريتشارد"
فوجئت به مباشرة قبل أن تنهي عبارتها يسألها.
"معك واتساب"
ردت بارتياح لاستجابته.
"يؤسفني لا"
رد بدوره.
" سأرسله sms"
أنهت المكالمة واستغرقت في الفراش، مع رنين الهاتف، قفزت من مكانها وخفق قلبها وشعرت بدنو المغامرة المحفوفة بالرغبة والشغف"مايك؟"رددت الاسم وكأنها مستنكرة حدوث هذه المشاعر للرجل الذي كانت تنظر نحوه طوال الفترة المنصرمة باعتباره محتال وقبيح ومخيف وغير موثوق به، اتجهت نحو المطبخ وأعدت كأس الفودكا فيما كادت تتعثر وسط عتمة المكان، رجعت للفراش وتجرعت نصفه "سأتهور" قالت الكلمة وأدارت الرقم وخيل لها تزامن صوت رنات الهاتف مع دقات قلبها التي ازدادت مع مجيء صوت الرجل أشبه بالقطار المسرع.
"أنا يسرا مايك"
انتهى الاتصال لتجد نفسها بعد ساعات عند طرف الفراش ينظر في عينيها الناعستين والمفضوحتين بالشهوة التي لم تجد وسيلة لإخفائها، وقد كشف سر تلك النظرة حين قال بنبرة مخادعة.
"انتظرت اتصالك منذ آخر مرة رأيتك فيها، وقد تأخرتِ كثيراً"
تجرأت قائلة بصوت رقيق وهي تخفي محاولة الفرار من نظراته الحادة المصوبة تجاه صدرها، حيث بدا نهديها بارزين مثيرين لم يستطع أن يبعد النظر عنهما.
" كنت خائفة"
" مني؟"
هزت رأسها موافقة، نهض وغادر السرير فيما لاحقته نظراتها وهو يتناول سترته ويخرج علبة صغيرة ثم يدنو منها ويفتح العلبة ويطوق عنقها بسلسلة تحمل قطعة صغيرة برزت منها حبة الماس ميزتها من لمعانها البراق، انزلقت عليه من دون سابق إنذار دمعة صغيرة تسللت بهدوء وسقطت على خدها.
" لم يسبق لي ان مررت بلحظة كهذه"
مسح دمعتها وقال وهو يطوقها بذراعيه المكتنزتين اللتين يغطيهما الشعر الأسود الكثيف.
" منذ الغد أريدك مغادرة الفندق، لا يعقل أن أسمح لكِ بعد الآن بتنظيف ما يتركه الآخرون ورائهم.
ردت بسرعة.
" لا أرجوك .. اعتدت على هذا العمل، أحببته لأنه رافقني خلال سنوات الجمر كلها، ولولاه لما حافظت على نفسي"
"أنت الآن مواطنة بريطانية ولك كامل الحقوق ومن حقك بوظيفة تليق بمكانتك، ألستِ خريجة أعمال؟
"نعم"
قال بنبرة حاسمة في نفس الوقت الذي تسللت يده تحت قميصها، فيما كانت تبتسم وهي تنظر في عينيه وكأنها تنتظر إلى أين تقوده أصابعه.
"إذن غيري الوظيفة من دون أن تغادري الفندق"
انتهى الحوار بينهما حين لوت بجسدها عليه وبادرته بقبلة أنهت الحديث وحل الصمت الذي قطعته أنفاس الاثنين.

****



#احمد_جمعة (هاشتاغ)       A.juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يسرا البريطانية (12)
- يسرا البريطانية (11)
- يسرا البريطانية (10)
- نيويورك تايمز كذبت ضد صدام حسين...
- يسرا البريطانية (9)
- من مستنقع السياسة، إلى أزهار الثقافة...لنجرب!
- يسرا البريطانية (8)
- الرواية من منظورِ الحرية!
- يسرا البريطانية (7)
- يسرا البريطانية (6) رواية
- يسرا البريطانية (5) رواية
- رواية -يسرا البريطانية- (4)
- رواية يسرا البريطانية (3)
- في الكتابة إثارة...أنت بحاجة إلى العزلة!
- يسرا البريطانية ج (2)
- يسرا البريطانية (1)
- الموجب والسالب في الرواية!
- رحلة في عقل روائي...غارسيا ماركيز
- رواية يسرا البريطانية- من فنادق لندن إلى سجون داعش
- رواية -حرب البنفسج- والتحالف التركي العماني القطري لغزو البح ...


المزيد.....




- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...
- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...
- فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي ...
- انقاذ سيران مُتابعة مسلسل طائر الرفراف الحلقة  68 Yal? Capk? ...
- فيلم السرب 2024 بطولة احمد السقا كامل HD علي ايجي بست | EgyB ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - يسرا البريطانية (13)