|
الجزء الثاني من الرواية: السين 2
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5362 - 2016 / 12 / 5 - 11:05
المحور:
الادب والفن
أطوي الرسالة، المحتفظة بنفحات من عطر بعيد كما وبعبق مدينة أكثر قصياً. لَعُمري فإنها تشبهها، كلماتِ المرأة المتسلّطة، وعلى الرغم من تغليفها ببلاغة الإلفة والبساطة والمودة. كنتُ أقلّب كلمات " سوسن " في رأسي، كأنها صوَرٌ فوتوغرافية تخرج من جهاز آليّ لتخترق جداراً من اللا مبالاة. صورة ابنتي، كانت ولا غرو تطغى على كلّ ما عداها. ولا كذلك صورة أمّها، التي كنتُ أحاول حذفها من ذاكرتي بمعونة شراب الفودكا، الناريّ. إلا أنّ كلا الصورتين، سواءً الأثيرة لديّ أو المثيرة لشَجَني، كانت تستقبلني ثمة في شقة موسكو ذات الحجرتين والكآبة المتوحّدة. وفي ذلك الوقت تقريباً، قدمت رسالةُ " سوسن "، فقدّر لها أن تبلبلني وتهز كياني، بالأخص للناحية المتعلقة بإبنتي. حادثة الساعة الذهبية ( وكنتُ قد تناولتها بالتفصيل فيما سلف )، أعتبرها من أصداء الحالة النفسية المزرية، التي وجدتني فيها عقب استلامي للرسالة. وأنا لا أبغي هنا تبريرَ موقفي المخزي تجاه الفتاة المسكينة " سفيتا " وشقيقتها الصغيرة، بقَدَر إهتمامي بإحاطتكم بظروفي في تلك الآونة: لقد كان في وهمي، قبيل الحادثة مباشرةً، أن أتمكّن من بيع الساعة بثمن مرتفع لتأمين تكاليف تهريبي إلى السويد. فقط بعدما قارفتُ تلك الخطيئة بحق الفتاتين، جاء من يردّني إلى جادة الصواب بوضعي في الصورة الحقة لأمر السرقة. في الأثناء، كنتُ مرهق الفكر بأمر السعي للقاء " سفيتا " كي أشرح لها حقيقة الأمر طمعاً في غفرانها. ما ثبّط من عزيمتي، ولا غرو، كان معرفتي بفداحة ذلك الموقف الفج وصعوبة التعبير عن صدق ألمي. إلى الأخير، أندفعتُ ذات مساء نحوَ مكان عملها. دلفتُ إلى المخزن، المرابط داخل المبنى الطلابيّ، فيما كلمات الفتاة تجلجل في أذني: " إننا فقراء، ولكننا لسنا لصوصاً! ". ثمة، أدهشني فقدان أثر " سفيتا " وشقيقتها. عبثاً كانت عودتي إلى المخزن في نهار اليوم التالي، كذلك لم يترتب على سؤالي عن الفتاتين شيء مفيدٌ. " العاملات لدينا يتم إستبدالهن دورياً، ولا علم لنا بمكان إقامة أيّ منهن "، قال لي من بدا أنه المشرف على المخزن وكان رجلاً ثلاثينياً بملامح دبّ شرس. في واقع الحال، فإنني كنتُ أعرف تقريباً مكان سكن " سفيتا " وأنه يقع في بناء مجاور للمخزن. الصغيرة " ناستيا "، هيَ من كانت مصدر المعلومة حينَ تبادلتُ معها الحديث في تلك الليلة أثناء وجود شقيقتها في الحمّام. هكذا انتظرتُ حلول المساء، للذهاب إلى ذلك البناء مؤملاً معرفة العنوان المطلوب. هناك وفيما كنتُ أتكلّم مع رجل عجوز عند عتبة المصعد، إذا بفتاة تنسابُ من الأعلى برقّة ساقية وعذوبتها. مرّت من أمامي يكتنفُ عبقُ العطر هيئتها الفاتنة، المكتنزة. نظرتها المونقة، شجعتني على إيقاف سيرها: " لو سمحتِ..! أتعرفين فتاة اسمها سفيتا، كانت تعمل في المخزن الذي يقع ضمن السكن الطلابيّ القريب؟ " " آه نعم، إنها صديقتي. هلمّ معي لأدلك على شقتها.. "، أجابتني ببساطة وهيَ تستدير إلى ناحية المصعد. رمقني الرجل العجوز بعينين باسمتين، مومئاً إلى ناحية الفتاة برأسه وكأنه يقول: " هيا إتبعها، فإنها صيدٌ أكثر جدّة! ". في المصعد، أستعدّتُ حركة الرجل ما أن ضغطت الفتاة على رقم الدور السابع فيما هيَ تتغلغل بجسدها اللدن في جسدي. رداً على تقديمي لنفسي، فإنها فتحت عينيها الرماديتين على وسعهما قبل أن تنبسَ: " فأنتَ رجل أعمال، إذاً؟! ". عرفتُ عند ذلك أنّ اسمها " أولغا "، وأنها تعمل ممرضة مذ تخرجها قبل عامين من معهد طبيّ. كنا قد أضحينا في بهو الدور السابع، فما لبثت البنت اللعوب أن أشعلت سيكارة وكأنها على غير عجلة من أمرها. قلتُ لها، متأثراً بإفاضتها التعبيرَ عن المودة: " على ذلك، فإنك لا بدّ وكنتِ زميلة لسفيتا في نفس المعهد؟ " " بلى، وكنا قد أقمنا معاً في ذلك السكن الطلابيّ كوننا كلانا من الضواحي. بعد سياسة الإنفتاح، صار من الممكن لأي امرئ تأجير شقته أو حتى بيعها. وأنا من ساعدتُ سفيتا على السكن هنا، على أثر إنفصالها عن رجلها "، ندّت عنها الجملة الأخيرة وكما لو أنها تدلل على قدرتها تأمين شقة لي في حال رغبتُ بذلك. وقد سعدتُ، فوق ذلك، لما أعلمتني بمكان شقتها على الطابق الثاني، مضيفةً بإغراء: " فلو أنك جئتَ سفيتا في إحدى المرات ولم تكن موجودة، فبوسعك طرق باب شقتي! ". ثم ها هيَ ذي الفتاة الجريئة تسارع إلى نجدتي مجدداً، حينَ ظهرت " ناستيا " أمام الباب لتخبرني بأنّ شقيقتها ليست في البيت. فلما أقفلتُ عائداً إلى ناحية المصعد، فما وسعني إلا أن أدهش لمرأى " أولغا " المتسمّرة ثمة. " كنتُ بطريقي إلى المخزن، كي أشتري مسحوق غسيل الملابس. ولا بأس أن تمكث عندي قليلاً، لحين أن تحضر صديقتك.. "، قالت لي آنَ صرنا داخل شقتها المكوّنة من حجرتين ضيقتين. ثم دعتني لإنتظارها، ريثما تؤوب من المخزن: " أنا أقيم مع فتاة شيشانية من ناحية الأب، إلا أنها تعمل في كشك حتى ساعة متأخرة "، أردفت فيما كانت تلتفتُ إلى جهة باب الشقة لتمضي بخطوات رشيقة.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجزء الثاني من الرواية: السين
-
الفردوسُ الخلفيّ: النون 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: النون 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: النون
-
الفردوسُ الخلفيّ: الميم 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: الميم 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: الميم
-
الفردوسُ الخلفيّ: اللام 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: اللام 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: اللام
-
الفردوسُ الخلفيّ: الكاف 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: الكاف 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: الكاف
-
الفردوسُ الخلفيّ: الياء 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: الياء 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: الياء
-
الجزء الأول من الرواية: الطاء 3
-
الجزء الأول من الرواية: الطاء 2
-
الجزء الأول من الرواية: الطاء
-
الجزء الأول من الرواية: الحاء 3
المزيد.....
-
بنون النسوة.. -التبوريدة- إرث الأجداد في عهدة أحفاد المغرب
-
يهدد عرش هوليود.. أول فيلم رسوم متحركة بالذكاء الاصطناعي
-
تعزيز التمثيل النسائي في مجالس الإدارة الفلسطينية
-
بالفيديو.. الفنان الفلسطيني أشرف الشولي يداوي القلوب بالموسي
...
-
-مذكرات في فلسطين وإسرائيل-… كتاب يوثق تجربة مصرية في غزة ما
...
-
مسسلسل -The Studio- الأكثر فوزًا بجوائز -إيمي- للفنون الإبدا
...
-
حبّ تحت التقنين
-
هذه هي الأفلام التي يفضلها بوتين؟
-
فيلم -صوت هند رجب- يفوز بـ-الأسد الفضي- في مهرجان فينيسيا
-
WSJ: غزة أصبحت نقطة استقطاب في عالم الموسيقى العالمي
المزيد.....
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|