أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الكاف















المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الكاف


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5345 - 2016 / 11 / 16 - 09:25
المحور: الادب والفن
    


كأننا كلنا مصابون بإنفصام الشخصية، وأعني أولئك المهتمين بالأدب ممن يجدون أنفسهم مجبرين على وضع أقنعة، تتحوّل أحياناً إلى وجوهٍ بديلة. ولا أتكلم عن الحاجة المادية حَسْب، مع أنها تمنع أكثرنا من حرية الحركة، فتجعلنا أشبه بعصافير غضّة في فضاءٍ من فولاذ.
إنني أفكّر بمواطنتنا السورية، " سوسن خانم "؛ وهيَ المرأة المتسلطة، المتعيّن عليها أن تكون محورَ حياتنا في مراكش. لم يكن لديها مشكلة مع المال، إلا من حيث كونه وفيراً. ولكن هكذا امرأة، أعتقدُ أنه لا يمكن الكتابة عنها ببساطة وسطحية. ربما ذلك ما فعلته شقيقتي في مخطوطتها. من النافل القول، أنّ شخصيات العمل الأدبي الرئيسة تحتاج إلى تعاطف المؤلّف. ولكن كون الخانم شخصية حقيقية وليست متخيّلة، جعل من الصعب على " شيرين " التعامل معها على الورق بحيادية ونزاهة. لا أزعم بطبيعة الحال، أنني فعلتُ ذلك بشكل أفضل، أو أن هدفي هوَ تصحيح صورة تلك المرأة. إذ بقيت " سوسن خانم " بالنسبة لي ملتبسة الشخصية، طالما أنها دأبت على إغلاق داخلها. لقد عللتُ نفسي في إمكانية الحظوة بأوراق شخصية للخانم، كما كان الأمرُ مع " شيرين " بخصوص مذكرات مخدومها. ولأنني لا أرغب بإستباق أحداث القصة، فلا يمكنني الآن الحديث عن هذا الموضوع.
بدَورها، كانت " الشريفة " معيناً لي في إجتلاء بعض جوانب شخصية مخدومتها وعلاقاتها بالآخرين. على أنّ هذه الشهادة كانت أكثر جدّة، ولا غرو. كذلك تكمن أهميتها في أنها منسكبة من الذاكرة على اللسان، لا على الورق. بمعنى أنني كنت أمام مادة خام، مصدرها شخصٌ لا علاقة له بالأدب أو الثقافة إجمالاً. في المقابل، فحواشي مرافقة الخانم، المبثوثة شفاهاً، لم أقم بتبييضها دونَ مزيدٍ من الشطب والتدقيق وعلامات الإستفهام. فمثلاً، ثمة تناقض بين تأكيد " الشريفة " على سعي الخانم لربط شقيقتي بعلاقة مع مخدومها " المسيو غوستاف " وبين ما ذكرته هيَ مرةً عن خفايا العلاقة بين تينك المرأتين الغريمتين: " سوسن خانم، رأت في شيرين صورة مكررة لها، سواءً لناحية المنشأ أو الخصال الشخصية. ولقد أفضت إليّ بذلك، وأنه سببٌ كافٍ لنفورها من شقيقتك. فإنّ الخانم كانت قد أسْطَرَت حياتها، هنا في مراكش، على كونها إمرأة غريبة من أسرة نبيلة المحتد سبقَ أن هوى بها القدَر.. وأنها تمكنت من النهوض بنفسها، متجاوزة محنة الأسرة، بفضل ما حبتها بها الطبيعة من خصال إن كان على مستوى الجمال أو الذكاء أو المعرفة. وإذا بفتاة من مواطناتها، تقتحم المشهدَ على غرّة، وهيَ تمتلك ذات الخلفية وسيرورة الحياة، علاوة على الفتنة والنباهة والثقافة. لقد محضت الخانمُ شقيقتك كراهيتها من هذا المنطلق، وهوَ حالة عامة نراها غالباً بين شخصين على طباعٍ واحدة ".
عند ذلك سألتُ " الشريفة " متشككاً، مع أنني أُخِذْتُ بطريقتها في سرد ما نمى إليها من أمر المرأتين: " ألا ترين التناقضَ واضحاً مع ما سَلَفَ وأخبرتينيه، بخصوص سعي الخانم لربط شيرين مع المسيو غوستاف؟ "
" بلى، إلا أنه تناقضٌ ظاهريّ وليسَ جوهرياً. فلو أنّ شيرين أرتبطت بشخصٍ ذي سمعة سيئة، هكذا فكّرت الخانم، فإنها ستفقد مكانتها وسمعتها في المجتمع الراقي... "
" دعيكِ من المجتمع الراقي! "، قلت لها مقاطعاً. ثم أردفتُ بنبرة ساخرة: " المال والجاه، هما ما يحددان مركز المرء في المجتمع وبغض الطرف عن المسلك وأيّ إعتبار آخر ". سؤالي التالي، جعل من كانت قرينتي تمعن في الإطراق برأسها قبل الإجابة. فقد أبتدهتها فيما كانت تتفكّر بكلامي: " وماذا عني؟ أين أنا وسط ذلك التجاذب بين مخدومتيك السابقتين؟ ". رفعت رأسها ببط، فأزاحت خصلة من الشعر عن عينيها وكما لو أنها قناعٌ أصفر، ثم أجابتني بجسارة: " أنتَ كنتَ مطيّة لسوسن خانم، كما كنتُ أنا مطيتها خلال بعض الليالي! ". غيرَ أنّ " الشريفة "، كمألوفها في حالات مماثلة، كانت أسرع إلى مداراة ذلك القول الطائش: " حاشاك، حبيبي..! لقد أفلتَ لساني عفواً، فلتسامحني.. أو لا، لا.. أضربني بالعصا، لكي أستطيع النظرَ ثانيةً في عينيك الجميلتين! ". قالتها، ثمّ أنبطحت فوق الأريكة بالعرض جاعلةً بطنها على ركبتيّ. كأنما كانت تعدّ كفلها المكتنز، المحشور ببنطالٍ قطنيّ أسود، لتلقي العقاب مثل طفلة صغيرة.
قرينتي، لم تكن لتجرؤ على النبس بذلك الكلام الجارح، لولا أنني كنتُ وقتئذٍ أعيش أشبه بالعالة في منزلٍ يضمّنا وأمّها الحيزبون. وكنتُ في مبتدأ الكلام قد نوّهتُ عن موضوع الإزدواجية حدّ الإنفصام، التي كنا نعيشها معشر المنتمين للحلقة الأدبية. على أنني سبقَ وطرحتُ القناع عني، بتخليّ عن الخدمة لدى الخانم. مع أنّ هذه الأخيرة ( وأعتقد أنني أكشف ذلك للمرة الأولى )، كانت تريد أن أستمر معها بشرط التبرؤ من حَمْل مرافقتها. فضّلتُ إذاك العودة إلى الحال الأول، لما بقيت لأكثر من شهرين في مسكن الأسرة المحسنة، التي ألتقطتني وشقيقتي من قارعة الطريق في ليلتنا الأولى بمراكش. ولا حاجة للقول، أنني كنتُ لدى الأسرة في فردوس الفاكهين قياساً بجحيم الحيزبون.
أكثر من مرة، أستعدتُ آنذاك ما كان من لقاء التعارف مع ذلك الأديب الأمريكي؛ " فريدريك بوول ". رأيتُ فيه ما يُشبه " القرين "، بالنظر لتشابه ظرفيّ وجودنا في المغرب كهاربين من بلدينا الأصليين. لم أكن قد قرأتُ له شيئاً بعدُ. ومع ذلك، فإنني خلصتُ من الإستماع لمحاضرته في رواق الفنون ( كان موضوعها عن تجربته الأدبية )، إلى أنني أمام أحد أهم كتّاب قرننا التعس. بصرف النظر عن اسمه الذائع في عالم اللغة الإنكليزية، فإن الرجل الثمانينيّ بدا لي مُحبطاً ومتهدماً. لم يكن الأمر متواشجاً مع كآبة الشيخوخة، بل مع ما عهده من جحود خلال إقامته، بما في ذلك أقرب أصدقائه المغاربة. على الأقل، هكذا كان رأي صاحب الدعوة، " المهدي "، لما أجتمعتُ معه ثمة على أثر إنتهاء المحاضرة: " من المؤلم لي كمواطن، أنّ يتفوّه أديب مخضرم بكلام ممتحّ من جرحٍ عميق في نفسه؛ هوَ من عاشَ بين ظهرانينا لأكثر من أربعة عقود. لقد قال في حوار أجرته معه مؤخراً التلفزة الفرنسية، بأنّ من المستحيل للمرء الغريب أن يعيش بكرامة في المغرب ما لو لم يكن مسلماً! ".





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: الياء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الياء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الياء
- الجزء الأول من الرواية: الطاء 3
- الجزء الأول من الرواية: الطاء 2
- الجزء الأول من الرواية: الطاء
- الجزء الأول من الرواية: الحاء 3
- الجزء الأول من الرواية: الحاء 2
- الجزء الأول من الرواية: الحاء
- الجزء الأول من الرواية: زاء 3
- الجزء الأول من الرواية: زاء 2
- الجزء الأول من الرواية: زاء
- الجزء الأول من الرواية: واو 3
- الجزء الأول من الرواية: واو 2
- الجزء الأول من الرواية: واو
- الجزء الأول من الرواية: هاء 3
- الجزء الأول من الرواية: هاء 2
- الجزء الأول من الرواية: هاء
- الجزء الأول من الرواية: دال 3
- الجزء الأول من الرواية: دال 2


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الكاف