أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: هاء















المزيد.....

الجزء الأول من الرواية: هاء


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5327 - 2016 / 10 / 29 - 10:05
المحور: الادب والفن
    


حيّ غيليز، هوَ الحيّ الراقي الوحيد في مراكش. ولم يكن ممكناً أن نسكنه، أنا وشقيقتي، إلا بعدما صار كلانا بخدمة أناس ينتمون للطبقة الراقية. تماماً كحال الحيّ نفسه، الذي أرتبط رقيّه بوجود جاليات أوروبية ( وخصوصاً من الفرنسيين ) منذ فترة الإستعمار. المفارقة، أن كلا مخدومينا لم يكن مقيماً في غيليز: معلّم شقيقتي، " مسيو غوستاف "، كان يعيش في فيللا تابعة لمجمع فندقيّ يملكه ويقع على طرف الحيّ المُستحدث؛ آلطين. فيما أن مقر مخدومتي، " سوسن خانم "، كان يقوم في منطقة أكثر حداثة تمتد بين أسوار المدينة القديمة من جهة فندق " المأمونية " وشارع فرنسا.
من ناحية أخرى، فإنّ كل شخص عليه أن يمر من حيّ غيليز، سواء أكان غنياً أو فقيراً؛ غريباً أو مواطناً. فمحطتا القطارات والحافلات الكبيرة تقعان ثمة، يفصل بينهما مسافة قصيرة تملأها نهاراً رائحةُ دخان المركبات ومساءً عبقُ أشجار مسك الليل. لقد سرنا هناك بدَورنا، شقيقتي وأنا، أشبه بالضائعين وذلك في أول ليلة من حلولنا في مراكش؛ سرنا عبرَ شوارع وساحات بلا أسماء، يقود خطونا ضوءٌ مبهم في الأفق مصدرُهُ بناءٌ عملاق كالبرج، يلوح ويختفي بين فينة وأخرى. فيما بعد، أضحى لتلك الشوارع والساحات أسماء نعرفها، مثلما الحال مع ذلك البرج الغامض؛ " منارة الكتبية ". وإذاً، فإنّ المنارة هيَ من جعلتنا نهتدي إلى العَرَصَة الفاصلة بين حيّ غيليز والمدينة القديمة.
كانت ليلة لا ترام، كأنما هيَ كرنفالٌ حزين؛ كأنما هيَ موكبُ أحد القديسين من شهداء التنصير الأول، المنطلق من أدنى آسيا مروراً بأوروبا البيضاء لينتهي في القارة السمراء؛ ثمة أين أنهار الدم وتلال الجثث، المحتفية بهداية الوثنيين البدائيين.
الأسوار، المهيمنة بأبراجها ومداخلها على العرَصَة، كانت تلقي على الشقيقين الغريبين نظراتٍ غير مبالية من ألف عينٍ لكوّاتها الشبيهة بأوكار الطيور الجارحة. كذلك كان الأمرُ مع أولئك العابرين، السالكين ذهاباً وإياباً على رصيف شارع محمد الخامس، تكتنفهم العتمة وظلال الأشجار وبصيص أضواء السيارات ومصابيح الأعمدة الكهربائية. غيرَ أن الأمر كان مختلفاً إلى الأخير، لما عبئت بالشقيقين الغريبين فتاة بمقتبل العُمر ( لم تكن تقل ضياعاً في الواقع )، فما لبثت أن آبت إليهما لكي تقود خطاهما هذه المرة إلى ما بدا أنه مأوى الأمان والطمأنينة والأمل.
هوَذا الخطيبُ السابق للفتاة، يخرج من العمارة لحظة هممتُ بإجتياز الأمتار القليلة بإتجاه مدخلها. أومأ لي رأسه بالتحية، وقد عرفني ولا غرو، دون أن يُظهر علامة فجأته بوجودي في عرينه. بقيَ واقفاً هنيهة وسحنته نحوي، قبل أن يتقدم ليطلب مني أن أتمشى معه لبعض الوقت. فعلَ ذلك بلطف، ولكن ليسَ بدون حركة خيلاء مصطنعة. وكنتُ قد لاحظتُ ردّه، من علٍ، على تحية بوّاب العمارة القاتم البشرة: ذلك، كان نفس مسلك الرجل الأوروبيّ الأبيض تجاه المواطنين " السود ".
كان الوقتُ ظهيرة خريفٍ دافئة، وقد أطلقت الخانم سراحي مُبكراً كونها أمرت الخدم بالبدء في حملة تنظيف شاملة للجناح إستعداداً لحفل عيد ميلادها في ليلة الرابع عشر من ديسمبر. إتفاقاً أيضاً، كان على سيرة مخدومتي ألا تتأخر في المراوغة على لسان " رفيق ". أخذ يتنهّد، مما جعلني أظنّ لوهلة بأنه في سبيله لفتح موضوع فضّ عقد قرانه. لأنني كنتُ المُلام مع شقيقتي، كما علمتم، بحَسَب تلميحات " سُمية " التي أطلقتها قبيل تركنا للفيللا.
" فعلتم عين العقل بالإنتقال إلى هذه العمارة، حيث الهدوء والأمان. عرفتُ بالأمر من البوّاب، بعدما رأيتُ يوماً سيارة الرانج روفر الخاصّة بالمسيو غوستاف "، قالها بصوتٍ منطفئ مُشدداً على اسم المسيو. أبتسمتُ بفتور، دون أن أعلّق على لمزه الموجّه لشقيقتي. فلم يكن منه إلا العبوس، مواصلاً مع ذلك كلامه بهدوء: " كذلك علمتُ، مصادفةً، بأنّ سوسن خانم أختارتك للعمل كسكرتير في مكتبها. يتحتّم عليّ تهنئتك، ولو أن علاقتي بالخانم غير جيدة ". نطق جملته الأخيرة بإزدراء، حتى أنني نظرتُ إليه بدهشة متغافلاً عن شكره. ولأنه كان يبدو محبطاً، فإنني تركتُ له الحبلَ على الغارب. كنا إذاك قد قطعنا الطريقَ الضيّق عند " ساحة عبد المؤمن "، ثمة أين من المألوف رؤية بعض المومسات وهنّ يجلسن على المقاعد العريضة بشكل ثنائيّ غالباً. لم يُدهشني، في المقابل، نهوض أكثر من فتاة إلى لقاء صاحبنا العراقيّ بالقبلات الحميمة. وإذا بالتوتر يفارقه، فيغدو رقيقاً كبرعم لقّحته تواً إحدى النحلات. ما أن فارقنا ذلك المجلس، المشمول بسحابة من العطور النافذة، إلا والرجل يعود للقول بنبرة عالية: " ربما أنت لا تعلم مقدار إحترامي لك، ليسَ فقط كونك تنتمي لشعبٍ أنقذ حياتي بشهامة وشرف حين لجأتُ هارباً إلى كردستان، بل وخصوصاً لأفكارنا المتقاربة ". سكتَ لبرهةٍ، فيما كان يتأمل تأثير كلامه فيّ. فلما همستُ بمفردة الشكر، تابع الثرثرة وقد ظهر عليه الإرتياح: " على ذلك، لن أخفي عنك سببَ حقد تلك المرأة عليّ.. أعني، سوسن خانم. إنني أعرفها منذ ما يزيد عن العام، عندما كانت علاقتي جيدة مع إريك ومواطنه المسيو غوستاف. كانت هيَ تشاركنا أحياناً في السهر ببعض البارات، وكنا نتناقش بودّ في أمور كثيرة ومنها السياسة بطبيعة الحال. ذات مرة، أبديتُ رأيي بالحكم في سورية، وفقاً لما خبرته فيها شخصياً خلال إقامتي هناك. فلما قلتُ، بأنّ نظام البعث السوري لا يمكن مقارنته بالبعث العراقي المعروف بوحشيته، فإنها نبرت حالاً للهمز من قناة مذهبي. كانت ردة فعلي طبيعية، ولو أنها متسرعة، حينَ قلت لها أنّ سببَ عدائها للنظام السوري كونه قام بمصادرة أراضي الملاكين الكبار "
" حسناً، ولكنني لا أدري لِمَ يتعيّن عليّ معرفة هذا الموضوع؟ "
" لكي تأخذ حذرك منها! "، قالها بشيء من الحدة المتماهية مع الحرج. ثم أضاف: " لأنها امرأة غادرة ونمامة، على الرغم من تبجّحها برفعة أخلاق طبقتها الأرستقراطية. فما أن علمت هيَ مؤخراً بالخلاف الحاصل بيني وبين شريكي السابق، إلا ونقلت له كلاماً على لساني بخصوص السمعة السيئة للمسيو غوستاف. ربما ذكرتُ مرةً أمامها، ما يعرفه الجميع بكون الرجل لواطياً. ولكنها عمدت إلى النميمة، الآن تحديداً، حينَ علمت بنيتي مشاركة المسيو غوستاف مشروع شراء سفينة صيد يابانية لإستثمارها في مياه أغادير ". فيما كان يتكلم، أعترضتنا امرأة متسولة تحمل طفلين صغيرين أحدهما رضيعاً. ولا مِراء بأنني فاجأتُ الرجلَ، في حركتي المعقّبة منحَ المرأة قطعة نقدية معدنية.





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من الرواية: دال 3
- الجزء الأول من الرواية: دال 2
- الجزء الأول من الرواية: دال
- الجزء الأول من الرواية: ج / 3
- الجزء الأول من الرواية: ج / 2
- الجزء الأول من الرواية: ج / 1
- الجزء الأول من الرواية: ب / 3
- الجزء الأول من الرواية: ب / 2
- الجزء الأول من الرواية: ب / 1
- الجزء الأول من الرواية: أ / 3
- الجزء الأول من الرواية: أ / 2
- الجزء الأول من الرواية: أ / 1
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 2
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 1
- غرناطة الثانية
- الرواية: ملحق
- خاتمة بقلم المحقق: 6
- خاتمة بقلم المحقق: 5
- خاتمة بقلم المحقق: 4


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: هاء