أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: أ / 1















المزيد.....

الجزء الأول من الرواية: أ / 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5315 - 2016 / 10 / 16 - 01:15
المحور: الادب والفن
    


" ربّ الجنود، مخلّصنا المسيح، إلهنا الرحيم؛ لتكن عوناً للسيّد الرئيس! "
جملة واحدة، منطوقة بين حين وآخر من لَدُن رجال ثلاثة غير مرئيين، فيجيبها جموعٌ من البشر بكلمة مقتضبة: " آمين! ".. جموعٌ، تموجُ نائحة ونادبة، متكدّسة فوق بعضها البعض ـ كخيارٍ مخلل في قطرميز مملوء بعَرَق الجباه والأبدان، المالح. أراني وراء نافذة ضيقة، ممتدة بعرض حجرة الحمّام، أراقبُ محتاراً ذلك الكرنفال المفجوع، غير واعٍ لعريي المعروض أمام الأعين الدامعة. وهيَ ذي " شيرين " تلِجُ الحجرة، محتجّة كعادتها بنسيان غرضٍ ما: " أبتعد عن النافذة..! من الممكن أن تجلب لنا مصيبة، ما لو لمحك أحدهم وأدركَ أنك متخلّف عن مسيرة التشييع "
" تشييعُ من..؟ "، أطرحُ سؤالي جُزافاً دونَ أن ألتفت إلى الخلف. وكانت شقيقتي ما تفتيء تردد لازمتها: " أبتعد عن النافذة، أبتعد..! "، حينَ دخلت الوالدة. أنّبت هذه ابنتها لوقوفها ثمة، وكأنما بغية سماع حجّتها المعتادة. وقد نطقتها " شيرين "، فيما هيَ تهمّ بالمغادرة: " سروالي الداخلي، تركته هنا ولم أعُد أراه ". تخرجُ الأمّ خلفها، مدمدمة بنبرة متذمرة: " وكأنكِ لا تملكين سروالاً غيره؟ ". حال خلوّ الحجرة، توجّهتُ إلى بابها الخشبيّ كي أترّسه: " آه، إن القفلَ مخلوعٌ..! "، فكّرتُ بشعور من الخيبة. وقلتُ أنه " زاهد "، ولا شك، من فعل ذلك في إحدى نوبات جنونه. تلهيتُ عن هواجسي، بأن رحتُ أتفقّد ملابسي النظيفة المنتظرة جسدي المتهيء لطقس الحمّام. وإذا بأصوات الخلق خارجاً، تصبح أكثر صخباً. جهاز التلفاز، وكان أحدهم قد رفع نبرته، كان يُذيع نشرة الأخبار: " وعندما سئل أميرُ المؤمنين عن مزاعم إنتهاكات حقوق الإنسان، فإن جلالته أجاب بالقول: ذلك جرى في حديقة المغرب، الخلفية. أنا أستطيع أن أرى ما يوجد أمامي، ولكنني لا أستطيع رؤية خلفي ". ألتفتُ ثانيةً نحو النافذة، لأباغت بحشد من الشبّان وكانوا قد بلغوا بطريقة ما شرفةَ منزلنا، المطلّة على الشارع. فيما كانوا يتجادلون ثمة، فإنني تساءلت في سرّي: " أأنا في المنزل بدمشق، أم في الفيللا بمراكش؟ ". فإن ما ضافرَ في شعوري بالإلتباس، كان نوع الجدل المحتدم على الشرفة والمتداخل فيه لهجات سورية مختلفة:
" صبيَة صغار، حاولوا تحطيم تمثال الفارس الشهيد؛ فهل هيَ جريمة، يتوجّب على الشعب كله أن يُعاقب عليها؟ "
" وهوَ نفس الشعب، مَن أظهرَ مشاعر الحزن وفاءً لقائد المسيرة "
" ليأخذ الشيطان قائدَ المسيرة..! فإنه يصب حقده علينا بسبب عدم وجود ولي عهد، مناسب "
" ليأخذ الشيطان كل من يتكلم بسوء عن قائد المسيرة أو أولاده! "
" فلتلعن إذاً معظم أفراد الشعب.. "
" ليكن ذلك، طالما أنّ هؤلاء أصوليون "
" تتكلم عن الأصوليين، ولكنتك تفصح عن كونك غير سوريّ الأصل؟ "
" دعونا من الأصل واللكنة، فنحن شعب واحد "
" بل نحن شعوب عدة، ولن نُخدع مُجدداً بشعار الأخوّة الكاذبة! "
" نحن عدة شعوب حقاً، عربية ومستعربة! "
الرد الأخير، كان بصوتٍ مألوف. أما مُجادله، فلم يكن سوى أخي الأصغر. بلى، عرفتُ في صاحب الصوت المألوف، " الأستاذ محمد "؛ معلّم اللغة العربية. من خلف النافذة، أشرتُ لأخي مُستدعياً إياه. فما لبث " سيامند " أن دلفَ إلى الحمّام، وكنتُ إذاك ملتفّ الوسط بفوطة كبيرة. أدهشني مرآه، بشاربه النامي المائل للون الأصهب، وكما لو أنني لم ألتقِهِ زمناً. خاطبني الأخُ الأخرق فور دخوله: " أعرفُ سلفاً أنك ستكلّمني بمثل عباراتهم، مع تطعيمها بمصطلحات ماركسية "
" أخبرني أولاً، عما يجري خارجاً؟ وجنازة من كانوا يشيّعون؟ "
" هوه! أين أنتَ مما جرى؟ لقد خرجَ الناسُ يبكون وليّ العهد، وفي الوقت نفسه، كانوا قد أرسلوا أولادهم لتحطيم تماثيله. أرأيتَ نفاقاً كهذا؟ "، قالها الفتى مقلّباً شفتيه بحركة إزدراء. داخلي، كان يفيضُ بالفرح: " وإذاً، فالمستنقع الراكد تحرّك أخيراً.. ". صرفتُ الفتى، لحظة دخول والده. ألقى هذا عليّ نظرة معتادة، مرتابة، فيما كان يجوس المكان بعينيّ هرّ، رماديتين. وإذا بصره يقع على طبق طعام بائت، متوضّع على الأرض: " يا لي من تلك المرأة، المجلوبة من الجبل..! "، نطقها باستياء فيما كانت قدمه تزيح الطبقَ جانباً. على الأثر، ظهرت فتحة بالأرض رافقها شيوع رائحة كريهة. دهمني الغثيان مع فكرة تَعِسة: " وعليّ أن أتحمم مع ذلك..! ". بعيدَ مغادرة زوج الأم، انتبهتُ إلى زوال أسباب الإضطراب خارجاً. في الأثناء، رأيتني بحاجة ماسّة إلى استعمال ذلك المرحاض، المفترض. وكان على الهرج ان يحلّ مرة أخرى، باندفاع " حمو " إلى حجرة الحمّام متبوعاً بإمرأته. خاطبتني هيَ بدلّ، مشيرةً إلى رجلها وقد تصنّعت الغضب: " جاء بهذه الأداة، بمجرّد أن هربت امرأة عشيقه.. "
" أسكتي..! أقتلكِ والله لو لم تكفي عن ملاحقتي بهرائك "، صرخَ بها فيما جسمه يختلج بانفعال. تلك الأداة، وكان يمسكها بيده، كانت قطعة مطاطية ذات شكلٍ غريب. المرأة، عادت إلى القول بجسارة: " إنك أعجز من أن تمسّني بيدٍ تحمل عارك. أساساً، أنا حرامٌ بقائي في بيت يشتهي فيه أبناء الرحم الواحد بعضهم البعض ". وكنتُ أدوّر عبارتها في رأسي، مُتسائلاً عمن المقصود بها، حينَ عاد الزوج ليصرخ بجنون: " قلتِ لك، أسكتي! هذه اليد، بإمكانها أن تذبحك أيضاً! "
" أنت ممكن أن تذبح شاة مسكينة، كي تلتهم لحمها على العيد الكبير. والأجدى أن تشكُمَ شقيقتك، كونها لا تملّ من القول أنها لم ترَ قط شيئاً شبيهاً بشيئك.. "، قالت عبارتها وهيَ تتراجع نحوَ الباب، ثمّ ولّت هاربة. رفعتُ نظري إلى الرجل مُحرجاً، فلم يتحرّج عن الإجهاش بالبكاء معولاً: " نعم، هربت كاتيا مع صعلوك من الشلوح* يعمل نادلاً في مقهى بغيليز*. أردفها خلفه على دراجة نارية، متهالكة. فيما سيارتها السبورت، المهداة من قبل المسيو غوستاف، ما تني مركونة في كاراج الإقامة الفندقية بآلطين* ". ما عتمت أصوات المحتجين أن تعالت في الخارج، لحظة التفات " حمو " إلى ناحيتهم: " أنظرْ إلى من تكلمت تواً عن العار، كيف تتأبط ذراع ابن أختي كأيّ عاهرة من الملّاح* "، قال ذلك فيما كان ينتضي من طيّات قميصه سكيناً طويلة النصل. تابعته بعينين فيهما ما فيهما من جزع وهلع، مفكّراً بأن هذا الرجل الأنانيّ من الممكن أن يرتكب جريمة حينَ يفقد كلّ شيء.
" آه، أنتَ هنا أيضاً..! "
هذه كانت " خدّوج "، ويبدو أنها حضرت بهدف إختتام الموقف المخزي. عيناها الجميلتان، المائلتان قليلاً كما لدى بنات الشلوح، راحا يطوفان على جسدي شبه العاري. عند ذلك، شددتُ جيداً طرفَيّ الفوطة على وسطي. ضحكتها الرنانة، المنطلقة على الأثر، جعلتني أظن بأنها أتفقت مع حركاتي المرتبكة. وإذا بعينيها تلمعان، فيما هيَ تحدق بتلك الأداة المرمية على أرضية الحمّام، وكانت قد سقطت من شقيقها لحظة إشهاره السكين. ولكن، كان صعباً عليّ شرح الإشكال لهذه الفتاة المعابثة. هيَ ذي تتقدم مني، فتدفعني إلى الخلف برفق: " أعتقدُ أن ما يليق بك هوَ فَرْجٌ من لحم ودم، لا نسخة مطاطية عنه؛ فرج، ينبض بالشبق والشهوة ". سقطت فوقي، ثمّ نحّت الفوطة جانباً. من ناحيتي، أخذتُ أجذبها إليَ حتى لا يظهر رأسها لمن يقفون خارجاً بإزاء شرفة الفيللا. على أن فكرة أخرى، جعلتني أهجسُ بارتياع فيما كنت أهجع مغموراً بالجسد المتوثب والعتمة الممسكة بخناقي: " شقيقها لن يلبث أن يتذكّر أداته الجنسية، فيحضر سريعاً مع سكينه الحادة النصل ".
............................................

*الشلوح، هم أمازيغ الجنوب المغربي
*غيليز وآلطين والملّاح، أحياء مراكشية



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 2
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 1
- غرناطة الثانية
- الرواية: ملحق
- خاتمة بقلم المحقق: 6
- خاتمة بقلم المحقق: 5
- خاتمة بقلم المحقق: 4
- خاتمة بقلم المحقق: 3
- خاتمة بقلم المحقق: 2
- خاتمة بقلم المحقق: 1
- سيرَة أُخرى 41
- الفصل السادس من الرواية: 7
- الفصل السادس من الرواية: 6
- الفصل السادس من الرواية: 5
- الفصل السادس من الرواية: 4
- الفصل السادس من الرواية: 3
- سبتة
- الفصل السادس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل السادس


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: أ / 1