أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: أ / 2














المزيد.....

الجزء الأول من الرواية: أ / 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5316 - 2016 / 10 / 17 - 00:27
المحور: الادب والفن
    


ليلة بعد الأخرى، يُداهمني الكابوس في هذه الحجرة المتوحّدة، المغروسة في مدينة الأرواح الموحشة والمنعزلة والكئيبة؛ يٌمسك بخناقي، ثم يُخلي سبيلي بعدما يعيدني إلى مدينة أخرى كنتُ أظنّ أنني أصبحتُ في حِلّ منها. ذاكرتي، تُمسي عندئذٍ كشجرة الميلاد الخضراء، المتخمة نجيماتها الفضية بصوَر الغابة الأم.
عليّ كان أن أعود إلى تلك المدينة الأخرى، لأستعيدها عبرَ كلماتٍ مسجّلة على الورق، هارباً منها إليها. كنتُ أعرفُ مسبقاً، أنّ مدينة منتفخة بالآثام ـ كمراكش ـ لا يمكن أن تعتق المرءَ قبل خروجه من العالم مُطهَّرَ الجسد والروح؛ أنها من قوّة التسلّط على الذاكرة، لتُشبه امرأة آلهة تجمَعُ العالمَ في مرآتها الصغيرة؛ لتُشبه خصوصاً طفلة جميلة، أنجبها تلاقحٌ عابر بين المشرق والمغرب، بين الجبل والبادية، بين المدنية والبدائية، بين الروح والجسد.
كان عليّ إذاً أن أرضخ للكابوس المتوعّد، علّه يُخفف وطأته عن أنفاسي؛ أن أرضخ للمرأة الآلهة، المتسلّطة عليّ بأنفاسٍ مُعبّقة بعطور " خدّوج " و" سوسن " و" الشريفة ".. وأيضاً " غزلان " و" لبنى " و" الأميرة ". فوق ذلك، كان عليّ أن أرضخ للكتابة المتطلّبة، علّها تعتقني من أغلال كل أولئك الأشخاص، اللذين وضعتهم الصدفة في طريق رحلتي الأوليسية الممتدة لحَوْلين أكثرَ طولاً من قرنين. ولكنها " بينلوبي " المراكشية، مَن يُفترض أن تنتظرني ثمة بمغزل في يد ومقبض سرير طفلتنا في يدٍ أخرى.. هناك، أين يتجمّعُ خاطبو ودَّ الحبيبة في أمسياتٍ ماجنة، يَحجبُ صخبُها صوتَ ابنتنا الوحيدة كهذه الحجرة المتوحّدة سواءً بسواء. ولكن رحلتي إستهلّت برفقة أنثى واحدة، كانت بمثابة الشقيقة والحبيبة والابنة والأم: " شيرين "؛ من تركتها ثمة في إحدى مدافن مراكش، راقدة في قبر شبه مجهول، مُستأنسة نهاراً بضجيج الشارع العام، الرابط باب دكالة مع غيليز، وليلاً بصدى طبول ساحة جامع الفنا، المتأتية لسمعها بنفس الرهبة حينما كانت تقف على شرفة حجرتها في فيللا الأسرة المضيفة.
" شيرين "، على المنقلب الآخر، كانت هيَ السبب الأساس في تفكيري بكتابة سيرتي المراكشية. لقد سبقتني في ذلك، عندما كانت ما تفتئ حبيسة السجن الإحتياطيّ. وكانت حريصة على تسليم أوراق سيرتها إليّ عن طريق محاميها. هذا الرجل، وكان يبدو بعُمرٍ مُراوحٍ على عتبة سنّ التقاعد، أرسل على عنواني حزمة الأوراق تلك مُرفقة برسالة مُقتضبة. كنتُ آنذاك قد عدّتُ إلى عرين " سوسن خانم "، وكان الرجلُ من الذكاء والحساسية أنه أدرك مسبقاً المانعَ الحائل دون لقاءنا. أجل، كان من المُحال ألا أعرف منه عندئذٍ بالظروف المحيطة بموت شقيقتي المأسويّ، وكان هذا جدّ مؤلم لي وفوق طاقة تحمّلي. موتها، كان أشبه بقصيدة؛ قراءتها أخفّ وطأة من سماعها.
" شيرين "، لكأنما شاءت أن تنفحَ روحَها في أوراق السيرة قبل أن تختفي طيّ طبقات السماء. بيْدَ أنها فعلت ذلك بعيداً عن الإنفعال ( المفهوم مع ذلك بالنسبة لإنسانة فقدت الرغبة بالحياة )، وعن أيّ عنعنات شخصية. سيرتها، سُجّلت بأحرف من نار الخلود مثل حياتها الحقة على السواء. ليسَ أسلوبها حَسْب ما أدهشني ببراعته، وإنما أيضاً لغتها الشاعرية الأقرب إلى الملحمية. من الممكن أن يأخذ عليها البعضُ كتابتها المكشوفة، علاوة على الكثير من عباراتها المجدّفة. وأنا كنتُ من هذا البعض، في بادئ الأمر على الأقل. على أنني مع شروعي بدَوري في الكتابة، أيقنتُ بإستحالة التعبير الصادق عن الحياة المراكشية بغير تلك الطريقة المَوْصوفة. والقارئ الجاد، في آخر المطاف، هوَ من يغوص في عمق النصّ الجيّد بصرف النظر عن مسألة المحرّمات والمحظورات. أكتب هذا، وبغض الطرف أيضاً عن حقيقة لا تقل أهمية، تتمثل في صعوبة نشر النصوص المكشوفة في عالم الضاد. إنني لا أبريء نفسي من المسؤولية، فيما لو ضاعت مخطوطة السيرة. لقد أعدتُ حزمةَ الأوراق إلى المحامي، عن طريق البريد، مُحتجّاً بكوني أسعى إلى مغادرة المغرب إلى أوروبا. لم أستطع العهد بالمخطوطة إلى " سوسن خانم "، أو غيرها من معارفنا، طالما أن السيرة تتناولهم بالإسم. كنتُ أعوّل على نزاهة المحامي وإخلاصه ( المتبديين جلياً في تعامله مع موكلته )، في حفظ المخطوطة أو حتى إمكانية نشرها بالنظر للجوّ المنفتح مؤخراً في المغرب ـ كما يمكن الإستدلال عليه بالسماح للكاتب محمد شكري بطباعة سيرته الذاتية، المُعنونة ب " الخبز الحافي ".
ولكي لا أعود مرة أخرى إلى الحديث عن مصير مخطوطة شقيقتي، يتعيّن عليّ الإشارة لمحاً إلى ظروفي في السويد؛ أين أقيم منذ سنة ونيّف. فعطفاً على موضوع المحامي، فإنني كنتُ أحتفظ بعنوانه البريديّ ومؤملاً أن يُرسل إليّ المخطوطة حال تمكّني من العبور إلى السويد عن طريق روسيا. لسوء الفأل، فإنني في غمرة مشاغلي تلك أضعتُ بطاقة الرجل. بل ولم أكن آنئذٍ حتى على صلة بإمرأتي السابقة، التي تحتضن ابنتنا. في مثل هذه الحالة، فإنني كنتُ أحيل الأمرَ إلى عالم الغيب طالما أنني سبقَ وواجهت ظروفاً مماثلة تقريباً في مراكش وبعدها في موسكو. بأيّ حال من الأحوال، فإنّ تجربتي الشخصية أمدتني بيقينٍ ثابت فيما يتعلق بالنشر في السويد. ديواني الشعريّ، كنتُ قد طبعته في ستوكهولم بمعونة من صديقتي السويدية بشكل خاص. المائة نسخة، وكانت هيَ مجموع عدد الطبعة المتواضعة، ما لبثت أن استقرت في مستودع بقبو بنايتنا. ثمّ نُسيَ أمرُ تلك النسخ، إلى حين قيامي لاحقاً بإخراجها وحرقها عند طرف الغابة المجاورة. على ذلك، فلعل من المفهوم لِمَ لم أجد في نفسي رغبة لبذل مزيدٍ من الجهد بشأن معرفة مصير مخطوطة " شيرين ". وربما يتكرر الأمرُ مع مخطوطتي هذه، ولو أنني على ثقة بصدق حماس صديقتي بخصوص الإحتفاظ بها مع بقية كتاباتي ورسومي. فلو أنّ ما أكتبه الآن سيصل إلى القارئ، فإنّ ذلك سيكون نوعاً من تحدّي ذلك المقدور؛ الذي كان لي دوماً بالمرصاد مثل عدوّ مبين.. ولو كانت " شيرين " حيّة، أو ثمة طريقة ما لقراءتها جملتي الأخيرة، لعبّرت عن ذلك بضحكتها الغامرة؛ هيَ من كانت في حياتها مَوْسومة بلقب " العرّافة ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من الرواية: أ / 1
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 2
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 1
- غرناطة الثانية
- الرواية: ملحق
- خاتمة بقلم المحقق: 6
- خاتمة بقلم المحقق: 5
- خاتمة بقلم المحقق: 4
- خاتمة بقلم المحقق: 3
- خاتمة بقلم المحقق: 2
- خاتمة بقلم المحقق: 1
- سيرَة أُخرى 41
- الفصل السادس من الرواية: 7
- الفصل السادس من الرواية: 6
- الفصل السادس من الرواية: 5
- الفصل السادس من الرواية: 4
- الفصل السادس من الرواية: 3
- سبتة
- الفصل السادس من الرواية: 2


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: أ / 2