أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: ب / 1















المزيد.....

الجزء الأول من الرواية: ب / 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5317 - 2016 / 10 / 18 - 23:36
المحور: الادب والفن
    



اسمُ " مراكش "، كان يعني لأبناء جيلي بلادَ المغرب قاطبةً. وأعني هذا الجيل، المراوح عمرُهُ الآن ( أي في منتصف تسعينيات القرن العشرين ) عند أواسط الحلقة الثانية. وكوني من هواة جمع الأشياء القديمة، فإنني ما زلت أحتفظ ببيتنا في دمشق بأطلس من زمن الإنتداب الفرنسيّ يظهر فيه خارطة المغرب وقد نقش عليها بالعربية اسمٌ وحيد؛ " مراكش ". ولن أدعَ الأطلس جانباً، قبل أن أنوّه بمعلومة أخرى: اسمُ " كردستان "، كان أيضاً مٌرقّشاً ثمة باللغة ذاتها، قاطعاً حدودَ ثلاث دول مشرقية على الأقل. وإذاً، فإنّ كلا الإسمين كان بموضع الصدارة ثمّ تضاءل وكاد أن يضمحل. ولا أعني موضعَ الخرائط، حَسْب.
ذلك الإشكال المَوْصوف، لكأنما شاءَ أيضاً أن يتلبّسَ كينونتي. إنها لحكاية قديمة، حصلت قبل حوالي ربع قرن. وكنتُ في مبتدأ السيرة قد ألمحتُ لحقيقة، أنني لم أعرف لي أباً. لم يكن ثمة شبهة في الأمر، طالما أنّ شقيقة تصغرني بعام واحد قد شاركتني في هذا المصير. في المقابل، لم يجرِ اسمُ والدنا على لسان الأمّ مرة قط، وكما لو أنّ الرجل لم يكن موجوداً في يوم من الأيام. شيء واحد مؤكّد في تلك الحكاية القديمة، وهوَ أننا وجدنا أنفسنا على الجانب الآخر من الحدود على أثر مغامرة هروب خطرة قادتْ خطى والدتنا من بلدتها الأولى؛ " بوطان ". ولا بدّ أنها كانت رحلة مضنية، وبشكل خاص لإمرأة تحتملُ ولدين على ظهرها.
" مُحال أن تتذكّر ذلك؛ فإنّ عُمرك آنذاك لم يكن يتجاوز العامين "، هكذا كانت الأمّ تجيبني حينما كنتُ أصرّ في صغري على وصف مشهد الحدود ذات الأسلاك الشائكة والممرات المغطاة بالأعشاب الربيعية. في هذه الآونة من طفولتي، كنا ما نفتئ نقيم في مدينة بانياس، المرابطة على شاطئ البحر المتوسط. كنا ضيوفاً على امرأة أرملة من أقاربنا البعيدين، تُدعى " روشن خانم "؛ وهيَ قرابة، بقيت مُلتبسة بالنسبة لي شخصياً. قريبتنا المُفترضة، كانت تنحدرُ من سلالة " بدرخان "، التي حكمت منطقة شاسعة من ولاية كردستان العثماني حتى أواسط القرن التاسع عشر. اسمُ سلالة الأمراء تلك، ما لبثَ أن أضحى كنيةً لنا فورَ تقييدنا كأجانب في سجل النفوس السوريّ. جرى تسجيلنا في دمشق، آنَ انتقلنا إليها مع والدتنا على أثر إقترانها برجل من حيّ الأكراد ( أو ‘ ركن الدين ‘ كما يُعرف حالياً ). شقيق الرجل، هوَ من كان واسطة ذلك الزواج. لقد كان فيما مضى من حواريي زوج " روشن خانم "، المُعتبر رائد النهضة الثقافية القومية في النصف الأول من القرن. إذ إتفقَ أن كان الشقيقُ زائراً للأرملة في منزلها، فشاهد صورة للأمّ في الصالة. هذه الصورة، كان قد سبقَ والتقطها شابّ جزراويّ من زوّار الأميرة. وإذاً، فإنّ ذلك " الحواريّ " كان قد أعربَ للمضيفة عن إعجابه بصورة " خَجِيْ " الجميلة. حال معرفته بكون صاحبة الصورة ربيبة للخانم، وتعيل طفلين صغيرين، فإنه فكّرَ فوراً بشقيقه الكبير. هذا الأخير، ولنقُل أنه مشهورٌ بلقب " الآغا "، كان مترملاً منذ بضعة أعوام ولديه ابن في مبلغ الشباب تقريباً. كان " الآغا "، من ناحية السلوك والعقلية، على إختلاف بيّن عن شقيقه الأصغر؛ المُعرَّف بالطيبة والبساطة والوعي والكرم. شقيقتهما، كانت كذلك تتّصف بتلك الخصال المحمودة، التي جعلت حياتنا مُحتملة نوعاً.
من ناحيتي، فإنني سأتأثّر كثيراً بأفكار ذلك " الحواريّ " كما وبشخصيته ومسلكه. أعتقدُ أن اهتمامه بي كان نوعاً من الوفاء لذكرى معلّمه الأول، طالما أنني كنتُ مَحسوباً على سلالته. هذا الإهتمام، سألقاه أيضاً خلال دراستي الجامعية من لَدُن زملاء قادمين من الأقاليم الكردية الشمالية. فأنّما جرى تقديمي، كنتُ أسألُ عندئذٍ: " أأنتَ من عائلة الأمير بدرخان..؟ ". الحق، أنني كنتُ أسعد لما كنتُ ألقاه من إحترام على خلفية كنيتي، وعلى الرغم من أنّ داخلي كان يهزأ بهذه القرابة المزعومة. أما في الزقاق، فإنّ الأمرَ كان مختلفاً. فمنذ صغري، كانت تتناهى إليّ همسات الجيران عن أبي المجهول. ذات مرة، وبُعيد فضّ مشادة بيني وبين ابن أحد الأولاد، ما كان من والده إلا أن سحبه وهوَ يوبخه بالقول: " ألم أنذرك بعدم اللعب مع ابن الحرام ذاك؟ ". على أنّ الأمرَ خف عليّ شيئاً، عند بلوغي سن اليفاعة. منذئذٍ، أصبحتُ أميل إلى الإنعزال وإيثار الوحدة مع كتبي وأفكاري وأحلامي.. أصبحتُ صنواً بشكلٍ من الأشكال لزوج الأم، وكان على خلقٍ غريب لناحية الإبتعاد عن الآخرين بما فيهم أخوته وأقاربه.. خلق غريب، ولكنه كان مفهوماً لنا بوصفه ينمّ عن شخصية انسان بغاية الشحّ والأثرة واللؤم والأنانية.
ذلك الإنسان، وبصرف النظر عن تفاهة شخصه، استطاعَ أن يُلقي بظله الثقيل على حياتي كلها. وبسببه، إنما كان كرهي الدفين للرجل المُفترض أنه والدي. هذا الرجل، وكان مجهولاً دائماً مثلما سبق القول، كنتُ أتصوّره شبيهاً بزوج الأم وكأنهما شخصٌ واحد. مذ بدء وعيي، دأبتُ على التسليم بفكرة أنّ الأمّ كانت فلاحة فتية بسيطة بيعت لملّاك، أو اختطفها عنوةً، ثمّ ضُمّت إلى جواريه لتعيشَ ثمة فيما يُضاهي الجحيم. " لا يمكن لإمرأة أن تغلق داخلها عن أيّ كان، حتى أولادها، لولا أنها تبغي دفن ذكرياتها أبداً "، كذلك كنتُ أخلص في كلّ مرةٍ أفكّر فيها بالأب المجهول.
وهأنذا بدَوري أمسي أباً مجهولاً، بالنسبة لابنتي. ولكي تكتمل لعبة القدَر، فإنها الآن في نفس سنّي حينَ أحتملتني جدّتها وسميّتها لعبور الحدود. " خجي " الصغيرة، كانت ثمرة علاقة غير شرعية مع امرأة متزوجة. رجلها الأول، وكانوا يدعونه " سيمو "، هوَ مَن أغوى شقيقتي " شيرين " ومن ثمّ ورّطها في جريمة قتل صديقها الفرنسيّ. إلا أنّ هذا حديثٌ آخر، له ميقاته ولا ريب.
ولكن لسوء فأل ابنتي، فإنّ والدتها لم تكن انسانة تملك صفات " خجي " الكبيرة. ولا يمكن الحديث هنا عن ظروف حياة " الشريفة "، كتبريرٍ لمسلكها. فإنّ الظروفَ الصعبة، في حالة والدتي، هيَ من صقل شخصيتها القوية وأبرز ما تملكه من خصال رائعة، حتى مع وقوعها مرة أخرى بين براثن شخصٍ أشبه بوحوش البرية. غير أنني، من ناحية أخرى، لا أبريء نفسي فيما يخصّ ظروف ولادة ابنتي ومن ثمّ فقداني لأثرها. ولكي تكتمل المأساة، كان على الروتين القاتل أن يكون بالمرصاد. قبل ولادة " خجي "، حاولتُ الإقتران رسمياً بوالدتها. ولكنني لم أفلح سوى بعقدٍ صوريّ عند أحد العدول، لا قيمة قانونية له. فزواج أجنبي بمواطنة في المغرب ( كما هوَ حال معظم بلاد الضاد )، دونه أكوام من الأوراق والأختام الرسمية علاوة على الأيدي المتطلّبة نفحات الرشوة والإكراميات. فما أن يتقدّم أجنبيّ للزواج بمواطنة، حتى يُصبح لها قيمة توازي قيمة ملكة بريطانيا. في بلاد تُرمى فيها الفتيات إلى قارعة طريق البطالة والتسوّل والبغاء، يغدو القانون صارماً حينَ يتعلّق الأمرُ بزواج إحداهن من أجنبيّ. فما بالك بشخص مثلي، كان يقيم كلاجئ في فردوس أمير المؤمنين، الخلفيّ؟



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من الرواية: أ / 3
- الجزء الأول من الرواية: أ / 2
- الجزء الأول من الرواية: أ / 1
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 2
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 1
- غرناطة الثانية
- الرواية: ملحق
- خاتمة بقلم المحقق: 6
- خاتمة بقلم المحقق: 5
- خاتمة بقلم المحقق: 4
- خاتمة بقلم المحقق: 3
- خاتمة بقلم المحقق: 2
- خاتمة بقلم المحقق: 1
- سيرَة أُخرى 41
- الفصل السادس من الرواية: 7
- الفصل السادس من الرواية: 6
- الفصل السادس من الرواية: 5
- الفصل السادس من الرواية: 4
- الفصل السادس من الرواية: 3


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: ب / 1