أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: الطاء















المزيد.....

الجزء الأول من الرواية: الطاء


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5339 - 2016 / 11 / 10 - 05:22
المحور: الادب والفن
    


ها هنا " جزيرة الأميرة السعيدة "، وفقَ تعبير الرجل الصغير، ولا أثر لسعادة حقّة. على أنّ الهدوء والدِعَة والسكينة، كانت بدائل مناسبة لأيام أخرى أقل قلقاً من هذا اليوم المشهود، الدامي. كما هوَ حالُ القصر الريفيّ، المتفرّد بالعظمة وسط محيطٍ من بيوت طينية، مهجورة بمعظمها على أثر مصادرة أراضي أصحابها.
وإنه الرجل الصغير، من تكفّل مهمة إعادتي للضفة الأخرى من البحيرة بأحد القوارب، المتوجّب على نوتيتها سلكَ طريقٍ محدد لكي لا يفسدوا أيكة الزنابق المغطية سطح الماء. وكانت الأميرة قد أختلت ثانيةً بروايتها الفرنسية، على أن تلتقينا على مائدة الغداء ثمة في القصر. على ذلك، مضى بي مساعدها في جولة جديدة على الأقدام أوصلتنا إلى تلك المنازل المهجورة، المتداعية الأسقف، والتي غزتها الحشائش والأشواك.
" لقد أضحى المكان مأوىً للأفاعي والعقارب، ويقيناً أنها أكثر وفاءً من أصحابها الجشعين..! "، قال لي المساعدُ مشيراً بكفّه السمين إلى البيوت المقفرة من الحياة. ثم أردف موضّحاً: " المزارع معتاد على السوط، فإنك لو تعاملت معه بإنسانية فإنه يزدردك بلقمة واحدة! أيّ كفرٍ بالنعمة، ناهيك عن قلّة الوفاء، أن يرفض المرء تعويضاً مالياً لقاء تخليه لسادته عن أرض لا تدرّ عليه طوال حياته ربع هذا التعويض؟ ثم تتنطّع صحف المعارضة للقول، أنّ الأراضي الزراعية الخصبة تجفف بهدف بيعها إلى الأجانب، وحتى الإسرائيليين، من أجل أن يقيموا عليها فيللاتهم. كذلك زعم هؤلاء المعارضون، أنّ الريف المراكشيّ آيلٌ إلى التصحّر بسبب إزالة الأشجار والمزروعات عند تمهيد الأرض للبناء. ولكنهم لا يقرّون بحقيقة، أنّ أولئك الأجانب قادمون مع ملايين الدولارات بهدف الإستثمار وإنعاش الإقتصاد الوطنيّ. فماذا يضيرُ لو تحوّلت بضعُ عشرات من الدونمات إلى مساكن راقية، وعندنا أراضٍ خصبة لا تحدّ؟ هذا فضلاً عن تربة تختزن كمية وافرة من المياه، بحيث أنك لو نكشت بعودٍ لتفجّرت زلالاً بين يديك ـ كما جرى مع ستنا هاجر زوجة ابراهيم عليه السلام في حكاية بئر زمزم! ".
ثمة، في القصر الريفي، رأيتني للمرة الأولى في الصالة الكبرى، المقسّمة إلى ثلاثة طُرُز بوساطة أعمدة وأقواس من الرخام الملبّس جزئياً بالزليج، فيما الجدران كُسيت بشرائط من نقوش الجبص الناصع والملوّن، المحتفي بعضها بآيات قرآنية. أقتعدتُ بمقابل جهاز تلفاز كبير، يبدو متغرّباً عما حوله من مفروشات تقليدية وإكسسوارات أنتيكية. كنتُ متلهفاً على سماع الأنباء، المتواترة على القناة الرسمية. وهيَ ذي مُقدّمة نشرة أخبار، تحدّق بالمشاهدين بعينين جاحظتين وكأنما في سبيل ترويعهم. أو ربما أنّ أحدهم روّع هذه المذيعة، بكون النشرة لا بدّ ويتابعها العرشُ بالنظر إلى الأوضاع الدقيقة. على أن المهم في الأمر، ولا شك، طمأنتنا بأنّ قلة من الأشخاص، أغلبهم فتية طائشين، جرحوا خلال مواجهات جرت في عدة مدن مع قوات الأمن، والتي خسرت في المقابل ثلاثة شهداء.
" مجرمون ومتمردون..! لقد قتلوا بدم بارد رجال الشرطة، المكلفين بأمن وسلامة بلدهم "، هتفَ الرجل الصغير معلّقاً على الخبر. من ناحيتي، كنتُ مشغولاً بتتبع اسمَ مراكش وماهية دورها في الأحداث. ولكن النشرة لم تذكر سوى كلمات مبتسرة عن مدينتنا، منها قيام الغوغاء بتخريب عدد من المحلات التجارية وإضرام النار ببعض السيارات. في أثناء ذلك، أنتبهت فجأة إلى أنّ الصمتَ هيمن على المكان وكأنما أقفرَ من ساكنيه. رفعتُ رأسي، على أثر سماعي صوت حفيف ثوب نسائيّ، وإذا بالأميرة تلجُ الصالون في اللحظة نفسها قادمة من البوابة الخارجية المفضية للحديقة. كانت قد أبدلت هيئتها البسيطة بقفطان باذخ، كحليّ اللون، متبدد العتمة ببريق الخيوط الذهبية والفضية علاوة على حبات الماس وقلائد الجواهر.
" دَعَنا الآن وإذهب إلى المصلى، كي لا تفوتك صلاة الجمعة "، خاطبت مديرَ أعمالها بلهجة جافة. فلما نهضَ الرجلُ متمتماً بوَرَع اسمَ الخالق، فإنّ الأميرة عادت لتقول له ملاطفة: " ستتناول الغداء معنا، على أيّ حال، فلا تحرمنا من دعواتك الصالحة! ". تمعّنت فيّ على الأثر، متبسّمة في رضا وجذل، ثم جلست على ديوان بمقابلي. " أرأيتَ كيف نتعامل مع أقرب مساعدينا؟ فتخيّل كيفية الحال مع من نعتبرهم عبيداً! "، قالت ذلك وقد تلبّستها على غرّة هيئة قاسية. ثم أردفت وهيَ تومئ برأسها إلى ناحية التلفاز: " القتلى الأبرياء بالعشرات، والجرحى أضعاف مضاعفة. نحن نكذب، بطبيعة الحال، حينَ نتقمّص صفة الضحية. والعوام يدركون جيداً أننا نكذب، طالما أن الجثث متناثرة في الشوارع وليست مخفية كحال المعتقلين في السجون السرية، الشبيهة بالقبور. ولكننا نعتمد على النسيان، فلن يأتي شهر الصيام بعد أشهر قليلة إلا وترى هؤلاء العوام يترنحون من الإملاق، فيتعاركون في الشوارع لأتفه سبب. الشرطة لا تتدخل عادةً، لأن واجبها الأول هوَ بث الخوف في أفئدة العوام من الفوضى واللصوصية والإجرام. أما رجال الدين، فمهمتهم تتمثل بجعل هذه الأفئدة مسكونة دائماً بالخوف من عذاب يوم القيامة ". فلما أستبطأت الأميرة تعليقي على كلامها المفعم بصراحة فجّة، فإنها نظرت إليّ مستفهمة: " أظن أنّ الحال لديكم مشابهٌ، مع كون النظام السوريّ إشتراكياً؟ "
" بلى، هناك يمكن بسهولة ويسر دفن ثلاثين ألفاً من الأبرياء، نساءً وأطفالاً وشيوخاً، تحت أنقاض مدينة واحدة. فيما أن أحد أكبر شوارع دمشق، يحتفي بإسم المهدي بن بركة بإعتباره مناضلاً ضد الرجعية والإستعمار "، أجبتها منساقاً بمشاعر الغيظ والغضب المكبوتة. دهشتُ لما رشقتني بما يشبه نظرة إمتنان، وكأنما كانت تفكّر بأنّ سليلاً للنبالة ـ كذا ـ لا يمكن إلا أن يوافقها في إحتقارها لعامة الناس. بقينا صامتين لحين دخول خادمة فتية، تدفع منضدة صغيرة على عجلات وقد ذخرت كلا طبقتيها بألوان الأنبذة والفاكهة. أشارت " للّا عفيفة " للفتاة بالإنسحاب، ثمّ راحت على الأثر تتعهّد صبّ كأسين من النبيذ الأحمر. قالت لي وهيَ منشغلة بما بين يديها: " أتصلتُ بسوسن خانم، وطمأنتها أنك بخير. كنتُ بسبيلي لتهنئتها بعيد ميلادها. أعجبني منها الإصرار على الإحتفال بالمناسبة، في هذه الليلة، على الرغم من الأجواء المشحونة بالتوتر والقلق والخوف ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من الرواية: الحاء 3
- الجزء الأول من الرواية: الحاء 2
- الجزء الأول من الرواية: الحاء
- الجزء الأول من الرواية: زاء 3
- الجزء الأول من الرواية: زاء 2
- الجزء الأول من الرواية: زاء
- الجزء الأول من الرواية: واو 3
- الجزء الأول من الرواية: واو 2
- الجزء الأول من الرواية: واو
- الجزء الأول من الرواية: هاء 3
- الجزء الأول من الرواية: هاء 2
- الجزء الأول من الرواية: هاء
- الجزء الأول من الرواية: دال 3
- الجزء الأول من الرواية: دال 2
- الجزء الأول من الرواية: دال
- الجزء الأول من الرواية: ج / 3
- الجزء الأول من الرواية: ج / 2
- الجزء الأول من الرواية: ج / 1
- الجزء الأول من الرواية: ب / 3
- الجزء الأول من الرواية: ب / 2


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: الطاء