أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: واو 2















المزيد.....

الجزء الأول من الرواية: واو 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5331 - 2016 / 11 / 2 - 00:49
المحور: الادب والفن
    


أعتقدُ أنّ " سوسن خانم " وضعتني تحت المراقبة مذ علمها بالبورتريه، الذي رسمته لمرافقتها. مع كون هذه الأخيرة لا تفارق الجناح نهاراً، لحين أن يحضر زوجها على دراجته النارية مساءً كي يمضي معها إلى منزلهما الكائن في الداوديات. إلا أنني كنتُ أشعر فعلاً بأن أحدهم يقتفي أثري، وذلك حالَ خروجي من جناح مخدومتي عصراً. بالتالي، عليّ كان أن أتذكّر تحذير شقيقتي ذات مرة بشأن ملاحقتي من لَدُن الفتى المتهوّر؛ " غني ". آنذاك، علمتُ من " شيرين " بكون مخدومها الفرنسيّ من تولّى بث عيونه لتحرّي الأمر ( وربما حمايتي أيضاً عند الضرورة ). لقد حفظتُ معروفَ الخانم، كونها هيَ التي طلبت من " المسيو غوستاف " تأمين العملية. ولكنني لم أفتح قط الموضوعَ معها، ما دامت تكتمت عليه من ناحيتها. ما كنتُ أعرفُ دافعاً لبادرتها تلك، سوى أنها كانت تبغي حماية موظفٍ لديها. في الحالة الجديدة، فإنّ الأمر كان مختلفاً ولا مِراء: كنتُ والخانم عندئذٍ على أتمّ إنسجام، ظاهرياً على الأقل. أفكارنا، عواطفنا، أهواؤنا؛ كلها كانت تنمو في جوّ جميل وتحت سقفٍ واحد. ذلك كان يتقاطع أحياناً مع غيرةٍ غير مفهومة، تبادلناها سويةً إن كانت صدقاً أو نفاقاً. إلا أنّ سهامَ الغيرة كانت مُريّشة من قوسها غالباً، ودأبت في كلّ مرة على جرح مشاعري. فمما لا شكّ فيه، أنّ شخصياتٍ أخرى كانت أيضاً متشابكة مصائرها مع مصيرينا، لدرجة اليقين بأنّ ثمة خيطاً واحداً يشدها إلى شبكة عنكبوت.
الغيرة، كانت لعبة " سوسن خانم " المفضلة. كأن تخبرني عصرَ أحد الأيام بأنها ذاهبة بالسيارة إلى فيللا المسيو الفرنسي لممارسة رياضة الغولف، وإذا بي أعلم لاحقاً بتغييرها لرأيها في الطريق: " شئتُ المرورَ على الرواق، لكي أتبادل الحديث مع أستاذي الشاعر "، تقولها مع بسمة يانعة وهيَ تدخل عليّ في المرسم. كنت أعرف بالطبع أنها تقصدُ " المهدي "، وأنني المعنيّ بهذه الحركة. شعوري بالخيبة يومذاك، مردّه لكون إشارتها تذكّرني بأنّ مَن حلّ بمكان الشاعر، هوَ مجرّد موظف لديها يحصل على راتبٍ مُجزٍ مقابل أوقاتٍ سعيدة من الدردشة الأدبية والفنية. فعدا قيامي بتنقيح خواطرها الشعرية، فإنني لا أكاد أعمل شيئاً. حتى الرد على المكالمات الهاتفية وتنظيم الإجتماعات مع الزوّار والعملاء، كانت " الشريفة " تتعهدهما بفرنسيتها الأنيقة وخبرتها في التعامل مع رجال الأعمال الأجانب. كانت تنجز تلك الأعمال السكرتارية بشكل رائع؛ هيَ المرأة الحسناء، اللبقة واللطيفة!
" ثمة فرقة مسرحية فرنسية، ستقدّم عرضاً إفتتاحياً غداً على الأوبرا الملكية "
قالت لي الخانم، فيما كانت تخرج من حقيبة يدها ثلاث بطاقات طيّ ظروفها الناصعة والمعطّرة. ثمّ أردفت بنبرة رقيقة: " لقد حصلتُ عليها اليوم من المهدي. سيكون هوَ بالطبع حاضراً، وربما صُحبة امرأته ". لما رأتني أمعن في التجهّم، ما كان منها سوى الإضافة: " إنها فرصة لتجتمعوا مجدداً، بما أنني خطفتك منهم خلال الآونة الأخيرة "
" كدأبك كل حين، تؤذينني باللمز والهمز "
" ولمَ سأفعل ذلك؟ "
" أنت تفعلينه، على أيّ حال. ولكنه عبثٌ مفضوح، طالما أنّ غمازات وجهك تنطق بالمرح والحبور "
" أنتَ لا تجرؤ على إجابة سؤالي.. "
" بلى، أنت لن تنكري أنك تمثّلين دورَ المحبّة الغيورة "
" محبة وغيورة؟ "، رددتها مطلقةً ضحكة عالية. ثم تطلّعت إليّ بشكل جديّ، محتفظة بابتسامة ألقة على فمها الجميل. أربكتني نظرتها، على ما في بسمتها من دفء. لقد أحسستُ، ولا غرو، بأنني تفوّهت بما ينمّ عن حماقة. عادت لتقول لي، وقد بدت مشغولة الفكر بما كان من طرقها العصبيّ لأحد الظروف الثلاثة على سطح طاولة المكتب: " قد أكون معجبة بك، ولكن الحبّ هوَ في مكان آخر، قصيّ وأبعد منالاً ". لم أتمكن من إستيعاب ما فاهت به، فطفقتُ أنظرُ في عينيها منتظراً المزيدَ مما ظهَرَ وكأنه إعترافٌ. في الأثناء، دخلت " الشريفة " إلى المكتب وكما لو أنها تلعب دوراً في مسرحيّةٍ من إخراج القدَر.
" أشعلتُ الشموعَ والندّ، ثمة في الترّاس. أنا ذاهبة، فسيمو ينتظرني خارجاً "، خاطبت المرافقةُ مخدومَتَها وهيَ تشدّ المعطف الشتويّ على جسدها المُكتسي بالجلابة. رمقتها " سوسن خانم " بنظرة ملية، قبل أن تفيق من غمرة أفكارها. راحت توصيها بالقول: " أخبري ثوركِ، أنك ستحضرين معي غداً مساءً مسرحية في دار الأوبرا! ". نطقتها ببساطة، وما لبثت أن هبّت من مجلسها بحيوية. ثم تهادت إلى حيث موقفي، فأمسكت بمعصمي قائلة: " أما أنتَ، أيها الوعل الجبليّ، فسأحجزك لبعض الوقت في الترّاس بما أنّ حديثنا لم ينتهِ بعد ". كلمات " سوسن خانم " وحركاتها، المفصحة عن مساهلة واضحة في التكليف بيننا، جعلت عينيّ مرافقتها تتفتحان عن تعبيرٍ فيه ما فيه من دهشة وإستغراب. قلتُ في سري عند ذلك: " إنها تلعبُ على حبل الغيرة مع عشيقتها، هذه المرة! "
عليّ كان أن أتوقف أيضاً عند صفة الوعل الجبليّ، بما أنه رمزٌ جسّدته في لوحتي تلك ذات الموضوع الأسطوريّ؛ " خجي وسيامند ". ما طمأنني إذاك، هوَ حقيقة أنني كنتُ قد أنجزتُ تخطيطاً أولياً للوحة، وسبقَ للخانم أن أبدت إعجابها به. فلما عادت من أغادير، إستفهمت مني ما إذا كنتُ قد أنهيتُ العمل باللوحة. فأضطررت للكذب حينَ أجبتها، بأنني صرفتُ النظر آنياً عن ذلك العمل كوني أنشغلتُ بوضع لمسات أخيرة على بورتريه يخصّها. فلما قلتُ لها ذلك، فإنها سألتني عن البورتريه الآخر، المصوّر مرافقتها. هذه الأخيرة، مثلما أخبرتني لاحقاً، هيَ من أعلمت مخدومتها بالأمر: " تصرفتُ كذلك، لكي لا تعتريها الظنون في إمكانية حدوث إتصال بيني وبينك خلال غيبتها بأغادير. ولعلمك، فإنها استجوبت سيمو بشأن تحركاتي خلال فترة سفرها. يبدو أنها سألته بشكل طبيعيّ وعابر، بحيث أنه نقل لي الأمر بدون أن تنتابه أيّ ريبة ". الجملة، المختتمة بها " الشريفة " كلامها، جعلت داخلي يهتز بضحكة متهكّمة. إذ كانت قد أعلمتني قبلاً بعملها في بيوت المقيمين الأجانب، وفوق ذلك، وقفت كموديل أمام أحدهم. على أنها بقيت بئراً مغلقاً فيما يتعلق بعلاقاتها الجسدية مع أولئك الرجال، وغيرهم، كونها خططت طويلاً كي تكون جزءاً من كينونتي. لم يقدّر لي معرفة خلفية هذه المرأة الماكرة، إلا حينَ عزمت " شيرين " على منع أقتراني بها. إلا أنها تأخرت في ذلك، خصوصاً وأن المعنية كانت تنتظرُ مولوداً من بذرةٍ زرعتُها في رحمها بغفلةٍ من القدّر.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من الرواية: واو
- الجزء الأول من الرواية: هاء 3
- الجزء الأول من الرواية: هاء 2
- الجزء الأول من الرواية: هاء
- الجزء الأول من الرواية: دال 3
- الجزء الأول من الرواية: دال 2
- الجزء الأول من الرواية: دال
- الجزء الأول من الرواية: ج / 3
- الجزء الأول من الرواية: ج / 2
- الجزء الأول من الرواية: ج / 1
- الجزء الأول من الرواية: ب / 3
- الجزء الأول من الرواية: ب / 2
- الجزء الأول من الرواية: ب / 1
- الجزء الأول من الرواية: أ / 3
- الجزء الأول من الرواية: أ / 2
- الجزء الأول من الرواية: أ / 1
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 2
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 1
- غرناطة الثانية


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: واو 2